أجرى الحديث أشرف عبد الفتاح عبد القادر
&
الحلقة الثالثة

* كان سقوط بغداد سقوطاً للوهم العربي وللمشروعين القومي والإسلامي، فما الدرس الذي يجب أن نأخذه من سقوط بغداد؟
هناك دروس كثيرة ولكننا لا نتعلم منها. والمسألة هنا تتعلق بالهيمنة الأمريكية على العالم،بعد أن أصبحت القطب الأوحد بانهيار الاتحاد السوفيتي. يرتبط بذلك أيضاً أحداث 11 سبتمبر التي هزت صورة أمريكا أمام شعوب العالم وأمام الشعب الأمريكي، الذي كان يعتقد أن العالم كله يحبهم لأنهم دعاة الديمقراطية في العالم، ودعاة العدل في العالم، وكان الشعب الأمريكي في عزله تامة عما يحدث في العالم، وفجأة وجد أن الآخر
الخارجي عنده في الداخل ويصيبه بأذى حاد جداً، فلم يفهم كيف حدث ذلك، خاصة وأن هذا الآخر استخدم تكنولوجيتهم للإضرار بهم فكان ذلك شئ غريب جداً هز صورة الذات لديهم، فاندفعت السلطة الحاكمة اليمينية المحافظة تكيل الصاع صاعين لهذا الآخر الذي تجاسر عليها.
&
* إذن كانت خطورة أحداث 11 سبتمبر، هي في هز صورة الذات أمام الشعب الأمريكي نفسه؟
- بالضبط، وهنا بدأ المواطن الأمريكي يتساءل عن الفاعل، وسمعنا من قال أنه الموساد، ومن قال أنها كانت عملية انقلاب أو حتى فبركة وغيرها من التفسيرات الخيالية التي لم ينهض عليها أي دليل.لكن الواقع التاريخي يقول أن حرب أمريكا علي الإرهاب مبرره لتبني تيارات معينة داخل الفكر الإسلامي نظريات دينية للإضرار بالأمريكان، لكن ليس بسبب عداء أمريكا للإسلام، فعداء أميركا للإسلام رد فعل، فلو كانت أمريكا معادية للإسلام فكيف تفسر العلاقات الجيدة بين أمريكا والسعودية التي هي مركز الثقل الإسلامي، وكذلك إنقاذ أمريكا المسلمين من الصرب في البوسنه؟ فأمريكا ليست ضد الإسلام كدين، لكنها تدافع عن مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
&
* إذن الجماعات الإسلامية زجت بالدين في العلاقات الأمريكية العربية ليصوروا أن هناك مؤامرة أمريكية علينا وعلي ديننا، ويؤيدون كلامهم بوصف جورج بوش للحرب علي الإرهاب بأنها "حرب صليبية"؟
- بالضبط. هنا فكرة سقوط بغداد،فيها فكرة النظام الاستبدادي الدموي الذي حاز غضب كل تيارات العالم وهذا ما أعطى أمريكا الضوء الأخضر لشن الحرب تحقيقا لمصالح واستراتيجيات غير معلنة صراحة، أما الانهيار السريع لبغداد فإن صدام لم تكن له أية قاعدة شعبية في أي مستوى من المستويات حتى في جيشه وحرسه الجمهوري ومخابراته، كلهم رفضوا أوامره بمواجهة أمريكا مواجهة انتحارية فلم تكن هناك قضية يدافع الشعب عنها.
&
* إذن كان يجب التدخل الخارجي؟
- ليس يجب، لكن عندما حدث نقول هذا حسن بدون كلام، فالأمريكان أزاحوا نظاماً ديكتاتورياً كان يقف ضد مصالح الشعب العراقي، لقد حققوا ما عجز الشعب العراقي عن تحقيقه. ورأينا أيضاً كيف أن معظم الشباب الإيراني يناديهم للتدخل في إيران لإنقاذهم من حكم رجال الدين الذين رفضوا التداول الديمقراطي للسلطة.
&
* لو لم تخرج أمريكا صدام في العام 1990 من الكويت، ولو لم تخرجه الآن أمريكا بالقوة عن الحكم،هل كان سيخرج صدام من الكويت أو يترك الحكم؟ هذه هي الإشكالية التي يجب أن يعالجها المثقفون.ما العمل إذا كان الحاكم يرفض التداول الديمقراطي والشعب عاجز على تغييره. هل نتركه يسرح ويمرح إلى الأبد أم نستعين بقوى خارجية لإزاحته؟
- من الناحية الشعورية لا نستطيع أن نرحب بالتدخل الخارجى، أما من الناحية الموضوعية طالما أن التدخل حدث فهو، في هذه الحالة بالتحديد واستثناء من القاعدة العامة، من مصلحة الشعب العراقي. فأمريكا كممثله للإمبريالية العالمية ليست كلها شر كما تصورها لنا الجماعات الإسلامية. لكنها برغم حرصها على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية تفيدنا كثيراً وليس أدل على ذلك من رحيل صدام ونظامه.وتحرير الكويت وإنقاذ شعب البوسنة من الفاشية الصربية البائدة.
&
* ما هو مستقبل العراق وسط الفوضى العارمة التي تجتاح العراق الآن؟وكيف ترونه؟
- المقاومة ضد الأمريكتان تزداد يوماً بعد يوم وسيحدث شئ ما من التخلي أو الانسحاب للقوات الأمريكية، وأعتقد أنها لن تستطيع السيطرة على الشعب العراقي، فالسيطرة على نظام ممكن لكن السيطرة على شعب شئ صعب، وهناك شئ من التناقض في المسألة العراقية، أمريكا كنظام ديمقراطي، وجدت نفسها تحتل بلداً آخر، فأمريكا تدافع عن الحريات دائماً وهى الآن تحتل بلداً عربياً فهي واقعة في تناقض شديد، وأتوقع أن الولايات المتحدة ستفشل في السيطرة على العراق وقد تعم الفوضى البلاد بعد رحيلها فالتناقض السني الشيعي قوى.
&
* هل من الممكن أن تكون الفوضى الموجودة في العراق الآن مقصودة، ليظل السنة والشيعة والأكراد في تناحر لتستطيع أمريكا البقاء في العراق أطول فترة ممكنة؟
- لا أعتقد أن أمريكا تريد هذا التناحرأو تتعمد إحداثه، بل هم متناحرون بالفعل. أمريكا نجحت في طرد صدام ونظامه ولكنها أخطأت عندما ظنت أن الشعب العراقي سيلاقيها بالورود والرياحين وهذه هي الصور التي أعطتها المعارضة العراقية في المنفى للولايات المتحدة، وهى صورة خاطئة ولازلت أكرر أنها ستفشل في السيطرة على الشعب العراقي.إلا إذا سارعت إلى نقل السلطة للعراقيين واكتفت بتقديم مساعدات تقنية وعلمية وإدارية وطبية واقتصادية لهم.
&
* ما هي انعكاسات سقوط بغداد على القضية الفلسطينية؟
- مما لاشك فيه أن سقوط بغداد أثر على القضية الفلسطينية، أمريكا أظهرت بعد رحيل صدام جدية أكثر بالقضية الفلسطينية، ومارست ضغوطاً على شارون وحكومته، فاستقرار المنطقة هدف من أهداف أمريكا في الشرق الأوسط لأنه يخدم مصالحها الاقتصادية، لذلك أعتقد أن سقوط بغداد سينعكس إيجابياً على القضية الفلسطينية.
&
* هل يعيد التاريخ نفسه حيث عقد جورج بوش الأب مؤتمر مدريد للسلام كمكافأة للعرب عن حرب الخليج الأولي، ويخرج علينا الآن جورج بوش الابن بخارطة الطريق كمكافأة للعرب علي الصمت على حرب العراق لنعيد نفس السيناريو لتتعثر خارطة الطريق كما تعثرت اتفاقية أوسلو؟ هل خارطة الطريق مخدر للشعوب العربية لتمرير أزمة العراق؟
- أنا لا أعتقد أن هناك مخطط أمريكي للإضرار المتعمد بمنطقة الشرق الأوسط، بل ستكون هناك تغييرات ذات شكل ديمقراطي في الشرق الأوسط حيث نرى السعودية وإيران وبعض دول الخليج الآن تعدل كثيراً من مواقفها وقوانينها وتتجه نحو الديمقراطية وما كان ذلك ليحدث بهذه السرعة وعلى هذا النحو لولا التدخل الأمريكي.
&
* "حماس" و"الجهاد" تقوم بعمليات انتحارية هل هذه العمليات تضر بالقضية الفلسطينية أم لا؟
- أنا أرى أن هذه العمليات لها شقان ناحية مضرة وناحية مفيدة. الناحية المفيدة، هي أنها تظهر لإسرائيل أن المسألة لا يمكن أن تحل بالسيطرة الكاملة لها، وإخضاعها الفلسطينيين لإرادتها بالقوة، وتعلن لها أن هناك شعب له إرادة ويجب أن تتحقق. أما الجانب السلبي فهو إثارة الرأي العام الدولي المعادي للعنف والإرهاب، والرأي العام العالمي عنصر أساسي في السياسة المعاصرة، وحيث تستغل إسرائيل هذه العمليات خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر للإضرار بالقضية الفلسطينية،ويجب على إسرائيل أن تعي ما الذي يجعل شاباً أو فتاة تفجر نفسها؟ هناك أسباب رئيسية هي اليأس من إحلال السلام، والجانب الاقتصادي الفلسطيني المتدهور، والبطالة، والذل أيضاً الذي يتعرض له الفلسطينيون على المعابر والحواجز، كل هذه العوامل لو أزالتها إسرائيل فلن يفجر الشباب نفسه و يمكن بذلك أن يعيش الجميع في سلام.
&
*عرفات أعلنت تل أبيب وواشنطن عدم التعامل معه، فهل انتهى دوره كزعيم تاريخي وعلية أن يحمل عصاه ويرحل ويترك الفرصة للجيل الذي يليه، كجيل مروان البرغوثي وياسر عبد ربه مثلاً؟
- نعم انتهى دوره كزعيم تاريخي، وعليه أن يسلم القيادة لجيل جديد لأنه لم تعد له فاعلية على أرض الواقع، بل لم تعد له علاقة بالواقع الدولي أصلاً. فهو يعيش في الأوهام الشخصية بينما شعبه يعيش في الجحيم.
&
* يمر العالم العربي والإسلامي بمرحلة حرجة في تاريخه المعاصر، ما الذي يجب عمله الآن بعد أحداث 11 سبتمبر وسقوط بغداد؟
- عليه أن يقوم بعملية تحديث سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي وتعليمي، وأن يفكر بعقلية القرن الحادي والعشرين، بعقلية قادرة على التحليل العقلاني والموضوعي للمعطيات ومواجهة المشكلات المعاصرة بأساليب معاصرة، أن يحل مشكلة الديمقراطية،و والتعددية السياسية والتخلف الاقتصادي، وحقوق الإنسان، وإعادة النظر في نظرته للمرأة لتساوى الرجل ولغير المسلم ليساوي المسلم.
&
* ما رأيك في الجهاد؟
- الجهاد كنظرية انتهت. الجهاد كان صالحاً في فترة معينة من تاريخ الإسلام، بل كان ضرورياً من منطلق غزو الآخر فالجهاد كان قيمة من قيم العرب الأوائل كالشرف مثلاً، أما الآن فرفع شعار الجهاد رفع لشيء فات زمانه وأوانه، فمفهوم الحداثة ألغى الجهاد تماماً، بمعنى أنه لم يعد هناك غزو، وأصبح هناك قانون دولي تلتزم به كل الدول، فهناك نظام عالمي يطبق على جميع الدول، ينص على أن جميع الدول ذات سيادة مشتركة في الأمم المتحدة،ووقعت على ميثاقها فيجب التخلي تماماً عن فكرة الجهاد لأنه مفهوم مغاير ومناف للعصر وللواقع تماماً، وغير عملي إطلاقاً. فمن يتكلم بلغة الجهاد هو كمن يمارس في القرن الحادي والعشرين ممارسات قديمة فقدت صلاحيتها وشرعيتها وجدواها.
&
* كلمة أخيرة يقدمها الدكتور عاطف أحمد للشباب حتى لا ينجرفوا في تيارات الإسلام السياسي كفريسة سهلة كـ"النداهة" التي تسحر الشباب ليأتي إليها حتى تفترسه.
- المشكلة الأساسية لشباب اليوم هي أنه شباب ثقافة الصورة والحركة أي التليفزيون، أقول لهم تعقلوا قليلاً واقرءوا. هم يقرأون سيد قطب، والظواهرى، والمودودي، أنا لست ضد أن يقرأوا هذه الكتب، لكن يقرأوها ويقرأون أيضاً الفلسفة، وعلم الأديان المقارن، وسوسيولوجيا الأديان، وعلم النفس، أى يقرأوا الاتجاه والاتجاه المعاكس، ليكونوا عقلية مستقلة وتفكيراً مستقلاً، وأن يمارسوا الفكر النقدي، وهى دعوه أشبه بالحلم لأن ثقافة الصورة والحركة والأغنية الراقصة تجذبهم في اتجاه آخر تماماً، فالواقع مؤلم نتيجة البطالة والفراغ وعدم الثقافة والإحباط والكبت والحرمان الجنسيين، إذ كيف للشباب أن يتحمل كل هذه الضغوط المادية والنفسية والجنسية؟، فعلينا أن نساعد الشباب على التغلب على هذه المشكلات الآخذة بعنقه والتي تدفع به إلى تيارات العنف والإرهاب.لو نعطي الشباب تعليماً دينياً مستنيراً، ونسمعه في الإعلام خطاباً دينياً مستنيراً، ونعطيه العمل ليكون له مسكناً وأسرة ونقضي على حرمانه الجنسي، فلن تجد منظمات العنف والإرهاب الديني عمالة تستخدمها وستعلن إفلاسها. لكن حكوماتنا العاجزة عن الوفاء بالتزاماتها وتحقيق وعودها الكاذبة هي الحليف الموضوعي لمنظمات الإرهاب المتستر بالإسلام.
&