&داود البصري&

خاص بإيلاف: لم يكن الفعل الإرهابي الأخير والذي إنتهى بمصرع جندي أميركي ومقتل المنفذين وكانا من الجنسية الكويتية يحمل أي عنصر مفاجأة! بل أنه فعل يدخل ضمن قائمة التوقعات أو الأمور المتوقع تصورها في ظل حالة الشحن النفسي القائمة في المنطقة وتعالي الخلاف حول الأولويات في العمل السياسي وكذلك نتيجة لمجمل الأجواء السائدة محليا وإقليميا ومع تصاعد الحديث وبازار التوقعات السياسية عن قرب أجل تنفيذ الضربة التغييرية الأميركية المرتقبة للنظام العراقي، وهي مواجهة قد لاحت بوضوح كل مؤشراتها الإستراتيجية ودلالاتها التعبوية ووجوهها السياسية ، وتتداخل كل تلك العوامل مع تزايد التوتر وسفك الدماء في الساحة الفلسطينية ومحاولة بعض الأطراف ذات التوجهات الدينية وحتى العلمانية الإستفادة من خلط الأوراق القائم لتمرير الآراء والسياسات والظهور الإعلامي إستغلالا للحالة السوداوية القائمة.
والكويت كدولة وكيان تعيش في قلب منطفة الفعل الإستراتيجي الدولية لها دور مؤثر وفاعل فيما يدور من تحركات وفيما ترسم من خطط لمستقبل المنطقة، وهي بالتالي عنصر إستراتيجي حاسم في الدائرة الإستراتيجية الدولية موقعا وسياسة وإقتصاد ، وبقدر كينونتها السياسية بقدر ماهي أطنان المشاكل المترتبة على تلكم المسؤوليات!.
فطيلة العقد الماضي والذي أعقب التحرير من غزو النظام العراقي والتجربة السياسية الكويتية تعيش حالات مد وجزر من التقدم والإنكفاء ثم التقدم ، وهو العقد الذي توج بإعادة (مجلس الأمة) عام 1992 والتجاوز عن تلك الصيغة المسماة (المجلس الوطني) والتي عاشتها الكويت لشهور قليلة سبقت الغزو عام 1990! وكانت أحد أسباب التوتر الحاد الذي حاول النظام العراقي إستغلاله وفشل في ذلك فشلا ذريعا كما هو معلوم،& ليعود الكويتيون ومن خلال مؤتمرهم الشعبي في (جدة) بالمملكة العربية السعودية في أكتوبر عام 1990 ليرسموا صورة مستقبلية للديمقراطية الكويتية بعد التحرير وإستنادا إلى دستور عام 1962
&وبعد التحرير وقيام مجلس الأمة من جديد تبلورت جملة من المشاكل الناجمة عن تبلور تيارات وإتجاهات وعوامل مستحدثة أدت في حصيلتها إلى سيادة حالات مستمرة من الشد والجذب بين السلطتين التنفيذية والتشريعية على خلفية الصراعات بين القوى الليبرالية والإسلامية التي تعاظم دورها وأضحت تشكل رقما صعبا وحساسا في المعادلة الداخلية الكويتية إو على صعيد الإختلاف في وجهات النظر وفي طرق إدارة الأزمة الإقليمية والمحلية في ضوء إختلاف المصالح والتيارات والتوجهات
&لينتكس عمل المجلس ثم يعود أكثر قوة وفعالية في ظل الإصرار الرسمي والشعبي الكويتي على تجاوز الخلافات الداخلية مهما كانت حدتها، ومع ذلك فإن المراقب للأجواء السياسية الكويتية لايحتاج لكثير من الجهد والعناء لإكتشاف إن ( في الجو غيم ) وإن الشفافية الكويتية تخفي تحت عباءتها الشفافة صراعات بنيوية وفكرية حادة لها من الحدة مايثير القلق والريبة والتوجس خصوصا بعد أن تعدت التيارات السياسية الإسلامية كل الحدود المرسومة وهي التي نمت وتنامت حيويتها في أجواء قريبة من السلطة قبل عقد من السنين وكان ظهورها حالة طبيعية لما كانت تشهده المنطقة من تيار متدفق بشكل عام وجاء الغزو العراقي ليكون عاملا مهما في تثبيت هذا التيار وتموضعه في السياسة الداخلية وبات تواجده داخل مجلس الأمة يثير العديد من الصراعات فيما تخوض السلطة الكويتية حقول تجارب سياسية ورؤى إستراتيجية بحذر وتؤدة ودون المساس بمصالح الحلفاء والأصدقاء وفي ظل موازنات دولية دقيقة وحساسة لايملك الكويتيون أزاءها هامشا واسعا للمناورة !
فاللكويت إلتزاماتها المقررة والواضحة في الحرب الأممية المعلنة ضد الإرهاب، كما أن هذا الملف الشائك يثير الحساسية الكويتية أمام العالم وأمام الداخل وليس سرا أن أعداد لايستهان بها من الكويتيين متورطون في بعض النشاطات ذات الطبيعة الأصولية في أفغانستان وأن أعداد أخرى منهم قد فقد أثرهم بعد التصفيات التي شهدتها أفغانستان بعد سقوط الطالبان،& كما أن أعداد أخرى من الكويتيين هم الآن نزلاء المعتقل الشهير في غوانتانامو الكوبيةّ! وأعتقد أن الظهور الإعلامي السابق للناطق بإسم القاعدة الكويتي سابقا ( سليمان بو غيث )
قد جعل المواجهة الرسمية مع الجماعات الإصولية تدخل منعطفا حاسما يؤشر بشكل واضح على نهاية فترة التعايش الحرج وبداية المواجهة الساخنة والتي تفاعلت صيغها دراماتيكيا بعدما حدث في (فيلكا)! مع تزايد لجوء البعض من أتباع هذه الجماعات لإستغلال بعض الفضائيات (الجزيرة) وبعض الصحف العربية اللندنية لإدخالها في حومة الخلاف المستعر، وهو خلاف لاتملك الحكومة الكويتية وهي تستعد لمواجهة التداعيات التي قد تنجم عن الحرب القادمة القريبة على تخومها الشمالية والغربية أي بدائل عنه
&ولكنها بطبيعة الحال لاترغبه ولاتتمناه وتحرص أشد الحرص على النأي بالكويت وشعبها عن أية آثار سلبية قد تنجم، وقد كان تصريح الحكومة الكويتية واضحا حول (إرهابية حادث فيلكا) كما أن وزير الدولة للشؤون الخارجية الشيخ الدكتور محمد صباح السالم كان واضحا في تأكيده للتوجهات الرسمية وهو الأمر الذي يترجم عمليا بأن ساعة الحقيقة قد حانت وبأنه لا مجال للحلول الوسطى ولمسك العصا من النصف في قضية إستراتيجية كبرى تتعلق بمستقبل المنطقة والعالم أيضا؟ فهل كانت رصاصات فيلكا هي إطلاقات الرحمة على سجل طويل من التسامح وسعة الصدر الرسمية الكويتية ؟ أم أنها البداية الأصولية الكويتية لمواجهة لن تستطيع كسبها ولا المراهنة عليها ... فرياح التغيير تدق الأبواب والشبابيك بعنف ولاشيء يعصم الجميع سوى رحمة الله.