لندن كارولين ميشيل: كل الفلسطينيين سواء الذين يواجهون كل يوم دبابات اسرائيل في اراضي السلطة الفلسطينية او في مخيمات اللجوء في الاردن او سورية او لبنان يرون في الحرب الدائرة ضد العراق، انها ضد قضيتهم المركزية بالتبعية. ولذلك فهم سواء انتصرت الولايات المتحدة او هزمت وهي بالطبع لن تهزم لم يدينوا بالولاء التاريخي لحاكم بغداد صدام حسين رغم التأييد الشنيع له وهو اضر بمصالحهم كثيرا.
لكن هناك نوعا آخر من الفلسطينيين يبدون وكأنهم منسيين، ولكنهم ليسوا كذلك اذا ما عرف الدور المهم الذي يقومون به خدمة لحاكم العراق البعثي صدام حسين، هؤلاء هم ما يزيد عن ربع مليون فلسطيني قادتهم الظروف للعيش في العراق عبر النكبات الكثيرة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني منذ قيام دولة اسرائيل في العام 1948 .
هذه الاعداد التي بدأت ضئيلة قبل اكثر من نصف قرن في الوصول الى الاراضي العراقية تنامت وكثرت من دون ان تكون مطروحة كصاحبة قضية لجوء او حق عودة الى وطنهم الاصل، فغالبيتهم مع توالي السنين حملوا الجنسية العراقية لقاء تقديم خدمات سياسية لأنظمة الحكم التي تعاقبت على العراق، وآخرها حكم الرئيس صدام حسين البعثي الذي استغلهم ابشع استغلال اعلامي وسياسي.
وهم لهثوا وراء الحاكم العراقي من بعد اوهام وعده لهم العام 1990 قبل غزوه الكويت بحرق نصف اسرائيل بالكيماوي وهو وعد جر عليه وعلى العراق وعلى ضيوفه الفلسطينيين (العراقيين) والفلسطينيين الآخرين بكل المىسي والكوارث لاحقا الى اللحظة.
لا يعيش هؤلاء الالاف مثل غيرهم من بني جلدتهم عالة على وكالة غوث اللاجئين (اونروا) ولذلك فمعاناتهم تقل كثيرا عن معاناة اولئك الذين قادهم حظهم السيء نحو الاردن وسورية ولبنان.
الواضح ان حكم حزب البعث تحديدا استخدم ضيوفه الفلسطينيين لصالحه وهو اذ خدمهم بمنحهم كامل الجنسية العراقية فإنهم خدموه على اكثر من ساحة سياسية عربية، ولعل غزو الكويت العام 1990 كان المثل الصارخ، حيث قوام القوات الشعبية التي ابقاها صدام في تلك الدولة الخليجية التي احتلها كانوا من الفلسطينيين بعد ان تم سحب وحدات الحرس الجمهوري بعد ان نفذت مهمة الاحتلال وتركت للجيش الشعبي مهمة الادارة.
وبالطبع فالكل يذكر ان افراد هذا الجيش مارسوا ابشع انواع الممارسات اللاأخلاقية والانتهاكات بحق الشعب الكويتي، فهم قتلوا وسحلوا وحاكموا وسرقوا ونهبوا الكثير من ثروات الشعب الكويتي.
والآن مع الحرب الدائرة ضد حكم صدام حسين وجهود اطاحته، فإن الفلطسينين (العراقيي الجنسية) يواجهون مرحلة دفع الثمن وهو قد يكون ثمنا غاليا، ونشير هنا الى ان جميع المعلومات تؤكد تورط اعدادا كبيرة من هؤلاء يقاتلون الى جانب قوات صدام، وغاليتهم منخرطون اما في ميليشيات البعث (فدائيي صدام) او فدائيي القدس.
وافراد هاتين الجماعتين من اكثر المطلوبة رؤوسهم للقوات الاميركية والبريطانية التي بدأت عملية تنظيف في المدن العراقية من تلك العناصر التي تعتبر خطيرة وهي متهمة باستخدام دروع بشرية في تلك المدن، كما ان عندهم تعليمات صارمة من قائدهم عدي النجل الاكبر لحاكم العراق باعدام أي مواطن عراقي لا يتعاون معهم ضد قوات الغزو.
وحسب مصادر غربية، فإن هؤلاء الفلسطينيين العراقيين البعثيين يقاتلون بشراسة في مدن كالبصرة حيث هم متحصنون وراء دروع بشرية، وهم الآن متحصنون في العاصمة بغداد، وتقول هذه المصادر ان هؤلاء يدافعون عن آخر مكاسب لهم تحت مظلة النظام الذي سيزول حيث زواله زوالا لهيبتهم ومكاسبهم الشخصية التي حققوها لقاء خدماتهم لحزب البعث.
يذكر ان حكم البعث ايضا استضاف وظل منظمات فلسطينية (فدائية) على اراضيه تحقيقا لمآربه ليس خدمة لقضية الشعب الفلسطيني بالطبع، فحزب البعث شكل في نهاية الستينيات الماضية فصيلا مقاتلا فلسطينيا ممثلا بالجبهة العربية ردا على تشكيل حزب البعث في سورية لمنظمة الصاعقة الفلسطينية.
وفضلا عن ذلك فبغداد كانت ملاذا ولا تزال لجبهة تحرير فلسطين التي يتزعمها محمد عباس (ابو العباس) الذي تورط بتنفيذ خطف السفينة الايطالية (اخيلي لاورو) 1986 وقتل اميركي كان على متنها، وهو مطلوب للولايات المتحدة بهذه التهمة، اضافة الى تهم اخرى.
كما ان بغداد البعث كانت ملاذا لحركة فتح المجلس الثوري التي كان يتزعمها صبري البنا (ابو نضال) الذي قيل ان جهاز الاستخبارات العراقية قتلته في منزله قبل اربعة اشهر. وهذه الجبهات والمنظمات الفلسطينية ساهمت لقاء استضافتها عند الحزب الحاكم في تنظيم صفوف الفلسطينيين وراء الحزب الحاكم وتدريبهم على اعمال حرب العصابات وعمليات الاغتيال.
وقد ساهم هؤلاء وهم يعدون بالالاف على مدى السنين بافعال اجرامية ضد فلسطينيين من بني جلدتهم وضد عرب آخرين سواء داخل العراق او خارجه خدمة لأغراض البعث الحاكم، ولعل مشاركتهم الحالية في القتال الى جانب النظام تعتبر آخر معاركهم الخاسرة على ما يبدو.
وما علمته "إيلاف" انه الى اللحظة تم اعتقال مئات من هؤلاء الفلسطينيين على ايدي القوات الاميركية والبريطانية وهم سيقدمون الى المحاكمة ولن يتم التعامل معهم كأسرى حرب كونهم ليسوا من الجيش العراقي النظامي.
وفي الأخير، فإنه يبدو ان هذه الاعداد الهائلة من البشر بدأوا يتجرعون نتائج افعالهم، فلم تعد تفيدهم حياة الرفاه التي اغدقها عليهم الحزب الحاكم الذي تعامل معهم كأداة لتحقيق اغراضه الخاصة.
ولعل من اهم المشكلات التي سيواجهها هؤلاء انهم لم يعودوا يعتبرون في اطار اللاجئين الفلسطينيين الذين يمكن ان يتم تفاوض في شأنهم في المرحلة النهائية لحل ازمة الشرق الاوسط، هذا فضلا عن ان غالبية من كان يحمل منهم الجنسية الاردنية التي كانت تمنح للاجئين الفلسطينيين فقدوها لحملهم جنسية اخرى هي العراقية، ولذلك فان مأساة عشرات منهم محاصرون الان في الرويشد نقطة الحدود الاردنية العراقية بداية مشوار طويل من مسلسل دفع الثمن لحياة انخراط في بذل جهد وراء الوهم.