باسم الانصار

&
&
&
كثيرا ماسمعنا وقرأنا هنا وهناك عن مدى الدعم الاميركي للديكتاتور المقبور صدام حسين بمستوياته المتعددة منذ وصول البعث الشوفيني الى الحكم على ظهور الدبابات عام 1968 وحتى اللحظات الاخيرة من حكمه، بل ان بعضهم وهم من رواد نظرية المؤامرة ( وللاسف بعضهم ادباء كبار) كان يعتقد جازما بأن الدعم الاميركي البريطاني المقدم للقومانيين العرب والبعثيين الفاشيين في انقلابهم الدموي في 8 شباط عام 1963& ضد الراحل عبد الكريم قاسم هو مقدم بالاساس لصدام حسين من اجل تهيئته وابرازه لقيادة العراق خدمة لمصالحهم الاستراتيجية في المنطقة، وكأنهم نسوا بأن صدام حسين كان يجوب حواري وازقة مصر كلاجئ سياسي فيها، كما أنهم نسوا بأنه لم يمتلك دورا معينا في هذا الانقلاب الاسود مثلما انهم نسوا بأن قادة هذا الانقلاب قاموا بأعتقاله وسجنه بعد عودته من مصر في الستينات بل انهم حكموا عليه بالاعدام قبل فراره من قبضتهم.. وكانت حجة هذا البعض هو العلاقات الصدامية البريطانية والاميركية منذ كان لاجئا في مصر، على اعتبار ان صدام حسين كان ينسق مع الولايات المتحدة لكي يصبح رئيسا للبلاد ( متناسية ان العمل السياسي وخصوصا المعارض يتطلب التعامل مع جميع الاطراف التي تحقق المصالح المرجوة ).
&هكذا وبكل بساطة يحاول هذا البعض ان يختزل التاريخ بنظرية المؤامرة الفجة& وكأن الظروف الذاتية والموضوعية الاخرى ليس لها اي دور مباشر او غير مباشر في صياغة التاريخ العام والعراقي طوال فترة الستينات وحتى الان..
ان السبب برأينا هو ان اصحاب هذه النظرية هم من الشيوعيين المقموعين من قبل النظام المقبور، وان سبب هذا القمع هو الذي جعلهم يربطون كل هذه الاحداث بصدام حسين بهذه الطريقة التي يطرحونها، وذلك لاسباب سايكولوجية دفينة في اعماق هذه العقلية والتي حاولت من خلالها ترجمة كل سلوك للنظام المقبور على انه عبارة عن تواطؤ بينه وبين الولايات المتحدة.. والسبب الذي يدفعها لذلك هو تلك& الرغبة الدفينة لديها للانتقام من الامبريالية العالمية ( العدو الكوني الاول لايدولوجيتهم الشيوعية) ومن صدام حسين ( العدو المحلي ايدولوجيا وسياسيا)، ومحاولة منها لتشويه صورة عدويها بشتى الامكانات والسبل، للبرهنة لنفسها وللعالم على صدقية مواقفها منهما، وكأن هذا الامر& بحاجة الى اضافة جرائم جديدة لسجل الولايات المتحدة الاجرامي المعروف ابان الحرب الباردة، او كأن صدام حسين بحاجة الى اضافة جرائم جديدة الى سجله المخزي في جرائمه ضد الشعب العراقي والانسانية جمعاء.
برأينا ان الحرب الباردة التي كانت مشتعلة بين الغرب الرأسمالي وبين الكتلة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتي المنحل هي احد الاسباب المهمة في نشر الخراب في هذا العالم& ( والسبب يقع على الطرفين من دون تفاضل بالنسبة )، ولكن الغريب هو ان اللوم الاكبر يقع دائما على كاهل الغرب بقيادة الولايات المتحدة في هذا الخراب، بل ان بعضهم وهم اصحاب نظرية المؤامرة السخيفة يرمي كل اللوم على الغرب حتى في وجود الخراب التفصيلي البسيط في بلدان العالم الثالث ( بحيث يظهر ان الذات بريئة بل انها امتدادا من دون استقلالية للاخر الامبريالي)، كما انهم لايتوانون عن ابعاد كل شبهة تطال دول المعسكر الشيوعي ومحاولة القاءها على الغرب ( مثلا ان اصحاب هذه النظرية يستبعدون دور الكي جي بي في كشف محاولة ناظم كزار الانقلابية على احمد حسن البكر وبدأوا يشككون بانها من صنيعة صدام حسين فقط وراحوا يبنون قناعاتهم على الشكوك والاحتمالات من اجل اثبات صحة ارائهم ( هذا على سبيل المثال لا الحصر)) وكل ذلك من اجل ابعاد كل مايسئ الى الدولة المدللة ( الاتحاد السوفيتي) من سلوكيات سيئة& ومحاولة الصاقها بعدوهم المحلي اللدود، وكأنهم نسوا بأن هذا الاتحاد السوفيتي كان يدعم صدام حسين بقوة في اللحظات التي كان فيها الديكتاتور يقوم بقتل وتشريد زملائهم من الشيوعيين العراقيين في السبعينات، بل ان بقية دول المعسكر الشيوعي كانت تزود المقبور بأساليب التعذيب وباحواض التيزاب التي كانت تساعده على ابادة معارضيه من شتى الاطياف السياسية العراقية المعارضة له.
لماذا؟ هل ان الاتحاد السوفيتي ومعسكره الشيوعي كان اكثر انسانية من الغرب بقيادة الولايات المتحدة؟.. اذا كان نعم، فماهو المعيار الانساني الذي ارتكزت عليه هذه الفئة في اصدار حكمها هذا؟ هل نسيت هذه الفئة القمع والتنكيل الاجرامي الذي كانت تقوم به انظمة هذا المعسكر الديكتاتوري ضد معارضيها؟ وهل نسيت انها دعمت طوال حياتها وبسخاء يوازي السخاء الاميركي كل الانظمة الديكتاتورية المجرمة في دول العالم الثالث ( الغريب ان الولايات المتحدة دعمت بالاضافة الى دعمها الانظمة الديكتاتورية بعض الانظمة الديمقراطية، بينما لم يدعم الاتحاد السوفيتي سوى الانظمة الديكتاورية المجرمة في العالم، أليست مفارقة؟!! )؟ ولماذا تركز هذه الفئة على التدخل الاجرامي للولايات المتحدة في فيتنام وتتناسى& الاحتلالات السوفيتية المقيتة لتشيكوسلوفاكيا وافغانستان؟ هل ان الاحتلال السوفيتي عمل مقدس بينما التدخلات الاميركية هي اعمال مدنسة؟& وهل نسيت هذه الفئة ان القوة العسكرية الصدامية ( من برامج تسليح متطورة ومن طائرات ودبابات والى اصغر قطعة سلاح وهي الكلاشينكوف ) هي سوفيتية واوربية شرقية الصنع والتصدير في الغالب الاعم؟.. هل نسيت ان غالبية المشاريع الاقتصادية العاملة في العراق منذ السبعينات وحتى الان كانت هي سوفيتية واوربية شرقية؟ هل نسيت الدعم اللوجستي والاستخباراتي الهائل المقدم من قبل الاتحاد السوفيتي بالذات الى الديكتاتور اثناء السبعينات واثناء حرب ايران والكويت؟، بل ان بقايا هذا الاتحاد من حزب شيوعي مهجور من قبل الشارع الروسي الحالي كان من اشد المؤيدين لذلك الديكتاتور المقبور؟ ولماذا تردد هذه الفئة ببغاوية كل دعم اميركي لهذا المقبور على انه جريمة العصر بينما ان دعم المعسكر الشيوعي لايخطر على البال ابدا؟ بل ان هذه الفئة تعتقد ان زيارة رامسفيلد في الثمانينات الى صدام حسين هي من اهم الادلة على عمالة هذا المقبور للولايات المتحدة، وكأنها نسيت منطق المصالح المتبادلة السائد في العالم؟.. فهل نسيت هذه الفئة بأن سقوط المحمرة في عام 1982 بايدي الايرانيين ( وهو سبق زيارة رامسفيلد لصدام بعام واحد ) كان سيكون بداية الاجتياح الايراني للعراق وللمنطقة بأسرها وهو مايعارض المصالح الاميركية والغربية بشدة هناك؟..
ارجو ان لايؤخذ من طرح تساؤلاتي المشروعة هذه على انها موقف سلبي من الماركسية والشيوعية من الناحية التنظيرية ( مع انني لااتفق مع بعضها& واهمها هو ان اشكاليات التطبيق& السوفيتي الشيوعي لهذه النظرية نابع من تعاليها كنظرية على الواقع، ولهذا الشأن حديث اخر)، وانما هي محاولة مني على القاء الضوء على المسكوت عنه من الدور السلبي واللانساني الذي قامت به دول المعسكر الشيوعي تجاه شعوبها وتجاه العالم؟ واود ان اوجه ادانتي الصارخة لكل مثقف ومتثاقف ادعى حرصه على الانسانية بالتغاضي عن هذا الدور السلبي تماما وكأنه لايسمع، لايرى، ولايتكلم حينما تستحضر امامه، بينما تجده محللا ومنظرا ومثقفا وانسانيا من الطراز النادر حينما يتحدث عن الولايات المتحدة بشكل خاص وعن الغرب الراسمالي بشكل عام.
كما انني من خلال كل ذلك اود التركيز على الدور السوفيتي المسكوت عنه في دعم النظام المقبور، وهو ماانتظره واتمنى سماعه من خلال المحاكمة التاريخية التي ستقام لطاغوت العصر صدام حسين. فماسيذكر عن الدور الاميركي والغربي خلال هذه المحاكمة معروف ( هذا اذا لم يكن مبالغا به ) ولكن المفاجأة تكمن بالكشف عن الدور الكبير للانظمة الشيوعية في دعم هذا النظام.
وحينما يأتي ذلك اليوم& ستبرز العديد من الاسئلة واهمها: هل ستتغير القناعات الثابتة حول هذا الامر؟ وهل سنتحمل جزءا حتى ولو بنسبة قليلة من خطيئة هذه الحقبة المظلمة من حياتنا كعراقيين؟ وهل سيغير رواد نظرية المؤامرة من وجهات نظرهم هذه ومن ثم سيقومون بالخلاص من هذه النظرية الفجة التي ابعدتنا عن رؤية الواقع كما هو وليس كما هو مفترض في عقليتها المتحجرة؟ فالى ذلك الحين ستنكشف لنا الكثير من الامور ومن ابرزها& الدور السوفيتي المسكوت عنه في دعم النظام المقبور.

كاتب عراقي مقيم في الدنمارك
[email protected]