داود البصري
&
&
خلال أسابيع قليلة ستحل الذكرى السنوية الأولى لـ(حواسم البعث) التي أسقطت النظام البعثي البائد في العراق وهو الحدث الذي شكل دون شك انعطافة تاريخية وسياسية هامة في المنطقة رغم إختلاف القراءات السياسية العربية والدولية له سلبا أو إيجابا إلا أنه قد فرض واقعا عربيا وإقليميا يقول أن العالم العربي بعد التاسع من نيسان/ إبريل 2003 ليس هو العالم العربي الذي كان قبل ذلك؟، لابل أن حجم المتغيرات الناتجة عن التغيير العراقي ستفرض مؤشراتها وخطوطها العامة على إمتداد القرن الذي نعيش !، فرغم بحار الدم وجبال الجثث وتصاعد الإرهاب الفاشي والأصولي الأسود إلا أن عالما عربيا يوشك على البزوغ بل أن إرهاصاته قد تبلورت ولم يعد من الممكن إيقاف تيارات التنوير والحرية وانحسار الظلامية بشكليها القومي البدائي المتخلف كما هو حال الفكر البعثي البائس البائد، أو بشكله الديني والمذهبي المتخلف والمخالف للفطرة البشرية الحرة أو للتوجهات الإنسانية والعالمية، ورغم إن إسقاط أبشع نظام سياسي إستبدادي عربي كان فتحا جليلا بمقاييس الانتصار للإرادة الإنسانية الحرة ولتحرير طاقات الجماهير، ولفتح كوات النور في مجتمعات قد استوطنت فيها الجهالة والخرافة وتقديس الحكام وسحق الإنسان وإمتهان إنسانيته التي كرمها الخالق رب العزة والجلال! إلا أن لبعض الحكام من العسكرتاريا العربية أو من الأنظمة الحزبية الفاشية الفاشلة أو من الجماعات الإنقلابية التعبانة رأي آخر فيما دار ويدور وما سيحدث، مغمضين عيونهم وأبصارهم وعقولهم عن أنوار الحقيقة الساطعة، وخاضعين لتلك المفاهيم والأسس القديمة التي لايريدون لها أن تغادر مخيلاتهم المغرقة في عوالم الأوهام !.
وقد أثار الحديث الأخير للرئيس اليمني علي عبدالله صالح لقناة العربية التلفزيونية أكثر من قضية، وفتح أكثر من ملف وموضوع ليس من المهم الإشارة لبعضها بل من المهم مناقشة بعض ما قيل وطرح من آراء أرى أنها ليست دقيقة وخلطت الأمور بشكل يثير أكثر من علامة استفهام ولا يضع حدا لحالة المهاترات والاتهامات السائدة في الساحة العربية والتي يبدو أنها الحالة العربية الجديدة التي طفت على السطح مؤذنة بانشقاقات وصراعات مستقبلية لن يهدأ أوراها في المديات المنظورة على الأقل، فلقد ابتدأ الرئيس اليمني في حديثه عن المسألة العراقية الساخنة بالقول أن الولايات المتحدة قد أخطأت في إسقاط النظام العراقي؟؟ لماذا؟ لأنه قد ثبت أنه لايمتلك أسلحة دمار شامل؟ لا بل والأخطر أن سيادة الرئيس اليمني ينطلق من هذه النقطة ليؤكد أنه (كانت هنالك مفاوضات بين صدام والأميركان من أجل تسليمهم نصف النفط العراقي)!!، ولا أدري عن الشرعية التي يستطيع بها النظام السابق في العراق وبموجبها تسليم النفط العراقي للولايات المتحدة مقابل الحفاظ على سلطته؟ فهل المال والأرض والعباد من العراقيين ملك شخصي وعائلي للنظام البائد؟ وماهي شرعية وقانونية تلكم المفاوضات؟ ولماذا يحرص حكام البعث العراقي على بيع الوطن بأكمله من أجل تحكم سلطوي في شعب جائع ومحاصر ومدمر؟ ولماذا يتنازل صدام للأميركان ولا يتنازل ويتواضع قليلا لشعبه ويصغي لمعاناته، ويقر بفشله الكبير في قيادته نحو بر الأمان؟ فهل لو رضي الأميركان بالصفقة سيكون الشعب العربي سعيدا ومسرورا بنجاة صدام ونظامه؟ وهل ستتحرر القدس ويتقدم جيش القدس بعد شفط نصف النفط العراقي؟ وهل ستنطلق كل تلك الشعارات العبثية الهوجاء السائدة اليوم في صحف الإرتزاق والبراميل والتواطؤ على حريات الشعوب؟ بل هل سيفرح النظام العربي بتلك النتيجة والتي ستجعل من الولايات المتحدة مجرد بلطجي كبير يشفط البترول العربي وتمارس أسلوب ( لقبضايات والشقاوات والزعران)!! فهل هذا هو الحل العربي الذي سيرضى عنه النظام العربي العتيد؟... كنت أتمنى حقيقة لو تحدث الرئيس اليمني قليلا عن الفواجع والكوارث والملفات السوداء والمشينة التي أظهرتها مرحلة مابعد سقوط صدام من مقابر جماعية وعمليات نهب وسمسرة وانكشاف لفواجع إنسانية رهيبة! وكنت سأكون مسرورا لو تفضل سيادة الرئيس اليمني وبطل الوحدة الوطنية والمنتصر في حرب الانفصال عام 1994 وأدان إدانة حقيقية مواقف وممارسات وأساليب نظام صدام وتعالى قليلا على موقف (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) وانحاز للغالبية الشعبية بدلا من التأييد الضمني بل والصريح لأبشع الأنظمة في عالمنا المعاصر..! لكنه للأسف لم يفعل، بل أعطى للنظام البائد حجما خياليا من التأييد الشعبي حينما قال بأن هنالك سبعة ملايين عراقي يؤيدون النظام البائد؟ ولا أدري من أين جاء سيادته بهذا الرقم؟ هل هو عدد عناصر جيش القدس مثلا؟ أم أنه عدد منتسبي أجهزة الجيش والأمن والمخابرات وجميعها انهارت في لحظات بمجرد دخول دبابتين أمريكيتين لجسر الجمهورية في العاصمة العراقية؟ عن أي ملايين سبعة إذن يتحدث سيادة الرئيس؟ وما هي آليته الحسابية في فرض ذلك الرقم؟ هل هو الإيمان المقدس لدى شعوب الشرق بالرقم 7؟ أم أن ذلك الرقم يؤكد معلومات لايعرفها الشارع العراقي عن حجم التأييد للرئيس المعتقل حاليا والذي كان خائفا من شعبه ولا ينام ليلتين في فراش واحد؟ والذي أعتقل في أسوأ منظر يمكن أن يمر على حاكم كان يدعي الربوبية وكان بطلا للبوابة الشرقية؟ وكان وجهه (كوجه الله ينضح بالجلال) ـ أستغفر الله ـ وذلك على حد تعبير شاعر البعث المقبور شفيق الكمالي؟ وهل الحياة بأكملها سوى موقف عز؟، وهل هنالك داع لأن نذكر الرئيس اليمني من أن شاعرنا المتنبي كان بامكانه أن يعيش عمرا أطول وبعز لو أنه هرب من مقتله لولا أن هنالك من ذكره بقصيدته العصماء.. الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم ليعود ويقتل تمسكا منه بكلمته التي قالها في لحظات نشوة وارتخاء؟ فهل إفتدى بطل البوابة الشرقية نظامه وسلطته بدمه؟ أم أنه فضل ذل الأسر واستمرار الحياة الذليلة على مواقف عز واستشهاد دعا إليها طويلا ولم يجرؤ على ممارستها عمليا؟؟؟ وتتوالى الأسئلة والتساؤلات أمام القضايا التي طرحها الرئيس اليمني في أسلوب غريب من عدم الدقة ومجافاة الحقائق الموضوعية سيما وأننا نعرف من أن اليمن كانت أحد أركان مربع (مجلس التعاون العربي) الذي قام ردا وبالضد من مجلس التعاون الخليجي وكان الهدف من قيامه تشكيل مواقف ضغط تصل لحد البلطجة من قبل نظام صدام خصوصا على دول الخليج العربية والذي سرعان ما إنهار بعد غزو دولة الكويت مسجلا موقفا تاريخيا في كونه أفشل تحالف إقليمي في تاريخ المنطقة، فلم يستمر سوى شهورا؟ ولم تكن هنالك أدنى فائدة إستراتيجية له، بل كان نصبا على الذقون؟ وملفات النصب والاحتيال كثيرة للغاية في تاريخ العروبة الحديث على أية حال؟.
أما القضية الأهم الأخرى في حديث الرئيس اليمني فهي في تعليقه على المعلومات المتداولة في الكويت حول نصيحة كان قد تقدم بها لصدام في أخريات أيام نظامه السوداء ينصحه فيها بإعادة غزو الكويت من أجل خلط الأوراق؟ وهي القضية التي أثارت ضجة كبرى في الكويت بين الحكومة ومجلس الأمة نظرا لحساسيتها وخطورتها... والتي لا يملك أحد معلومات حقيقية عن مصداقية ذلك الزعم وكنا ننتظر الكلمة الفصل من فم الرئيس اليمني تحديدا فإذا به بعد نفيه لصحة تلك المعلومة يشن هجوما على السياسة الكويتية ناصحا إياها بعدم استفزاز الجيران والشعوب المجاورة؟؟ وهنا أتوقف قليلا لأتساءل عما يقصده سيادة الرئيس من استفزاز كويتي للشعوب المجاورة؟ هل حدث غزو كويتي للسعودية ولم نسمع به مثلا؟ وهل قامت الكويت باحتلال عبادان الإيرانية مثلا في ليلة سوداء؟ وهل غزت الكويت مدينة البصرة العراقية معلنة عودة المحافظة السليبة للوطن الأم؟ أم هل مولت الكويت أحزاب المعارضة الانقلابية في دولة قطر؟ وهل شاركت في تدبير محاولات انقلابية في إمارة دبي مثلا؟ كنت أتمنى من الرئيس اليمني أن يكون أشد وضوحا في إطلاق الكلمات... ولكن للأسف لقد اتضح لي كما لغيري صحة النظرية القائلة من أنه: {كله عند العرب صابون}!!!... فلا حول ولا قوة إلا بالله.
التعليقات