حسين ابو سعود
&
&
&

قبل يوم واحد من اعلان القبض على شمشون الجبار كنا ومجموعة من العراقيين نقف بقيادة الشيخ الجليل محمد هويدي امام البرلمان البريطاني العريق وسط لندن ونحن نحمل اللافتات التي تندد بالارهاب وقتل الابرياء والاضرار بالممتلكات العامة في العراق بحضور عدد من الشخصيات العراقية على رأسهم الكاتب الكبير خالد القشطيني، ولم يمنع المطر الغزير المشاركين نساء ورجالا من البقاء حتى الوقت المحدد للانصراف،وكأنهم يريدون القول بان الوطن اكبر من المطر والريح والعواصف، وكان الشيخ هويدي بزيه العلمائي الرزين وملامحه الوقورة وهو يحمل لافتة التنديد بالارهاب يمثل لابناء الجالية الاسوة الحسنة، واذكر بانه وقف الى جانبي وطلب من احد المصورين ان يصورنا وهو يردد بلهجته العراقية المحببة:صوَر، صوَر فقلت له: وسوف يذهب الفيلم للمخابرات مباشرة، فضحك من اعماقه ضحكة كشفت عن حجم الثقة الكامنة في كلامه بقوله: لاتخافون، صدام ولَى وراح وصار في مزبلة التاريخ ولن يعود ابدا، فتظاهرت بتصديقه وانا كلي خوف من بعبع صدام ان يعود ثانية وتعود تشكيلاته المخابراتية الى تعقب العراقيين في الداخل والخارج، وفجأة لمحت امراة عربية الملامح تقف على الجانب الاخر من الشارع تتكلم مع مجهول بالهاتف النقال ويبدو انها كانت تنقل له تفاصيل المظاهرة والمشاركين فيها وابديت تخوفي لصديقي الشيخ الفاضل عباس الامامي الذي كان يمثل الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق في المظاهرة ولكنه طمأنني هو الاخر بان عصر الخوف قد ولى وراح ولن يعود صدام ابدا،فقلت له كيف لايعود وهو الذي يحرك عمليات التخريب والارهاب والقتل في العراق،وان امكاناته الهائلة قد تؤهله للعودة الى الحكم مرة اخرى امام تشرذم الفصائل العراقية وعدم قدرتهم على اختيار زعيم واحد يمثلهم، مما حدا بالامريكان للاتيان بالسفير بول بريمركي يحكم العراق، ولكن الشيخ الذي بدا هادئا كعادته أكد لي على ان صدام الاسطورة قد تحول الى حكاية من حكايات الماضي.
وبعد يوم واحد من المظاهرة العراقية في لندن استيقظ العالم على خبر اثلج صدور الضحايا والمتضررين والشرفاء، وعندما رأيت الطاغية بلحيته الكثة واثار الوجوم والاستسلام والمهانة والذل تخيم على وجهه تذكرت فجأة الثكالى والايتام والمعاقين والشهداء، تذكرت السيد الشيرازي الذي مات قبل ان يرى هذا اليوم والسيد الصدر واية الله الحكيم ووجدت نفسي اصرخ: اليوم انتصر الشيرازي والصدر والحكيم، اليوم انتصرت الكويت وانتصر الراقدون تحت الثرى في المقابر الجماعية، اليوم ثبت لي صدق الشيخ هويدي والشيخ امامي في كلامهما، هذا قدر الطغاة والحساب الاكبر في الاخرة لهم بالمرصاد
وتذكرت ذلك العراقي الذي قضى عشرين عاما في قبو داخل منزله خوفا من جلاوزة الطاغية ونشرت جريدة المؤتمر اللندنية قصته مدعمة بالصور وبالرغم من التشابه في كثافة اللحية والوجوم الا ان الاول كانت سمات البراءة تتراقص على محياه عكس الدكتاتور الذي كان يقطر ذلا ومهانة وسقوط،نعم لقد انتصر ذلك العراقي وخسر صدام جميع جولاته والى الابد.
وعندما ذكرت الاخبار بان صداما لم يُبد اي مقاومة ولم يضطر الجنود الامريكان الى اطلاق رصاصة واحدة تذكرت انقلاب 17 تموز (الابيض) وكيف انه تم بلا اطلاق رصاصة واحدة وكيف ان معظم ضحاياه قضوااثناء التعذيب وبالسم و في حوادث سير (مفتعلة) بدون اطلاق اي رصاصة عليهم.
وحمدت الله كثيرا على انه لم يقبل بمبادرة الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان بمغادرة العراق مع عائلته وحاشيته و المقربين من اصحابه وملايينه والا لكان الآن يهنأ مع زوجاته وحاشيته بلذيذ العيش في احدى الجزر الساحرة في اي بقعة من العالم وكان يخيف العراقيين من هناك كالطنطل صباح مساء.
لقد كنا طوال ثلاثة عقود نقول انتظروا صباحا اخر كلما مر صباح بانتظار الفرج وكلما مر اسبوع او شهر، وكنا نقول انتظروا سنة اخرى كلما مرت سنة حتى مر اكثر من ثلاثين سنة ونحن ننتظر حتى ظننا بان صدام سيبقى لقرون ويبقى معه الزناة الجفاة الحفاة يعبثون بكرامة العراقيين ويغتصبون الوطن كل يوم ويقتلون ابناء الوطن حتى سئمنا كلمة الوطن وكفرنا بشئ اسمه الوطن وقلنا لمَ نموت نحن ويحيا الوطن، بل نحيا نحن ويموت الوطن.
&واما اليوم وبعد سقوط الطاغية نقول: سوف نحيا نحن ويحيا معنا الوطن.
&وهنيئا للشهداء الذين مضوا على درب التحرير وماحدث اليوم هو النتيجة الحتمية لتضحياتهم الغالية.