&
بو تفليقة
لندن ـ نصر المجالي: رئيس على غير انتظار، ولم يكن من مجموعة الاحزاب العلمانية او التي ناحرتها المتشددة اسلاميا بعد اقصاء الشرعية المتمثلة في جماعة عباسي مدني الذي غادر غير مودع في تاريخ العمل السياسي؟.
الجزائر تعطي ولا تأخذ، وهو قدرها، اعطت الوسيلة ولم تنل النتيجة. جزائر الامس هي غير اليوم، وهواري بومدين ذهب قبل عقدين وخلف الكثير من معطيات الامس ونتائج المستقبل.
بلد المليون من الشهداء ظلت لا تعانق الارض ولا تعرف السماء وافاقه من الغد الآتي، ومنذ 1963 والجزائر تحاول ثم تحاول وهي تظل مراوحة مكانها،. انها واسطة وليس وسيطة، وما بين المتوسطين جاء التشدد وجاء الجنرالات وجاء ما بين بين.
الرئيس بوتفليقة هو ما بين بين، في حال سياسي، ودموي وعقائدي، وديني ايضا؟.
وفي العام 1999 ميلادية، جاء الى الحكم ليس على ظهر دبابة مثل اسلاف مضوا. احزاب لم تتفاهم على رجل يمثلها في قيادة البلاد والعباد كل له اهدافهى البكر في حال سياسي يمكن وصفه بالبكورية او المراهقة.. بعد سنين عجافا كان للتشدد دوره وللعروبية والبربرية سواء بسواء.
دبلوماسي في ظل هواري بومدين للسبعينيات وهو كان شهيرا ومشهورا.. حاله حال اشرف مروان في مصر انور السادات وعبد الحليم خدام في عهد الراحل حافظ الاسد وكمال ادهم في العهد الفيصلي السعودي وزيد الرفاعي في العهد الهاشمي الثالث قبل عبد الله الثاني.
وتلألأ بو تفليقة، ومات العقيد محمد بو خروبة الذي هو الرئيس العربي مناضل حركة عدم الانحياز هواري بومدين، وتيتم وزير الخارجية واقصاه الجنرال الشاذلي، واذا ذاك غادر الى المنافي الاختيارية بين باريس وعواصم دول الخليج ورأس قائمتها ابو ظبي حيث احمد خليفة السويدي عراب السياسة في الامارات وحيث مرتع الاعلام غير المسؤول والصحافة العربية الحرة بمراسلين صادقهم والى الآن رئيس الجزائر لسنوات تأتي.
وحين وجدت الجزائر نفسها حائرة في اتخاذ قرار المصير في القيادة، وحين فشلت الاحزاب جميعا المعارض والمتشدد منها والمعتدل في فرض رئيس المستقبل، كان حظ الدبلوماسي من المنافي البعيدة وهو حظ "يفلق الصخر" في تبوأ المنصب من دون انتخاب او مماحكة سياسية.
وعلى طبق من ذهب جاءته الرئاسة منقادة، واقسم اليمين، ولكن من بعد شهور اشتعلت احداث اولئك الامازيغ من بربر القبائل، ولحسن حظ هذا الرئيس ان هذه القبائل لم يطالبوا برأسه، احتراما للدولة، هم طالبوا برأس يزيد زرهوني وزير الداخلية؟.
هذا الرئيس صاحب الحظ والحظوة، ذهب الى مناطق "الشغب" وفجأة نال الولاء، كم هو محظوظ هذا الرئيس ، وهذا ما يستدعي ان يحسده عليه رئيس الارجنتين الذاهب ضغطا من الشعب من فجوة الجوع والفقر؟ ، فهل الجزائر اغنى من الارجنتين؟؟.
الجزائر بلد نفطي غني في شمال افريقيا، وفيه نفط وغاز وخطوط انابيب تمتد الى اعماق اوروبا عبر موانىء ايطاليا والدول الحليفة على الجانب الآخر الشمالي الاوروبي.
هذه الثروة وهذا الجاه لم يعف الجزائر من مديونية تجاوزت الثلاثين مليارا من الدولارات، وهذا الحال ترك للبنك الدولي ابداء قراره بحرية تامة في تحديد السياسات التي يريد هناك.
جوع، وفوضى سياسية، وحركات متشددة اسلاميا، ودعوات بانتخابات حرة وديموقراطية مستمرة منذ عامين، واحداث غاضبة ومجازر راح ضحيتها مئات الالاف، والرئيس باق في السلطة.
وعلى حين غرة، تجيىء احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) في الولايات المتحدة، وهنا وللمرة الاولى في التاريخ يقدم الارهاب خدمة لرئيس دولة.
جماعة حسان حطاب والزبراوي وهما مطلوبتان للعدالة الاميركية لتشدهما الاسلامي ولارتباطاتهما مع جماعة قاعدة اسامة بن لادن اعطت حكم هذا الرئيس بعدا جديدا في علاقاته الدولية لتثبيت شرعية خارج اطار الزمان والمكان معا.
وقبل ذلك، جاء اقتراح الامم المتحدة في انتهاج (الحل الثالث) لمصير الصحراء الغربية، وحيث بوتفليقة مثقل باعباء (الرئيس) محمد عبد العزيز مع الجارة الغربية مملكة المغرب، فانه رأى ان هذا اهون الشرين "فلنذهب الى الحل الثالث.. ويا دار ما دخلك شر".
جماعة البوليساريو، من دون شك عبء على الجزائر من قبل ذلك سنين عددا، ولأن هذا البلد العربي استضاف ما يسمى بجمهورية الصحراء العربية الديموقراطية الاشتراكية المتمثلة بـ (البوليساريو) فانه ظل في تصريح او تلميح يدعمها ليس من اجل اقامة جمهورية عربية مستقلة ستكون الرقم 24 في الجامعة العربية، وانما "مماحكة للجار الغربي" مملكة المغرب.
وحين يستغل الرئيس بوتفليقة مواصفات الماضي من جزائر هواري بومدين التي كان عميد دبلوماسيتها في الوساطة والتوسط وحسن النيات، فانه يستفيد من قلب الاحداث فترة جديدة لمد عمر حكمه.
واذ نجاحات الجبهة الاسلامية الديموقراطية دفنت حكم الجنرال الشاذلي بن جديد، ثم محمد بو ضياف الرئيس المغتال على حين غرة سياسية، وجيء باليامين زروال جنرال الهدوء الى آخر لحظة، فان عبد العزيز بوتفليقة وجدها الفرصة السانحة قافزا الى الحكم من خلال عواصم في الجوار ومن خلال انهيارات في العمل السياسي على نحو داخلي.
ينتمي عبد العزيز بو تفليقة الذي كان يطلق عليه في السبعينيات الماضية لقب "الدنجوان" كونه طويل الشعر اشقره بعينين خضراوين جرئيتين، الى مدرسة وسطية، يمكن ان يقال عنها "ميكافيللية" في العمل السياسي.
والظروف تخدم عادة المدراء المحظوظين وليس الاكفاء، كما قالت المرئية اللينينية الستالينينية في العهد السوفياتي المنهار، واذ ذاك فان بو تفليقة ليس اكثر من مدير محظوظ في جمهورية حالمة اسمها الجزائر.
وهذا المدير تخدمه التطورات راهنا، فالحرب ضد الارهاب وهي المعلنة من قيادة العالم اعطته مع جنرالات كامنين منذ زمن طويل في السلطة حق التصرف في القمع وتسيير العساكر الى مواقع تلك الجماعات المتورطة باعمال ارهابية عالمية من مثل جماعة حسان حطاب والزبراوي.
هاتان الجماعتان مثل جبهة الانقاذ التي يتزعمها عباسي مدني والعلي بلحاج المعتقل المريض الآن، ولكن ظروفا خدمت الجنرالات اللذين يعاكسون الرئيس بو تفليقة لتجمعما في "فلك واحد" تديم السلطة المشتركة لكليهما.
واخيرا، فان جزائر تعطي ولا تأخذ تمارس الصبر المستحيل، على قدر من الفقر والحاجة رغم انها قد تكون من اغنى بقاع الارض ماليا واقتصاديا وسياسيا ايضا، وكله سواء بسواء.