بدأت هذا الأسبوع فعاليات مهرجان روتردام للفيلم العربي السابع بمشاركة أفلام كثيرة ومتنوعة الاتجاهات السينمائية، المهرجان الذي يُعتبر متميزا في فعالياته وتنظيمه وهو الأفضل من بين المهرجانات السينمائية العربية في اوربا لما له من خبرة طويلة على صعيد اختيار الأفلام وبناء العلاقات والتي تساهم بإنجاح أي مهرجان سينمائي. هذه الدورة شهدت وللاسف تراجعا في مستوى تنظيم حفل الاحتفال و الذي يمنح فعاليات المهرجان شخصيته السينمائية.

ان المتتبع لحفل الافتتاح يستنتج عدم وجود اتفاق بين أعضاء اللجنة المنظمة على إنجاز الشكل الفني له حيث يتوقع المتفرج تنظيما فنيا يليق بمهرجان سينمائي ويكتشف ايضا في سياق آخر فشل جهود بعض أعضاء لجنة المهرجان لإضفاء شخصية سينمائية ليبرالية عليه بعيدا عن التطرف الديني والسياسي. لقد دللت كلمات حفل الاحتفال بؤس التصور الفني والمعرفي للسينما فلم نسمع أي توصيف ثقافي الى هذا الفن الراقي والى الكاميرا بأعتبارها ذاكرة الزمن بل بالعكس عكست تلك الكلمات خلفية أصحابها القومية والإسلامية والبعيدة عن عالم السينما، فقد وجه مسؤول المهرجان السيد محمد أبو الليل تحية بكلمات مبطنه لما أسماه ( الأبطال في العراق ) الأمر الذي جعل القاص - كريم كطافه - ان يحتج ويطالب بإيقاف حملة التضامن التي يروجها البعض للمشاركة بسفك دماء العراقيين ومن الجدير بالذكر ان المهرجان هو عراقي الحضور وهناك قضية مهنية اخرى وهي تسمية الفنان المبدع عازف العود نصير شمة في لجنة تحكيم الأفلام الروائية، صحيح ان الفنان نصير شمه قد كتب الموسيقي التصويرية لعدة أفلام ولكن هذا الموضوع لا يؤهله لان يكون فعالا وناقدا ويناقش مثلا أعضاء آخرين في لجنة التحكيم لهم من الخبرة في النقد وعالم السينما التجربة الفنية الجيدة وكان من الأفضل إذ رغب المهرجان بتكريم الفنان نصير شمه ان يسميه مستشارا موسيقيا للجنة التحكيم باعتبار ان الموسيقى من روافد السينما او يُدعى للمشاركة كعازف ليثري بموسيقاه حفل الاحتفال فيضمن بذلك تكريما لائقا ويغطي على جدب الحفل.


ان بؤس التقديم قد أساء الى السادة أعضاء لجان التحكيم فلم يدعوا للحضور الى المنصة لُيعرف بهم وبمكانتهم أمام الجمهور و الأمر الآخر الذي يؤسف له ايضا هو الإصرار على تضييع الخبرة التي اكتسبها المهرجان حيث ان أحد أعضاء لجنة المهرجان مشهود له الدقة والمثابرة في تنظيم المهرجانات السينمائية ويُستفاد من خبرته في هذا المجال كما حصل في مهرجان بر وكسل السينمائي عام 2006.

- اخر فيلم ndash; فيلم الافتتاح للمخرج التونسي النوري بو زيد يُعالج الفيلم قضية تجنيد الشباب المحبط من قبل شبكات الإرهاب التي نشطت بعد احتلال العراق و الذي حطم حلم الراقص بهته بالسفر الى اوربا ( جسد الدور بإتقان ورهافة حس الممثل لطفي عبدلي ) ولأنه جسور ويائس يستطيع داعية إسلامي بتجنيده ليقتل نفسه بدعوى الحفاظ على الإسلام ومقارعة الغرب الكافر. الشاب بهته يرفض محاولات الإغواء ويتمسك بفن الرقص الذي يحبه وبعد عدة محاولات بين الرفض والقبول و هروبه من المنزل ومحاولته قتل صديقته بتهمة الفجور لأنها تقابل شخصا غريبا حيث لا يسمح الإسلام بهكذا علاقة يستسلم الشاب لعملية غسل دماغه من قبل الداعية ويقوم بتفجير نفسه بمشهد مفتعل وسطحي وسط حاويات بضاعة مكتوب عليها ndash; رأسمالية.

هناك نقطتان مهمتان ركز عليهما المخرج و أجاد استعمال دلالتهما الرمزية وهما:

أولا: ان مهنة الداعية الإسلامي هي صناعة شواهد القبور أي إعلان الموت وإشهاره من خلال نصب تلك الشواهد على القبور الأمر الذي يجعله ذا خبرة بتسويق الموت جراء التعامل اليومي معه وهاهو ينجح في نهاية الفيلم بقتل الشاب بهتة وجعله شاهدة من شواهد القبور التي يصنعها.

ثانيا: لاستسلم الشاب بسهولة لمحاولة تجنيده فيضطر الداعية الى سجنه في مكان مهجور كانت تُستعمل فيه ( معصرة ) في هذا المكان يجد ايضا عبوات الديناميت وفي هذا المكان يقرر تفجير نفسه بعد صراع روحي ورفض أنساني أي لقد تعرضت روحه وأفكاره للعصر ولاختبارفي الفيلم نشاهد ان شبكات التجنيد تسلك نفس وسائل المخابرات بتجنيد الشباب اليائس مما يحلنا الى مسلسل quot; رأفت الهجان quot; لقد انشغل الفيلم كثيرا بأحداث مطولة ورتيبة في إيقاعها مثلا: إثبات ان بهته يُعاني من التحقير من قبل محيطة وعائلته الأمر الذي جعل الفيلم مترهلا بعض الشيء كما ان حشر موضوعة احتلال العراق بهذه العفوية وهي موضوعة مصيرية بالفيلم أعطى انطباعا بعدم تماسك البناء في الدراما إلا ان الأداء الجميل والمرهف للمثل لطفي عبدلي الذي استطاع ان يجسد أدوارا مختلفة في طبيعتها من راقص يائس الى مجند إسلامي يبتغي ألموت خفف من كابوسية ونمطية الفيلم.


علي البزاز
Damlamar @yahoo.com

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف