المبروك بن عبد العزيز

&
&

عاد الخلاف الإيراني-الإماراتي حول قضية الجزر طنب الكبرى و طنب الصغرى و جزيرة أبو موسى الثلاث ليطفو من جديد إلى السطح بعد فترة هدوء نسبي. فعندما تقرأ الجرائد الإماراتية تفاجأ بمدى شدّة الحملة الموجهة تجاه الجمهورية الإيرانية حول الجزر، و تعتقد أن حربا وشيكة ستقع، مما يدلّ على وجود حملة مبيتة و منسّقة.
ليس خافيا على احد استعمال هذه القضية في هذا الوقت بالذات و بالتزامن مع ضغوط الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لمزيد إحكام طوق الحصار حول الجمهورية الإسلامية، لإرباكها في الملف النووي و لإبعادها قدر المستطاع عن الشأنين العراقي و الفلسطيني. هذا طبعا هدف قريب المدى، أمّا الهدف البعيد المدى فهو بالطبع إسقاط هذا النموذج الفريد الذي أربك الغرب الاستعماري الامبريالي وخلط أوراقه في المنطقة. فاعلان دولة من "العالم الثالث"، دون أن تكون في حجم الصين أو الهند، استقلالها التام عن كلّ أشكال الوصاية و التبعية للغرب الاستعماري هو أمر خطير وجب التصدي له بحزم، لأنه قد يؤدي إلى أن يكون مثالا لدول اخرى مشابهة في التاريخ و الجغرافيا، لتنتقل بدورها من الدوران في فلك الدول عظمى إلى الدوران في فلك شعوبها و إن كانت فقيرة. على أن ما يخيف الغرب أكثر هو نجاح ربط الإسلام بالديمقراطية و إمكانية تسايرهما، بعد أن ظلّ طوال الوقت يروج لتناقضهما وتضاربهما. رغم أننا لسنا متفقين مع المذهب الإيراني و لا مع تفاصيل أسلوب الحكم الداخلي في إيران، لكننا نُسرّ كلما نرى دولة تنال استقلالها و تفلت من التّبعية لتعمل على إدراج مصالح شعوبها في الدرجة الأولى، و كأمثلة لذلك الهند الصّين البرازيل فنزول السنغال و ربّما مستقبلا تركيا....
المؤسف أنّ العرب يواصلون تقديم الخدمات، عن قصد أو عن غير قصد، لقوى لا تريد الخير للمسلمين، فهم يستعملون كمطية لتنفيذ سياسات تلك القوى. و النتيجة عادة ما تكون كارثة عليهم قبل غيرهم. مثلا مع الإيرانيين هم يستفزون الشعب الإيراني و ليس الحكم الإيراني.
1- أول تلك الأخطاء إطلاق اسم العربي على الخليج الفارسي من جهة واحدة. فجميع كتب الأطلس و كتب التاريخ و الجغرافيا تتحدث عن اسم الخليج الفارسي. و نحن نعرف أن القبائل العربية انطلقت مع ظهور الإسلام من شرق وجنوب الجزيرة لتنشر الإسلام شرقا و غربا. بينما وصلت أطراف الإمبراطورية الفارسية قبل ذلك إلى حدود نهر النيل غربا. مسالة الاسم هي مسالة علمية تاريخية جغرافية لا يحق لنا تسييسها. و الغرب، لاعتماده للأسلوب العلمي، لم يغير إلى الآن اسم الخليج رغم انه يكتفي في بعض الأحيان بكلمة الخليج فقط. من حيث عدد السكان المطلين على الخليج يتفوق الإيرانيون على العرب و ربما يتبعهم الهنود و الباكستانيون لان الدول الخليجية ستصبح قريبا مثل الولايات المتحدة متعددة الأعراق، كما أن للعرب بحر يقع في جنوب الخليج هو بحر العرب. لقد حقق العرب انتصارا كلاميا فقط على الإيرانيين وهو ما يؤكد مقولة أن العرب ظاهرة صوتية ليس إلا. فلم لم يطلق جمال عبد الناصر اسم البحر العربي على البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط؟..
2- فيما يخص الجزر الثلاثة يساوي الإماراتيون بين الاحتلال الإسرائيلي الواضح لفلسطين و بين خلاف حدودي حول جزر نائية تقع في عرض البحر بين دولتين مسلمتين، جعلت الظروف الدولية الخاصّة منها موقعا استراتيجيا مهما. فهل هناك شبه إلى هذا الحد بين الحالتين؟. هذه الجزر سيطرت عليها إيران في عهد الشاه قبل استقلال الإمارات عن الانكليز سنة 71 مما يعني أنّها تدخل في مسالة تصفية مخلفات الاستعمار و ما أكثر أسرار مثل هذه التصفيات. لكن كثرت المطالبة بها بعد انتصار الثورة الإيرانية سنة 79. بنفس سيناريو شط العرب المقتسم بين العراق و إيران و الذي اتفق بشأنه في اتفاقية الجزائر 75 غير أن صدام مزق الاتفاق معولا على الدعم الدولي، و متسببا في قتل مئات الآلاف من البشر. و للتذكير فقد ذكر وزير الخارجية العراقي السابق على صفحات جريدة " الحياة" اللندنية أن ملك الأردن السابق حسين كان هو من أطلق أول قذيفة في اتجاه إيران معلنا تدشين الحرب العراقية الإيرانية أو حرب الوكالة للقضاء على الثورة الإسلامية.
يخطئ من يعتقد أن الولايات المتحدة حريصة على تحرير الأراضي العربية بدءا بفلسطين و الجولان و جنوب لبنان وصولا إلى"ليلى المغربية و سبتة و مليلة و غيرها بل هي تشجع انفصال الجنوب السوداني مثلا.
و الولايات المتحدة لم تطالب بتنازل إيران عن الجزر كما أنها لم تسمّي الخليج الفارسي بالخليج العربي لأنها تأمل في تغيير الأوضاع في إيران، التي تعتبرها حجر الزاوية في المنطقة، أكثر من تركيزها على دعم الإمارات و العرب في هذه القضية، لذلك هي تلتزم الصمت الحذر مع بض الدعم كبيع الإمارات طائرات ال اف 16. وهي تهدف بذلك أن تكثر من الضغوط و الأزمات في وجه إيران لقلب الأوضاع فيها.
و يذكرنا دعم القمة العربية الأخيرة لموقف الإمارات في استعادة جزرها باستعمال القنوات السلمية بالدعم الفاشل و المتواصل الذي ناله العراق أثناء حربه مع إيران في الثمانينات من القمم العربية.
إن أي حرب جديدة مع إيران، لا قدر الله، لن تخدم سوى إسرائيل و أعداء المسلمين، و سيكون المتضرّر كالعادة الطرف العربي الأضعف، و بإمكاننا تخيل الدمار التي ستحدثه مثل هذه الحرب بالدول الخليجية التي أنفقت المئات من المليارات على التنمية طول عقود. هذا بالطبع إذا لم تتدخل الولايات المتحدة لتسيطر على الجزر و ترابط فيها.
إن إيران هي العمق الاستراتيجي للعرب من جهة الشرق. وهي دعم للحقوق العربية و الإسلامية. و يرجع جزء كبير من النمو التجاري و الازدهار الاقتصادي للإمارات إلى عوائد التجارة مع إيران التي تستفيد من الترانزيت الإماراتي خصوصا في ظل الحصار الأمريكي لها فيما يتعلق بالتكنولوجيا المتقدمة.

الأفضل أن تبقى الجزر تحت سيطرة إيران خير من أن تستأجرها الولايات المتحدة لعشرات السنين لتنشئ فيها قواعد ترابط فيها قواتها، كقاعدة العيديد بقطر، مقابل حماية الأنظمة، فتكون مسمار جحا بالخليج، ليرتفع من جديد صوت القاعدة المطالب بانسحاب تلك القوات. ولا زلنا نعيش نتيجة مراهنة السعودية على الولايات المتحدة في التعامل مع إيران و القاعدة و طالبان. الحل هو التعاون الإقليمي و الاحترام المتبادل مع جميع شعوب المنطقة الأصليين و ليس السيريلانكيين أو الفيليبينيين و الأمريكيين المستوردين، فالفرس موجودون هناك منذ آلاف السنين.
التقدم العلمي و التقني الإيراني سيخدم المسلمين و سيوفر لهم إمكانية التخلص من التبعية المكلفة للغرب. لكن يبدو أن شيوخ العرب الذين بقوا من أحباء الصقور و الحبارى و الجواري و المهاري و لاس فيقاس لم يفهموا الدروس و لم يقرؤوا التاريخ.
إنهم لا ينظرون إلى ابعد من أنوفهم ربما لتركيزهم على تناول لحم طائر الحبارى التي تنشط الجنس دون العقل.