"إيلاف" من الرباط: صباح السبت الماضي كانت جماعات من أعضاء حزب العدالة والتنمية الأصولي تصل تباعا إلى المجمع الرياضي مولاي عبد الله في الرباط، موقف السيارات تحول إلى ما يشبه محطة كبيرة للحافلات والسيارات.
جموع من أعضاء الحزب يتجهون بانضباط مرددين شعارات الحزب وحاملين رايتين صغيرتين مشدودتين إلى بعضهما الأولى لشعار الحزب، المصباح، والثانية راية المغرب. عدد كبير من أعضاء المؤتمر القادمين من مدن بعيدة حملوا معهم أفرشتهم وأغطيتهم وقضوا ليلتين في خيام نصبت لهذا الغرض. كانت النسوة تسير في موكب خاص، وداخل القاعة التي احتضنت جلسات المؤتمر، خصص لهن مقاعد منفصلة عن الرجال، باستثناء ثلاث مؤتمرات من مدينة بركان، شرق المغرب، كل المؤتمرات اللواتي يمثلن 14 في المائة من مجموع المؤتمرين (ألفا مؤتمر) محجبات.
لم يكترث حزب العدالة والتنمية بالانتقادات الكثيرة التي وجهت له بخصوص موقفه من المغاربة اليهود، ولا حتى من النصارى، إذ اختار أن يفتتح مؤتمره الخامس بآية قرآنية دالة توضح موقفه من اليهود والنصاري تقول الآية التي وردت في سورة المائدة "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، ومن يتولهم منكم فإنه منهم. إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فتروا الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم". وكان مصطفى الرميد، العضو القيادي في الحزب، أعلن من قبل أن الحزب وجه الدعوة إلى رئيس الطائفة اليهودية المغربية سيرج بيرديغو لحضور الجلسة الافتتاحية، ولم يلب بيرديغو الدعوة. في حين قال سعد الدين العثماني الأمين العام المنتخب إن اختيار تلك الآية لم يكن يحمل دلالة معينة مشيراً إلى السياق التاريخي الذي نزلت فيه وهي تشير إلى المحاربين".بعد الآيات القرآنية اعلن عن افتتاح المؤتمر، ليبدأ المؤتمرون بطريقة منظمة في ترديد شعارات الحزب وشعارات دينية أخرى .
الموقف من الأمازيغية
اختار حزب العدالة والتنمية أن يحيي الضيوف باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والأمازيغية، وظل متشبثا بموقفه من الحرف الذي يجب أن تكتب به هذه اللغة، على الرغم من أن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وبإقرار من العاهل المغربي الملك محمد السادس، حسم في هذا النقاش باختيار "حرف تيفيناغ"، فإن حزب العدالة والتنمية ظل مصرا على موقفه بضرورة كتابة الأمازيغية بالحرف العربي، وكان الشعار المرحب بالضيوف عاكسا لهذا التوجه، بل إن العثماني أكد أن اختيار المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يقتصر على الحرف الذي سيدرس في المدارس وأن للحزب الحرية في اختيار الخط المناسب.
حضور فلسطين والعراق والجماعات الأصولية
كانت فلسطين والعراق حاضرتان بقوة في المؤتمر، علما البلدين زينا الجهة اليسرى لخلفية منصة المؤتمر، ورددت شعارات مناوئة لأميركا ولإسرائيل، وتعد كما هو شأن كل الخطابات الحماسية، بنصر أكيد في المستقبل. حضرت فلسطين والعراق وحضرت شعارات إدانة الإرهاب والإرهابيين وانتقاد العلمانيين وغابت القضايا التي تهم الشعب المغربي باستثناء دعم الحزب لترشيح المغرب لمونديال 2010".أمام هذا الغياب للقضايا المغربية في لافتات الحزب كانت القاعة حضر عدد من قياديي الحركات الإسلامية، مثل سيف الإسلام، ابن حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. وحسين أحمد قاضي أمير الجماعة الإسلامية بباكستان، الذي لم يتردد في إعلانه دعم تنظيم القاعدة في حربه للولايات المتحدة في لقاءاته الصحافية. هذان المسؤولان كانا نجما المؤتمر، إذ لا يتحركان إلا بحزام بشري يحيط بهما لكثرة الراغبين في مصافحتهما والتقاط صور معهما، صباح اليوم الثاني من المؤتمر جلسا رفقة ضيوف آخرين على الخشبة بالقرب من صناديق التصويت. كانت تصفيقات المؤتمرين والشعارات ترتفع مع كل ولوج لهما ولممثلي بعض الحركات الأصولية للقاعة.
الرميد مشاغب
رغم يقينه أنه لن يصبح أمينا عاما للحزب، فإن مصطفى الرميد شاغب كثيرا، إذ طلب صباح السبت من أعضاء المجلس الوطني بعدم ترشيحه لمنصب الأمين العام، فكانت النتائج الأولى على غير ما يشتهيه، حل رابعا بحصوله على 70 صوتا، وفي الجولة الثانية كان على الفائزين الثمانية في الجولة الأولى الحصول على 20 في المائة من أصوات أعضاء المجلس الوطني، وحصل الرميد على هذه النسبة، فحل رابعا ومنح المصوتون سعد الدين العثماني 205 صوت، ليتدخل الرميد مجددا ويطلب من المجلس الوطني سحب ترشيحه، فما كان من عبد الله باها رئيس الجلسة إلى أن يطرح هذا الإشكال على التصويت، ونال العضو المشاغب ما كان يريده. وحسب أحد الصحافيين المتابعين للحركات الأصولية المغربية، فإن الرميد كان يعلم يقينا، أنه لن يصبح أمينا عاما للحزب، وأنه لجأ إلى "الاضواء الإعلامية قبل المؤتمر" وإلى "طلب عدم ترشيحه من قبل المجلس الوطني" ليثير الانتباه إليه ليس إلا". وأضاف أن العثماني كان الأوفر حظا لنيل هذا المنصب. قبل المؤتمر بأسبوع دعا الرميد في وثيقة نشرت في أسبوعية "الصحيفة" إلى إصلاح دستوري، كما تحدث عن صفة "أمير المؤمنين" التي تطلق على الملك في المغرب ، مؤكدا أن هذه الصفة لا تمنح صاحبها سلطات مطلقة ولا تجعله معصوما غير قابل للمساءلة. كانت هذه الوثيقة حاضرة بقوة في افتتاح أشغال المؤتمر ، إذ انتقد عبد الكريم الخطيب الأمين العام السابق والرئيس المؤسس للحزب ضمنيا تلك التصريحات وحدد ما اعتبره المتابعون "خارطة طريق للحزب"، إذ أكد تشبث العدالة والتنمية "بمؤسسة أمير الإمامة" في المغرب، وقال "أقول لبعض الإخوان إن المغاربة كلهم متشبثون بالبيعة والإمامة، وأن هذه المؤسسة تميزنا عن الشعوب الأخرى"، وهو الموقف الذي أعلن عنه العثماني بعد انتخابه أمينا عاما.
الديموقراطية
اختار حزب العدالة والتنمية شعار "الديموقراطية مسؤولية والتزام" لمؤتمره الخامس، وخلال فيلم عرض في اليوم الافتتاحي لتصور الحزب، تظهر كلمة الديموقراطية، نازلة من السماء، فهي ليست حكم الشعب للشعب كما هو متعارف عليها، بل لها مسحة دينية. هذه الديموقراطية قبل كل شيء التزام ومسؤولية، المسؤولية في شعار فيلم الحزب ترتدي رداء أخضر، مع كل ما يحمله هذا اللون من معاني ودلالات في متخيل المسلم، فهو لون الإسلام. لذا يصبح شعار الحزب له دلالة إسلامية. طريقة التصويت لاختيار الأمين العام للحزب عكست هذا التصور للديموقراطية، إذ لا يقدم الراغب في ترشيح نفسه لهذا المنصب، بل يختاره أعضاء المجلس الوطني في مرحلة أولى وثانية، ثم تقدم لجميع المؤتمرين أسماء الفائزين في الدور الثاني بنسبة 20 في المائة وما فوق لتصويت عام,
السجائر حرام والقناة الثانية غير مرغوب فيها.
في اليوم الثاني للمؤتمر كان مصور القناة الثانية المغربية يدخن سيجارة قبالة الخيمة المعدة لوجبات الأكل في المؤتمر ة، اقترب منه أحد أعضاء المؤتمر ، وهو كهل ملتح يرتدي سروالا وسترة من الثوب من نفس اللون ويحمل محفظة سوداء، ودون أن يلقي بتحية قال له بانفعال " السجائر حرام"، ذهل المصور وعندما حاول الرد، كان عضو حزب العدالة والتنمية ابتعد. فلم يجد غير مجموعة من الصحافيين كانت حاضرة لهذا الحادث ليبث شكواه . بالقرب من هؤلاء الصحافيين كان عضو ثان من الحزب، حاول أن يؤكد فتوى صديقه، بيد أنه تراجع. وكان هذا المصور، رفقة فريق القناة الثانية، عانى في الجلسة الاختتامية للمؤتمر مضايقات أعضاء الحزب، إذ منعوه ولوج القاعة، والسبب "أن حزب العدالة والتنمية ليس في حاجة إلى القناة الثانية المغربية" كما قال أحدهم .
حزب شاب بمستوى تعليمي ملفت
أثار انتباه الحاضرين للمؤتمر الوطني الخامس لحزب العدالة والتنمية سن المؤتمرين وعددهم 2000 عضو ، إذ أن متوسط عمرهم أربعين سنة. وأكثر من 91 في المائة منهم دون سن الخمسين، بل إن 7 في المائة لم يبلغوا بعد ربيعهم الثالث، و28 في المائة ضمن الفئة العمرية 40 49 سنة، و15 في المائة ضمن الفئة العمرية 30-35 سنة، في حين أن 3 في المائة فقط يتجاوز سنهم 55 سنة. هذه الأرقام تكشف بجلاء أن الحزب شاب. شارك في المؤتمر 280 امرأة بنسبة تصل إلى 14 في المائة، مع هيمنة للذكور بنسبة 86 في المائة. هناك ملاحظة أخرى تهم المستوى الدراسي، فحوالي 80 في المائة من المؤتمرين لهم مستوى عالي من التعليم، في حين تقدر نسبة المؤتمرين الذين لم يتجاوزوا التعليم الابتدائي 2 في المائة فقط.