محمد البقري من صوفيا: يعتقد الاتحاد الاوروبى أن استقرار دول غرب المنطقة ‏ ‏البلقانية واعدادهم للالتحاق بالعضوية الكاملة للاتحاد يمثل اهم الاولويات فى ‏‏البرامج السياسية الخارجية لبروكسل.غير ان النتائج التى اسفرت عنها مؤخرا الانتخابات فى صربيا وكرواتيا قد وضعت ‏‏علامات استفهام كبيرة وزادت من الشكوك حول امكانية مواصلة الدور الاوروبى بنجاح ‏‏فى هذا الجزء من القارة الاوروبية وفى تحقيق خطوات متقدمة على طريق الاهداف ‏‏المرجوة. ‏
‏ يشار الى ان الانتخابات الرئاسية فى صربيا والتى اجريت خلال شهر نوفمبر الماضي ‏
‏قد فشلت وللمرة الثالثة فى اختيار رئيس جديد لضعف المشاركة الشعبية فى التصويت ‏
‏بنسبة اقل من 50 فى المئة كما ينص الدستور. ‏‏ ومن هذا المنطلق تتجه انظار دول الاتحاد الاوروبى بقلق شديد الى ما يمكن ان ‏‏تسفر عنه الانتخابات البرلمانية المبكرة فى صربيا والمقرر اجراؤها فى الثامن ‏‏والعشرين من الشهر الجارى ديسمبر. ‏
‏ وعلى الجانب الاخر فى كرواتيا فان نتائج الانتخابات البرلمانية التى اجريت منذ ‏‏حوالى ثلاثة اسابيع قد اسفرت عن زيادة وتقوية موقف الاحزاب ذات التوجهات القومية ‏‏المتشددة على حساب الائتلاف الديمقراطى الاصلاحى الذى كان يقود برامج تنفيذ ‏‏السياسات الاوروبية.‏ وهكذا تزداد المخاوف من ان تدخل دول منطقة يوغسلافيا السابقة او كما يطلق ‏‏عليها الان دول غرب المنطقة البلقانية فى دائرة حكم الاحزاب القومية المتشددة ‏‏والمعادية بنظراتها لسياسات الاتحاد الاوروبى الامر الذى سيجعلها فى الوضعية التى ‏‏لا يمكن ان تؤهلها بشكل طبيعى فى التحرك على طريق الالتحاق الاوروبي. ‏
‏ وبالتالى فان فشل سياسة السعى الى الاستقرار الذى ينتهجها ويعتمدها الاتحاد ‏ ‏الاوروبى لمنطقة دول غرب البلقان سوف تكون بمثابة ضربة قوية لهيبة المؤسسة ‏‏الاوروبية والثقة الممنوحة لها‏ يذكر ان الاتحاد الاوروبى قد اخذ على عاتقة اعادة بناء ونهضة الدول البلقانية ‏‏لتحويل حدودها الى حزام امنى حول القارة الاوروبية ووفق هذه العملية وضعت المنطقة ‏‏البلقانية فى محك التجارب الاوروبية على جميع الوسائل وعوامل التحكم فى الازمات ‏ وفى هذا الاطار يمكن القول بان الاهتمامات والمسؤولية الاقتصادية والسياسية ‏
‏والعسكرية للاتحاد الاوروبى تجاه المنطقة البلقانية لم تعد فقط موجهة لتأمين ‏‏وضمان الامن والاستقرار فى منطقة بقيت ومازالت غير مستقرة وانما اخذت الحجم ‏‏الاكبر من المهام الاستراتيجية للاتحاد الاوروبى فى نظرته العامة .‏
‏وتتمثل المشكلة الجادة فى عدم انتهاء بل التباطئ الشديد فى فرض‏النموذج السياسى الاوروبى الجديد على دول المنطقة البلقانية نتيجة لظروفها ‏‏الاقتصادية المتعسرة الامر الذى يفرض السؤال حول الكيفية والموعد الذى يمكن ان ‏‏تصبح فيه هذه الدول مقبولة للالتحاق بالاتحاد الاوروبى.‏ ففى العديد من دول منطقة غرب البلقان تعم فوضى المؤسسات والتسيب وعدم الامال ‏‏فى التجربة الدستورية وضعف الحياة السياسية كما هو الحال الان فى الموجة التى ‏‏تجتاح صربيا مع ازدياد متواصل فى خيبة امال المواطنين من هذه المنطقة‏ وهناك العديد من القضايا السياسية الاساسية المطروحة فى جدول اعمال المنطقة ‏
‏البلقانية مازالت تنتظر دون حل او على الاقل تفتقد لخطط محددة تؤدى الى حلها فعلى‏ ‏سبيل المثال الوضعية النهائية لاقليم كوسوفو مازالت غير واضحة المعالم بغض النظر ‏‏عن التصريحات والوعود.‏‏ وتقف كل هذه القضايا حائلا دون نمو وتطوير المنطقة من جانب وتباطئ ووعدم ‏‏القدرة على تنفيذ الخطة والبرامج والسياسة الاوروبية من جانب ثان مع اهتزاز ثقة ‏‏مواطنى المنطقة فى قدرات الاتحاد الاوروبى من جانب ثالث . ‏
‏ والمشكلة الثانية الاساسية فى السياسة الاوروبية مع دول غرب المنطقة البلقانية ‏ ‏ترتبط بالاتساع الحالى لدائرة العضوية فى الاتحاد الاوروبى عام 2004 الامر الذى ‏‏سوف يزيد من التباعد والتفاوت السياسى والاقتصادى والاجتماعى بين هؤلاء الذين ‏‏سيصبحون اعضاء جدد فى الاتحاد وبين الاخرين الذين يواصلون البقاء فى " قاعة ‏‏انتظار العضوية" . ‏
‏ فاتساع دائرة عضوية الاتحاد الاوروبى سوف يؤدى حتما الى فرض خط امنى جديد ‏ ‏لحدود الاتحاد الاوروبى وتأشيرة دخوله المميزة يفصل بين دول المنطقة الواحدة ‏ ‏الامر الذى سيعيق ويضع الصعاب والعراقيل فى التعاون الدول الجدد الاعضاء والدول ‏‏الاخرى فى البلقان والتى بقيت خارج اطار الاتحاد .‏
&والمشكلة الثالثة تتمثل فى عدم الالتقاء بين اهداف سياسة الاتحاد الاوروبى مع‏الدول البلقانية وبين ما يستخدم من وسائل للوصول الى تحقيق هذه الاهداف .فاستراتيجية الاتحاد الاوروبى ترتبط بشكل كامل بالعضوية المستقبلية لدول ‏‏المنطقة فى الاتحاد ولا ترتبط مرحليا بدعم برامج التحول والاصلاح السياسى فى هذه ‏‏الدول تؤهلها فى مرحلة اخرى على الاعداد للالتحاق بعضوية الاتحاد.‏‏ ويرى العديد من المراقبين بان الاتحاد الاوروبى لن يسمح بفشل سياساته وسيعمل ‏‏خلال المرحلة القادمة على تطويرها لتجنب وقوع منطقة البلقان فريسة للتيار القومى ‏‏المتشدد والمتصيد لاخطاء السياسة الاوروبية.