"ايلاف"&من الرباط: لم تفز اليونان على البرتغال في مباراة أمس (السبت)& فقط لأن أسماء لاعبيها تشبه أسماء الآلهة الإغريقية وأبطال الملاحم والأساطير, بل لأن اليونانيين أعطوا دروسا في الهدوء والرصانة والعقلانية في اللعب لمنتخب برتغالي يخبط خبط عشواء ويرمي لاعبوه أرجلهم كيفما اتفق.
اليونان لم تفز في مباراة أمس فحسب, بل فازت قبل آلاف السنين حينما وزعت حكمتها على العالم. سقراط وأفلاطون وأرسطو وعشرات الأسماء الأخرى التي أعطت للعالم لونا آخر ما زال يمتح منه إلى اليوم, أما البرتغال فانتصرت على نفسها مرة واحدة قبل خمسمائة عام حين اكتشف مغامروها المعتوهون& قارة أمريكا عن طريق الصدفة وكانت نتيجة هذه الصدفة سيئة جدا لأنها أعطت دولة اسمها أمريكا أغرقت العالم في الدماء.
قبل خمسمائة عام ركب البحر مغامر برتغالي أخرق اسمه كريستوف كولومب وانطلق يريد اكتشاف شيء ما. أكيد أنه لم يكن يعرف ما يريد اكتشافه, وحين هبت الرياح قوية رمته إلى أرض اعتقد في البداية أنها الهند, قبل أن يكتشف أنها الأرض الجديدة التي ستسمى بعد ذلك قارة أمريكا. لم تكتشف أمريكا سوى عن طريق الصدفة السيئة. من سوء حظ الهنود الحمر أن الرياح وحدها دفعت أشرعة باخرة كولومب حتى وصلت مضرب خيامهم.
هي الصدفة إذن تصنع التاريخ, وفي النهاية يأتي مؤرخ معتوه اسمه فوكوياما ويؤلف كتابا اسمه نهاية التاريخ. أراد للتاريخ أن ينتهي على الإيقاع الأمريكي الغبي. التاريخ الذي يبدأ على الصدفة ومشيئة الرياح المتقلبة لا ينتهي بهذا الشكل. لو كان لابد للتاريخ أن ينتهي فسينتهي في اليونان, في الصين أو بغداد أو الأندلس, وليس في المحيط الفاصل بين أمريكا والبرتغال.
بالأمس أراد أحفاد كريستوف كولومب أن يكرروا حماقة جدهم وسددوا نحو المرمى اليوناني كرات كثيرة وانتظروا أن تفعل بها الرياح ما فعلته بأشرعة مركب جدهم. أرادوا للرياح أن تعدل سير الكرة وتدخل المرمى اليوناني. أرادوا للصدفة أن تغلب الحكمة.
بالأمس ارتكب البرتغاليون خطأ كبيرا. اعتقدوا أن تاريخهم يبدأ مع جنون كريستوف كولومب حين صنع مركبا تافها وأعطاه الملوك الإسبان الصليبيون أموالا مسروقة من بيوت الأندلسيين ودفعوا به نحو المحيط ليأتي لهم بالذهب والتوابل.
ارتكب البرتغاليون خطأ كبيرا في حفل افتتاح كأس أوروبا للأمم حين قالوا للعالم إن تاريخهم انطلق بانطلاق مركب مغامر أحمق نحو البحر, مغامرة بدأت منها المآسي الإنسانية ولم تنته.
تناسى البرتغاليون ثمانية قرون من حضارة حقيقية قبل ذلك حين كانت البرتغال جزءا من الأندلس التي تساكنت فيها الأجناس والنزعات.
أخطأ البرتغاليون حين بدأوا تاريخهم بسقوط غرناطة, وتاريخهم الحقيقي يستمر قرونا قبل ذلك. نسوا أن الصدفة لا تصنع تاريخ الشعوب وأن الحكمة وحدها التي تبني تاريخ الأمم.
لم تكن مباراة أمس بين البرتغال واليونان تباريا في كرة القدم فحسب, بل كانت مباراة بين الصدفة والحكمة, بين الجنون والتعقل, بين التهور والرصانة. وانتصرت الحكمة على الصدفة بهدفين لهدف واحد.