&شمعون دنحو
&
&
طرأ في الآونة الأخيرة تغيير واضح على الخطاب القومي لبعض الأطراف الكردية في سوريا وخارجها. وبدأ اكراد سوريا باستنساخ تجربة وخطاب اكراد العراق. فعلى سبيل المثال، نرى أن مصطلحي "كردستان سوريا" و "كردستان الغربية" يدخلان ضمن الخطاب القومي والسياسي لعدد غير قليل من الاطراف والنخب المثقفة الكردية السورية، ويلاحظ هذا التغيير بشكل واضح في وسائل الإعلام التابعة لمستقلين او منظمات كردية وحتى عربية. ويحاول البعض الترويج لهذه المصطلحات "العنصرية" تمهدياً لفرضها مستقبلاً على الرأي العام السوري، تماماً مثلما نجح اكراد العراق بفرض مصطلحي (كردستان العراق) و (كردستان الجنوبية) على العراقيين. فمثلاً، عبر أحدهم عن هذه السياسة (التكريدية) بقوله: ((أعتقد أنه يمكن القول بأن الكرد السوريون شعب بخصائص قومية متميزة تماما يعيش على أرضه التي يمكن تسميتها كردستان سوريا، وهذا الوجود التاريخي الجغرافي يشكل الأساس الأول لأي حقوق يستحقها الأكراد السوريين وعلى رأسها حق تقرير المصير.)) (المصدر: موقع الحوار المتمدن في الانترنيت، 5/9/2003). وحول طمع الاكراد بالثروة النفطية العراقية والسورية، جاء في موقع الاتحاد الاسلامي الكردستاني ما يلي: "وفي كردستان ثروة نفطية هائلة، وخاصة في (كركوك و خانقين العراق) و(سعرت - تركيا) و(شاه آباد - ايران) و(رميلان - سوريا".
ونذكر أيضاً على سبيل المثال والمقارنة ما بين الخطابين (الكردي العراقي والكردي السوري)، بخصوص سياسات التكريد، الاشكالية حول تسمية مدينة "رأس العين" السورية الشهيرة بالقرب من الحدود التركية، وكيف يحاول البعض تكريد التسمية بعد ترجمتها من العربية الى الكردية لتصبح (سه ري كاني)، وبهذا يقلدون اكراد العراق الذين قاموا بتكريد تسمية (اربيل) العراقية الى التسمية الكردية (هه لير)، وتسمية (اينا دنونى) - منطقة كلدوآشورية تم تكريدها - الى (كاني ماسي) بعد ترجمة الاسم حرفيا من لغة العراق القديمة "السريانية" الى الكردية وتعني التسمية (عين السمك). و"رأس العين" مدينة سورية لم يقطنها الاكراد الا في القرن العشرين وهم اليوم يشكلون اقلية فيها. وتاريخ المدينة السوري معروف للقاصي والداني، ولاسيما انها اشتهرت بمدرستها السريانية الشهيرة (مدرسة ريش عينا)، ونذكر من اشهر خريجها رئيس أطباء رأس العين والقسيس السرياني (سرجيس دريش عينا 536 م). وتاريخ هذه المدرسة الى جانب مدارس السوريين "السريان" في نصيبين والرها المجاورتين لها، معروف ومدون في المصادر الغربية والعربية والسريانية وغيرها. والمضحك في هذه المسالة ان اخوتنا الاكراد يذكرون تسمية "مدينة رأس العين" مثالا على سياسات التعريب التي تمارس ضدهم، بينما الحقيقة ان الاكراد ايضا يمارسون سياسة التكريد تجاه التسمية السورية لمدينة (رأس العين) وتجاه التاريخ السوري العريق!
وبات معلوماً للكل، ان زمن تواجد الاكراد في منطقة الجزيرة السورية (شمال شرق سوريا)، يعود الى سنة 1925 م، اثر هروب الاكراد من ملاحقة الاتراك لهم، وأيضاً بسبب البحث عن فرص عمل جديدة وحياة افضل. هذه الحقيقة البسيطة والواضحة والتي لا تعيب بشيء، قد صرح بها وبدون خجل الزعيم الكردي المعروف عبدالله اوجلان، وقال حرفيا:(إن غالبية الشعب الكردي في سوريا قد نزحت من كردستان الشمالية. البعض يروج لمقولة كردستان سوريا. إن هذا الطرح ليس موضوعيا وهو ليس مفهوم دقيق، التسمية الأصح هو أن نقول عنهم الأكراد السوريون).
هنا يبرز سؤال مهم، لماذا يتجنب الاكراد السوريون الاعتراف بان التواجد الكردي في سوريا حديث العهد، ولا سيما ان عملية حصول الاكراد او غيرهم من الشرائح السورية على حقوقهم الطبيعية غير مرتبط بعدد السنوات التي اقاموا فيها داخل سوريا، بل تتعلق القضية كلها بمسالة تفضيل خيار الديمقراطية وكيفية حل مشكلة التنوع الأقوامي واللغوي والديني في عموم سوريا، وأيضاً الابتعاد عن التشدد الديني الغير مبرر. ثم ان قول الحقيقة، لا يعني بالضرورة التقليل من الانتماء الوطني لاكراد سوريا. وبدل ان يسلط هؤلاء الأضواء على مطالب الاكراد الطبيعية في سوريا والتي لا تنفصل ابدا عن مطالب الفئات السورية الاخرى، راحت بعض المنظمات والاحزاب والشخصيات الكردية بشن حملات تكريدية غايتها تشويه وتزوير تاريخ سوريا كما فعل قبلهم العروبيون في نقل صورة مشوهة عن تاريخ المنطقة المشرقية.
ومن أجل الترويج لإسطورة (كردستان المقسمة الى أربعة أجزاء او اكثر)، جند الاكراد (وخصوصا اكراد العراق) أعداداً كبيرة من الباحثين والكتاب لأجل إعادة كتابة تاريخ أعالي ما بين النهرين من جديد (كما فعل قبلهم صدام حسين) ليخدم طروحاتهم ومشاريعهم السياسية الضيقة والتي تضرهم قبل غيرهم، مدعين بأنهم قد قطنوا شمال شرق سوريا منذ الاف الاعوام من خلال ربط أصولهم بشعوب آرية قديمة قدمت الى المنطقة من بلاد فارس والأناضول وانصهرت او انقرضت منذ أكثر من (2500) عام، مثل السوباريين والخلديين والميتانيين والميديين.، وبما ان مجموعات كبيرة من هذه الأقوام قد نزحت من موطنها الأصلي باتجاه شمال الرافدين وأقامت لها بعض المستعمرات في سوريا وبلاد ما بين النهرين قبل الميلاد، وبما ان الاكراد هم من أصول آرية أيضاً، فيحتمل ان يكون هؤلاء من أجداد الاكراد الحاليين!! ولهذا فان الارض تعود حتما الى الاكراد لأنهم (سكانها الأصليون)!؟ (هذا حسب النظرية الكردية). أما بخصوص المرحلة التاريخية والتي تقدر بـ ثلاثة الاف سنة ما بين انقراض الاقوام الآرية التي قدمت للمنطقة السورية وإستقرار أول كردي في الجزيرة السورية مطلع القرن الماضي، فتلك مرحلة غير مهمة للاكراد وهي ثانوية بالنسبة لهم، ويتم القفز عليها ورميها خلف الظهر بسهولة.
وهكذا يتجاهل الاكراد تاريخ المنطقة الوطني المحلي الحقيقي، أي تاريخ ما قبل وبعد أفول نجم الميديين والميتانيين والسوباريين والخلديين واختفائهم من الوجود أو انصهارهم ضمن النسيج السوري والرافديني، او طردهم بأتجاه أراضيهم في بلاد فارس والأناضول. فمثلاً، يذكر الباحثون في التاريخ ان تل براك (وتعني في السريانية تل السجود) بالقرب من رأس العين الحالية كانت عاصمة الملك الاكادي الشهير نارام سين، ومنطقة تل ليلان الواقعة بالقرب من مدينة القامشلي، كانت عاصمة للدولة الاشورية في عهد الملك شمشي حدد (1750ق.م). وعلى رقعة الجزيرة السورية قامت مملكة ارام النهرين قبل الميلاد، وعرفت المنطقة بعد الميلاد بـ "ديار ربيعة" أو (برية نصيبين) كناية بأشهر مدن الجزيرة وقتذاك (نصيبين) ذات الحضارة وربة العلم على مدى قرون عديدة قبل أن تدخلها الشعوب المغولية والتركية والكردية. وعلى نهر الفرات اشتهرت منطقة ماري الغنية عن التعريف. والمنطقة المجاورة للجزيرة السورية من الشمال والشرق، هي منطقة متجانسة تاريخيا ولغويا وسكانيا وجغرافيا وكانت تشكل الجزء الشمال لبلاد ما بين النهرين العريقة، وهي بالطبع غنية عن التعريف.
بالحقيقة، ان مسألة كون أصل الاكراد يعود الى الميديون او الحوريون أو غيرهم لا يعطى لها أهمية في حال عدم قيام الاكراد من خلال هذه النظرية (التي لم تثبت بعد، وتنقصها الأدلة)، ليبرهنوا انهم سكنوا منطقة الجزيرة (السورية والعراقية)، منذ الاف السنين وبالتالي ليبرروا ضم هذه المنطقة الى (مشروع كردستان) تحت شعارات الفيدرالية وحق تقرير المصير؟ ثم ان الارمن والاتراك يدعون ايضا انهم يعودون الى اصول ميتانية وسوبارية وحثية وخلدية، حتى ان تركيا غيرت اسم لواء اسكندرونة السوري الى (لواء حتاي) أي (اللواء الحثي)، تماما كما يتمنى بعض الاكراد تغيير اسم الجزيرة السورية الى (كردستان الغربية!). ثم الا يعطي كل هذا مبررات للاتراك أيضاً لكي يعيدوا مرة أخرى احتلال المنطقة وخصوصا ما كان يسمى بـ (ولاية الموصل) وشمال سوريا بحجة ان الحثيين أقاموا لهم في الماضي السحيق مستعمرات في شمال ما بين النهرين وهم من أجداد الاتراك الحاليين!!
مسؤول دار سركون للنشر في السويد
[email protected]
ونذكر أيضاً على سبيل المثال والمقارنة ما بين الخطابين (الكردي العراقي والكردي السوري)، بخصوص سياسات التكريد، الاشكالية حول تسمية مدينة "رأس العين" السورية الشهيرة بالقرب من الحدود التركية، وكيف يحاول البعض تكريد التسمية بعد ترجمتها من العربية الى الكردية لتصبح (سه ري كاني)، وبهذا يقلدون اكراد العراق الذين قاموا بتكريد تسمية (اربيل) العراقية الى التسمية الكردية (هه لير)، وتسمية (اينا دنونى) - منطقة كلدوآشورية تم تكريدها - الى (كاني ماسي) بعد ترجمة الاسم حرفيا من لغة العراق القديمة "السريانية" الى الكردية وتعني التسمية (عين السمك). و"رأس العين" مدينة سورية لم يقطنها الاكراد الا في القرن العشرين وهم اليوم يشكلون اقلية فيها. وتاريخ المدينة السوري معروف للقاصي والداني، ولاسيما انها اشتهرت بمدرستها السريانية الشهيرة (مدرسة ريش عينا)، ونذكر من اشهر خريجها رئيس أطباء رأس العين والقسيس السرياني (سرجيس دريش عينا 536 م). وتاريخ هذه المدرسة الى جانب مدارس السوريين "السريان" في نصيبين والرها المجاورتين لها، معروف ومدون في المصادر الغربية والعربية والسريانية وغيرها. والمضحك في هذه المسالة ان اخوتنا الاكراد يذكرون تسمية "مدينة رأس العين" مثالا على سياسات التعريب التي تمارس ضدهم، بينما الحقيقة ان الاكراد ايضا يمارسون سياسة التكريد تجاه التسمية السورية لمدينة (رأس العين) وتجاه التاريخ السوري العريق!
وبات معلوماً للكل، ان زمن تواجد الاكراد في منطقة الجزيرة السورية (شمال شرق سوريا)، يعود الى سنة 1925 م، اثر هروب الاكراد من ملاحقة الاتراك لهم، وأيضاً بسبب البحث عن فرص عمل جديدة وحياة افضل. هذه الحقيقة البسيطة والواضحة والتي لا تعيب بشيء، قد صرح بها وبدون خجل الزعيم الكردي المعروف عبدالله اوجلان، وقال حرفيا:(إن غالبية الشعب الكردي في سوريا قد نزحت من كردستان الشمالية. البعض يروج لمقولة كردستان سوريا. إن هذا الطرح ليس موضوعيا وهو ليس مفهوم دقيق، التسمية الأصح هو أن نقول عنهم الأكراد السوريون).
هنا يبرز سؤال مهم، لماذا يتجنب الاكراد السوريون الاعتراف بان التواجد الكردي في سوريا حديث العهد، ولا سيما ان عملية حصول الاكراد او غيرهم من الشرائح السورية على حقوقهم الطبيعية غير مرتبط بعدد السنوات التي اقاموا فيها داخل سوريا، بل تتعلق القضية كلها بمسالة تفضيل خيار الديمقراطية وكيفية حل مشكلة التنوع الأقوامي واللغوي والديني في عموم سوريا، وأيضاً الابتعاد عن التشدد الديني الغير مبرر. ثم ان قول الحقيقة، لا يعني بالضرورة التقليل من الانتماء الوطني لاكراد سوريا. وبدل ان يسلط هؤلاء الأضواء على مطالب الاكراد الطبيعية في سوريا والتي لا تنفصل ابدا عن مطالب الفئات السورية الاخرى، راحت بعض المنظمات والاحزاب والشخصيات الكردية بشن حملات تكريدية غايتها تشويه وتزوير تاريخ سوريا كما فعل قبلهم العروبيون في نقل صورة مشوهة عن تاريخ المنطقة المشرقية.
ومن أجل الترويج لإسطورة (كردستان المقسمة الى أربعة أجزاء او اكثر)، جند الاكراد (وخصوصا اكراد العراق) أعداداً كبيرة من الباحثين والكتاب لأجل إعادة كتابة تاريخ أعالي ما بين النهرين من جديد (كما فعل قبلهم صدام حسين) ليخدم طروحاتهم ومشاريعهم السياسية الضيقة والتي تضرهم قبل غيرهم، مدعين بأنهم قد قطنوا شمال شرق سوريا منذ الاف الاعوام من خلال ربط أصولهم بشعوب آرية قديمة قدمت الى المنطقة من بلاد فارس والأناضول وانصهرت او انقرضت منذ أكثر من (2500) عام، مثل السوباريين والخلديين والميتانيين والميديين.، وبما ان مجموعات كبيرة من هذه الأقوام قد نزحت من موطنها الأصلي باتجاه شمال الرافدين وأقامت لها بعض المستعمرات في سوريا وبلاد ما بين النهرين قبل الميلاد، وبما ان الاكراد هم من أصول آرية أيضاً، فيحتمل ان يكون هؤلاء من أجداد الاكراد الحاليين!! ولهذا فان الارض تعود حتما الى الاكراد لأنهم (سكانها الأصليون)!؟ (هذا حسب النظرية الكردية). أما بخصوص المرحلة التاريخية والتي تقدر بـ ثلاثة الاف سنة ما بين انقراض الاقوام الآرية التي قدمت للمنطقة السورية وإستقرار أول كردي في الجزيرة السورية مطلع القرن الماضي، فتلك مرحلة غير مهمة للاكراد وهي ثانوية بالنسبة لهم، ويتم القفز عليها ورميها خلف الظهر بسهولة.
وهكذا يتجاهل الاكراد تاريخ المنطقة الوطني المحلي الحقيقي، أي تاريخ ما قبل وبعد أفول نجم الميديين والميتانيين والسوباريين والخلديين واختفائهم من الوجود أو انصهارهم ضمن النسيج السوري والرافديني، او طردهم بأتجاه أراضيهم في بلاد فارس والأناضول. فمثلاً، يذكر الباحثون في التاريخ ان تل براك (وتعني في السريانية تل السجود) بالقرب من رأس العين الحالية كانت عاصمة الملك الاكادي الشهير نارام سين، ومنطقة تل ليلان الواقعة بالقرب من مدينة القامشلي، كانت عاصمة للدولة الاشورية في عهد الملك شمشي حدد (1750ق.م). وعلى رقعة الجزيرة السورية قامت مملكة ارام النهرين قبل الميلاد، وعرفت المنطقة بعد الميلاد بـ "ديار ربيعة" أو (برية نصيبين) كناية بأشهر مدن الجزيرة وقتذاك (نصيبين) ذات الحضارة وربة العلم على مدى قرون عديدة قبل أن تدخلها الشعوب المغولية والتركية والكردية. وعلى نهر الفرات اشتهرت منطقة ماري الغنية عن التعريف. والمنطقة المجاورة للجزيرة السورية من الشمال والشرق، هي منطقة متجانسة تاريخيا ولغويا وسكانيا وجغرافيا وكانت تشكل الجزء الشمال لبلاد ما بين النهرين العريقة، وهي بالطبع غنية عن التعريف.
بالحقيقة، ان مسألة كون أصل الاكراد يعود الى الميديون او الحوريون أو غيرهم لا يعطى لها أهمية في حال عدم قيام الاكراد من خلال هذه النظرية (التي لم تثبت بعد، وتنقصها الأدلة)، ليبرهنوا انهم سكنوا منطقة الجزيرة (السورية والعراقية)، منذ الاف السنين وبالتالي ليبرروا ضم هذه المنطقة الى (مشروع كردستان) تحت شعارات الفيدرالية وحق تقرير المصير؟ ثم ان الارمن والاتراك يدعون ايضا انهم يعودون الى اصول ميتانية وسوبارية وحثية وخلدية، حتى ان تركيا غيرت اسم لواء اسكندرونة السوري الى (لواء حتاي) أي (اللواء الحثي)، تماما كما يتمنى بعض الاكراد تغيير اسم الجزيرة السورية الى (كردستان الغربية!). ثم الا يعطي كل هذا مبررات للاتراك أيضاً لكي يعيدوا مرة أخرى احتلال المنطقة وخصوصا ما كان يسمى بـ (ولاية الموصل) وشمال سوريا بحجة ان الحثيين أقاموا لهم في الماضي السحيق مستعمرات في شمال ما بين النهرين وهم من أجداد الاتراك الحاليين!!
مسؤول دار سركون للنشر في السويد
[email protected]
التعليقات