لم يكن يوم الثلاثاء 6 نوفمبر 2007 يوماً عادياً في ما يسمى بالعلاقة بين الشرق والغرب حيث حمل هذا اليوم زيارة فريدة في مضمونها ومغزاها لملك دولة اسلامية الى حاضرة الفاتيكان ومركز المسيحية الكاثوليكية... وبالرغم من تلك التغطية الاعلامية والصحفية الهائلة لهذا الحدث آمنت بهذا الشرق أن أدلو بدلوي في القراءات السياسية لهذا الحدث الرائع الذي أثبت أن حوار الحضارات ولقاء الاديان امر ممكن ويقود في النهاية الى عالم يعمّه الاستقرار والسلام حيث ان كل الرسالات السماوية تنبذ الفرقة وتدعو الى الايمان...

بينما كنت اتابع التغطية المباشرة لهذا الحدث من خلال شاشة ال سي أن أن تلقيت اتصالاً من احد الصحفيين ذكرني فيه بمقال قديم كتبته قبل 5 سنوات عن لبنان الرسالة ونظرة البابا الى لبنان والشرق. وتم نشره في كتابي : quot;امرأة تبحث عن وطنquot;... حيث ذكرني ذلك الصحفي بما قلته من امكانية الالتقاء بين الشرق والغرب وان الانسان الذي يتعامل بوحشية مع اخيه الانسان الذي يدين بدين آخر هو انسان امتلاً بالسواد في قلبه وخالف طبيعة النفس البشرية التي تدعو للرحمة والتسامح.


لم يعد بالامكان انكار الدور الذي يغوصه العالم العربي والاسلامي في محاولة تقريب الاديان بل اننا في دول مصر والعراق والاردن وغيرها نلحظ ان الدور العربي يقوم على ابعاد العلاقة بين المسلمين والمسيحيين عن مؤثرات الصراعات والصدامات الدولية لكن مخزون هذه الخلافات يظهر بين الحين والآخر وهنا أنبّه على دور الاعلام العربي في اذابة تلك الخلافات ومحاولة اقامة العلاقة الاخوية الكاملة بين المسلمين والمسيحيين.


تأتي زيارة الملك عبد الله لتوضح بما لا يدع مجالاً للشك ان الاسلام ليست لديه الحواجز التي تمنعه من التعايش مع الديانات الاخرى لكن بشرط ان يحترم اهل كل دين الديانات الاخرى ولا يتجنون عليها ويشوهون قدسيتها... وتدل الزيارة ايضاً ان العالم الاسلامي ليس منغلقاً على نفسه.


لا شك ان هذه الزيارة ستجعل الغرب يعيد حساباته وقراءاته واقواله التي يطلقها على هذا الشرق حيث ان زيارة مثل هذه تعني بالدرجة الاولى اعلان تسامح الاسلام والاعتراف بجميع الاديان وان الاسلام قادر على احتضان كل البشر والتعامل معهم بسمو الاخلاق وصدق العاطفة.


فالقيادات في الشرق العربي تنبذ الارهاب بكل طرقه ووسائله والتعاون مع الغرب هو تعاون الانسان مع اخيه الانسان في المصالح التجارية والعلمية وسواها وصورة الانسان العربي التي تشوهت بعد احداث سبتمبر 2001 ليست الصورة الحقيقية للدين الاسلامي الذي يدعو الى نبذ كل ما يضر الانسان في اي مكان وفي اي دين.


ان هذا اللقاء يدل على ايمان الشرق والغرب بأن العنف والارهاب لا دين ولا وطن له... وقد ذكّرتني العبارات التي اعلنها البابا بنديكت السادس عشر بما كنت قد سمعته قبل اسابيع قليلة من سيدنا المطران كبوشي راعي ابرشية القدس الذي التقيته بدمشق حيث كان سيادته واضحاً في حبه للاديان وتنبيهه على ما يجمع بينها من قيم مشتركة حيث ان العودة لتلك القيم سينقذ العالم من ويلات الخلافات والصراعات...
تحية لحاضرة الفاتيكان التي آمنت ان الحوارات بين الاديان هي خلاص الشعوب من كل صراعاتها ومآسيها... وتحية لتلك الشخصية الخلاقة في خطواتها السياسية الاستثنائية تلك الشخصية التي جعلت الحوار بين الاديان هو في اهم اهتماماتها...

ماريا المعلوف