طارق ضاهر من بيروت: وكما هي العادة، يخصص شهر رمضان بسلسلة من الأعمال الدرامية التي أخذت تنتظر قدومه سنوياً اغتناماً للفرصة التي تتيحها خصوصيات هذا الشهر واستغلالاً بعد ذلك للأيام التي تليه للإفادة من بضع حلقات تتخطى الثلاثين المخصصة لها. وإذا ما خصصنا القراءة للأعمال التاريخية في الأعوام الأخيرة، نجد أنها بدأت تربط وجودها بنسبة كبيرة بهذا الشهر بالذات.
تناول التاريخ أمر جميل لاستذكار مراحل شاءت ظروف الحياة المتطورة أن تبعد الإنسان عن التمعن في الجذور التي مهدت لاستمرارية مجهولة الزمان. أما الملاحظ فهو تخصيص شخصيات تاريخية بأعمال تروي سيرتها والبصمات التي تركتها، إن كان على الصعيد الإسلامي أو غيره من التاريخ الذي سبقه أو تلاه.
وللعام الثالث على التوالي يلعب نور الشريف دوراً جدلياً. لكن الشخصية الرمضانية الجديدة تختلف عن سابقاتها. هي ليست من وحي الخيال والإبداع. إنها شخصية تاريخية إسلامية يختلف شأنها بين مذهبين اثنين. بين السنة والشيعة. يختلف توثيقها تبعاً للانقسام الذي طرأ على الدين الإسلامي وحوّل الدين الواحد إلى مذاهب متعددة كتبت تاريخها في أمور لم تحسم بعد ويبدو أنها لن تحسم. شخصية ظهرت منذ أول أيام شهر رمضان على بعض قنوات التلفزة العربية الفضائية.
&" رجل الأقدار "، اسم للمسلسل الذي يختصر وصف الشخصية المحورية عمرو بن العاص. وإن كانت الحلقات لم تنته حتى الآن، على الرغم من وصولها إلى الرقم ثلاثين ( اللهم إلا إذا تخطى الأربعين حلقة ) تظهر خللاً في اختيار شخصية بعيدة من الأخذ والرد في شأنها.
تاريخياً، عمرو بن العاص من وجهة النظر الشيعية التوثيقية فهو الذي ثبّت معاوية بن أبي سفيان في الخلافة بعد حيلة انطلت على أبي موسى الأشعري الذي خلع علي بن أبي طالب من الخلافة كما يخلع الخاتم من يده. وهذا الأمر يأتي في التوثيق الشيعي بعد معركة صفّين التي قامت بين علي بن أبي طالب ومناصريه وبين معاوية وأنصاره ولجأ في خلالها معاوية إلى " خدعة "رفع المصاحف على أسنة الرماح بعد أن رجحت كفة علي ورجاله في المعركة. فعمرو شبه ملعون إذن من قبل التوثيق الشيعي البريء، على الأرجح، مما يعرضه المسلسل " سني التوثيق " الذي يعتبر ابن العاص رجلاً من رجالات الفتوحات الإسلامية والشهير بفتح مصر.
يبدو أن القيمين على العمل لم يتنبهوا إلى الجدل الذي لا بد وأن يقوم، خصوصاً وأن المعالجة النصية كتابة وحواراً تظهر عمراً رجلاً خارقاً في كل شيء، تفكيراً وقتالاً ومعاملة. وقد تكون خاصية العمل، المصري التوقيع، إظهار قدرة الرجل الذي كان له دوره في إدخال الدين الإسلامي إلى مصر. ولعل العنوان " رجل الأقدار " يدل إلى أحد المعنيين، أولهما أن هذ1 الرجل تلعب الأقدار دورها الايجابي في حياته العامة، وثانيهما أنه قادر على كل شيء. إضافة إلى إبراز الشخصيتين الأوفر حظاً في نيل أكبر قسط من " اللعنة الشيعية " وهما معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد، الأول مغتصب الخلافة من علي بن أبي طالب والثاني المنكّل بأهل البيت وقاتل الحسين، وكلا الأمرين يتم توثيقهما عند الشيعة.
وإذا ما استرسلنا في الحديث تاريخياً والأمور التي توضع علامات استفهام حولها، فيمكن اختصار ذلك بحالة خالد بن الوليد الذي خصصته السينما سابقاً بفيلم. فالمعروف تاريخياً أن الخليفة عمر نحّى خالد عن قيادة معركة اليرموك وعيّن مكانه ابا عبيدة بن الجراح ولم يتم التطرق إلى أكثر من ذلك، إلا أن الكاتب سامي غنيم كانت له الكلمة في الامعان بإظهار " سيف الله المسلول " في موقع الضعيف المذلول حتى وصل الأمر إلى تقييده من قبل اثنين بعث بهما " خليفة المسلمين " لسؤاله عما إذا كان دفع لأحدهم من بيت مال المسلمين أم من حرّ ماله.
الحوار المكتوب وإن كان عميقاً أحياناً من خلال استخدامه لبعض المصطلحات المتداولة في تلك الفترة من التاريخ العربي، إلا أنه لم يتخلّ عن كثير من العامية المصرية التي توّجت ذلك في لفظ العديد من الممثلين لمخارج الحروف وأكثر ضحاياها حروف " الثاء " الذي يلفظ سيناً و" الذال " الذي يلفظ " زين " و" الجيم " الذي باللكنة المصرية.
إخراجياً، لم يوفق وفيق وجدي في إدارة العمل. فظهرت الزوايا الغريبة للكاميرا في أكثر من مكان، إضافة إلى سوء استخدام الكمبيوتر في الكثير من المشاهد، خصوصاً التي تظهر سفن الروم المرسومة تجوب عرض البحر، وتلك التي تعيد إلصاق بعض الصور لزيادة العدد في المشاهد القتالية. أما الطامة الكبرى فتكمن في استعانة عمل درامي بمشاهد من أعمال أخرى، الأمر الذي ظهر جلياً في مشاهد كثيرة اختلفت فيها ألوان وجودة الصورة من جهة، ولا تشبه الكادرات التصويرية لوجدي لا من قريب ولا من بعيد. إضافة إلى عدم التمعن في النص الذي قد يكون الكاتب وقع في هفوات ممكنة. وخير مثال على ذلك المشهد الذي يتم فيه اعتقال جنود روميين جردوا من أسلحتهم وأُدخلوا إلى خيمة عمرو للتحقيق معهم. قائدهم يعترف حفاظاً على سلامة جنوده ومن ثم يخرج خنجراً غير صغير في حجمه ليسهل إخفاؤه، فيقتل نفسه تطهيراً من الخيانة التي أقدم عليها. فكيف يمكن للعقل أن يصدّق أن أسيراً استطاع أن يخفي خنجراً عن أعين معتقليه؟. وهذه الأمور كلها إن أضيفت إلى اهتزاز الرؤيا الاخراجية إنما يعكس ضعفاً إنتاجياً هائلاً لعمل من المفترض أن ينافس بأبطال حققوا نجاحات متتالية في أعوام سابقة. إلا أن الأمور تظهر أن القيمين على المسلسل كانوا يراهنون على نور الشريف لإنجاح العمل وهو أمر- إن حدث- لا يبرر الجدل الذي يثيره.