القمني مع الزميل نبيل شرف الدين

نبيل شرف الدين من القاهرة: ما إن أُعلن عن حصول المُفكِر المصري المثير للجدل سيد القمني على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، حتى قامت قيامة الإسلاميين الراديكاليين على تنوع مشاربهم، وبدأ الداعية الذي أصبح يُطلق عليه quot;محتسب مصرquot; الشيخ يوسف البدري، تجهيز أوراقه لإقامة قضية أمام المحاكم المصرية لسحب الجائزة من القمني، كما شنت عدة صحف ذات توجه إسلامي سلفي حملات بالغة الشراسة ضد القمني، ووجهت إليه اتهامات بالإساءة إلى الإسلام ورسوله، ووصل الأمر إلى حد تكفيره صراحة من خلال محاولة استنطاق دار الإفتاء المصرية، بعد أن أقدم موقع إليكتروني على إرسال عبارات مبتسرة من سياقها في كتب القمني بهدف الحصول على فتوى رسمية بتكفيره وارتداده عن الإسلام .

والتقطت عدة فضائيات هذه القضية الشائكة، ووضعت أطرافها وجها لوجه، ليجد القمني نفسه في مواجهة حشد من أعضاء quot;جبهة علماء الأزهرquot;، وهي بالمناسبة جمعية أهلية غير رسمية، وتتبنى آراء مناهضة حتى لشيخ الأزهر ومعظم رجالاته، ويصفونهم بصفات بالغة القسوة كعلماء السلاطين وغير ذلك .

وهكذا تدحرجت كرة اللهب من جبهة علماء الأزهر، إلى جماعة quot;الإخوان المسلمينquot;، وصولاً إلى المجموعات السلفية المتناثرة في مصر، حتى امتدت إلى عدد كبير من مساجد مصر، وكانت خطبة الجمعة مناسبة ليصب خلالها الخطباء جام غضبهم على القمني، وعلى وزارة الثقافة التي منحته الجائزة، الأمر الذي حول تلك الجائزة إلى لعنة حقيقية أصابت المفكر المصري بالرعب من أن يبادر شخص متهور لاغتياله ففرضت أجهزة الأمن رقابة مشددة على منزله، وخصصت له حارساً يرافقه في كافة تحركاته، التي تقلصت تماماً لتقتصر على التردد إلى المستشفى للعلاج من آثار جلطات في شرايينه ودماغه، أو المشاركة في بعض المقابلات التلفزيونية التي أعلن القمني لـ (إيلاف) أنه لن يشارك فيها بعد اليوم حتى إشعار آخر، لأسباب تتعلق بسلامته وأمنه الشخصي وسلامة أفراد أسرته، التي أكد أنها باتت تعاني حصاراً اجتماعياً رهيباً .

هذا وقد علمت (إيلاف) أن سيد القمني نقل إثر هذه الضغوط المتزايدة إلى المستشفى، بعد الاشتباه في احتمال إصابته بجلطة دماغية، وخلال اتصال هاتفي مع أسرته أكدت كريمته د. إيزيس القمني أنه مجهد للغاية، وأنها كابنته وبصفتها طبيبة أيضاً باتت تخشى على حياته، ليس فقط من محاولة اغتياله وهو أمر ليس مستبعداً، بل أيضاً لأنه يعاني عدة أمراض خطرة، وسبق أن أصيب بعدة جلطات وأجرى جراحات في القلب، وأكدت أنها أرسلت مناشدة للرئيس المصري حسني مبارك للتدخل لوقف هذه الحملة الشرسة التي يشنها رموز الإسلام السياسي عبر الفضائيات ومنابر المساجد على والدها .

مناشدة الرئيس

أما كريمته الطبيبة إيزيس القمني فبادرت بالكتابة إلى الرئيس مبارك تقول: نهيب بسيادتكم أن تتدخلوا لإنقاذنا من تهديدات التيارات الراديكالية الإسلامية التي أهدرت دم والدنا، وتواصل التحريض على قتله وقتلنا تحت سمع وبصر الجميع سواء عبر منابر المساجد أو الفضائيات التي يمولها هؤلاء الذين يستغلون الدين لخدمة أهدافهم السياسية، لا لشيء إلا لعجزهم عن مقارعته بالحجة والرأي وذلك منذ حصوله على جائزة الدولة التقديرية، الأمر الذي أفقدهم الصواب تماما لاعتقادهم بتبني الدولة للفكر العلماني الذي جعلوه مرادفاً للكفر والإلحاد زوراً وبهتاناًquot;.

ومضت إيزيس القمني في رسالتها للرئيس المصري قائلة: quot;سيدي الرئيس .. أنت ملاذنا الأخير .. أرجوك .. والدنا منح مصر عمره لكي يؤسس ويؤكد على مبدأ المواطنة وتحقيق الدولة المدنية وحرية الفكر والاعتقاد، أناشدك باتخاذ ما تراه مناسباً لوضع حد لهؤلاء الذين يطاردون الفكر والمساواة والعدالةquot;. ويبدو أن ظهور القمني عبر برنامج بثته فضائية quot;On tvquot; لينطق بالشهادتين مؤكداً إسلامه واحترامه للرسول (ص)، لم يكن كافياً للشيخ يوسف البدري الذي قال إن ما قاله القمني إنه مسلم يحترم الرسول (ص) يدخل في إطار ما أسماه بـquot;مذهب الرُشدية الجديدةquot;ـ نسبة إلى الروائي سلمان رشدي ـ مؤكدا أنه انتهى بالفعل من تجهيز عريضة دعوى قضائية سيتقدم بها في القريب العاجل لرفع دعوى لسحب جائزة الدولة التقديرية من د. حسن حنفي أيضًا، واصفًا إياه بأنه أخطر من القمنيquot;، على حد تعبيره .

في الجانب الآخر من هذا المشهد الملتهب يقف الكاتب الصحافي صلاح عيسى مؤكداً أن تواتر مثل هذه الأزمات يؤكد وجود قطيعة بين التيار الإسلامي وبين الإبداع بصفة عامة، ويسوق الأدلة على ذلك بالإشارة إلى تعدد الصدامات بين الجانبين، والقضايا ذات الصلة بالدراسات العلمية والنصوص الإبداعية، فضلاً عن الأفلام السينمائية والموقف الرافض لكل فنون النحت والتصوير وغير ذلك، وهو ما يقوده ما يصفه عيسى بتعبير quot;حزب المكفراتيةquot;، على حد تعبيره .

وبعبارات مقتضبة قال المفكر الكبير الدكتور فؤاد زكريا، إن الحل يبدأ بأن تطلق الدولة العنان لقوى المجتمع المدني، وأن تفتح الباب للتيار الليبرالي لينزل إلى الشارع لتعمل بحرية، وأن تمنحه الفرصة كاملة في مواجهة تيار يتنامى بشكل لا تخطئه العيون ولا الآذان، يمارس الإرهاب الفكري ضد مخالفيه، ويستقوي بالمؤسسة الدينية تارة، ويعمل على تحريض الغوغاء تارات أخرى، ولا يكف عن ملاحقة الكتّاب والمبدعين والفنانين، وممارسة الوصاية على المجتمع .

أما من جهة القانون فيرى المحامي إبراهيم بركات أن قرار منح جوائز الدولة ليس قرارا إداريا حتى يمكن رفع قضايا ضده أمام القضاء الإداري، وأن الطعن على الجائزة يكون مقصورا على سلامة عملية إجراء الانتخابات فقط، وليست للأمر أي علاقة بأهلية هذا الشخص أو ذاك في الحصول على جائزة الدولة.