أردت في البداية اختيار العبارة التالية الحكومة العراقية تنتهك سيادة العراق لتكون عنوانا لمقالتي هذه لكنني لم البث أن تراجعت عن ذلك لأنه من غير الممكن منطقيا وجود حكومة تنتهك سيادة بلدها الذي تشرف عليه وسيبدو مقالي حينئذ من قبيل الترهات أو المزاح الثقيل لذا قررت تجنبا لهذا الإشكال المنطقي اختيار عنوان أخر حتى وان تباعد بعض الشيء عن يورده مضمون مقالي فمنذ إجراء المفاوضات حول الاتفاقية العراقية الأميركية والسياسيون العراقيون ما انفكوا يرددون عبارات من مثل : نريد أن لاتمس هذه الاتفاقية مصالح الجوار أو أن توقيع المعاهدة يجب أن يحضى بقبول إقليمي أو أن حساسيات إقليمية تمنع التوقيع على الاتفاقية كما أشار إلى ذلك احد السياسيين المتنفذين في إشارة إلى الصعوبات التي تواجه التوقيع على الاتفاقية أو أن يحدد شرط عدم المساس بمصالح دول الجوار ك أساس لقبول الاتفاقية كما طرحت ذلك مؤخرا بعض الشخصيات السياسية الأمر الذي يثير التساؤل حول أولوية المعايير التي تحدد قيمة المعاهدة أو جدواها وهل يكون للمعيار الإقليمي ارجحية على المعيار الوطني أم أن هناك شكل من أشكال التوازن بين المعيارين وبعبارة أخرى ماذا لو خدمت الاتفاقية مصلحة العراق وقدمت له ميزات كثيرة يتمناها كثيرون لكنها لم تحضى بقبول بعض دول الجوار هل تكون الكلمة الفصل لموافقة دول الجوار أم للمصلحة الوطنية؟

فجميع السياسيين تقريبا أشادوا بالاتفاقية ومدحوا بنودها وقد أشار بعضهم إلى أن هذه الاتفاقية أفضل من سواها من الاتفاقيات الأخرى المماثلة بل واعتبرها بعضهم داعمة لسيادة العراق وحافظة لمصالحه في إشارة لدورها في إخراج العراق من حلقة الفصل السابع المكبلة للسيادة وفي ما تحمله من وعود لحماية الأموال العراقية أو لدعم الاقتصاد العراقي لكن ما يثير الغرابة وما يدفع المواطن البسيط للتساؤل أن إشادة السياسيين بهذه الاتفاقية لا تنزل إلى ميدان المفاوضات أو تطبق على ارض الواقع لنلمس حسما لهذه القضية المحورية بل نجد حذرا وارتباكا غير مألوف مما قد فسر من البعض على انه مجرد مزايدات انتخابية أو ابتزاز من نوع ما فيما قد يشير أيضا إلى أمور أخرى خفية لايمكننا الجزم بها أو إعطائها ارجحية فإذا كانت الاتفاقية بهذه المواصفات العالية وبهذه الأهمية لمصلحة العراق كما يقول السياسيون أنفسهم برغم الملاحظات الطفيفة التي يبديها البعض من حين لأخر ماذا ينتضر السياسيون إذن؟ ولماذا يصروا على وضع موافقة دول الجوار كشرط مسبق للقبول بالاتفاقية كما حصل في أخر تصريح لرئيس الحكومة والذي أعلن فيه وفي سابقة نادرة انه سيطلع دول الجوار عليها أي ( المعا هدة ) فور مجيء الرد الأميركي على التعديلات التي هي بالمناسبة ليست الأولى التي تقدمها الحكومة على مضمون الاتفاقية وقد لاتكون الأخيرة أيضا بالرغم من أن الذين اجروا المفاوضات الطويلة مع الحكومة الأميركية حول بنود الاتفاقية هم في جلهم من أعضاء الحكومة بل ومن خلص أتباعها وليس من خصومها أو معارضيها كما يمكن أن يعتقد البعض استنادا إلى هذه الرغبة العارمة في التعديل ما يجعلنا نتساءل عن مصدر هذه التعديلات التي يتم إعلانها تباعا لأنه لو كانت هذه التعديلات من الحكومة أو وفدها المفاوض لواجهنا تساؤل عن سبب إغفال هذه التعديلات وعدم إثارتها خلال المفاوضات هل فطنت لها الحكومة فجأة؟ أم أنها نتيجة لسجال سياسي بين الحكومة وشركائها في العملية السياسية وهذا ما تنفيه الوقائع التي أثبتت أن الحكومة هي ذاتها من أثارت هذه التعديلات وليس شركائها ولا حتى خصومها أو معارضيها الذين هم على العكس من ذلك أيدوا التوقيع على المعاهدة بل وتحمسوا لها خوفا من عودة الفوضى إلى الساحة العراقية إنني لا أريد أن اشكك مبدئيا بولاء الأطراف العراقية إلا أنني أريد أن أبين أن وضع موافقة دول الجوار كشرط من شروط الموافقة على الاتفاقية بأي هدف كان هو انتهاك للسيادة العراقية وهو بالتالي اهانة للسياسيين أنفسهم كونهم المسئولين الحاليين عن إدارة العراق فهل تقبل دول الجوار مثلا باعتراض العراق على معاهداتهم أو اتفاقياتهم كما يفعلوا هم مع العراق أم هو حرام على العراق حلال عليهم فمصلحة العراق هي الأساس الذي يجب أن ينظر إليه عند التعامل مع الاتفاقية بغض النظر أن كان القرار بشأنها يأتي بالرفض أو بالقبول دون نسيان التوافق الإقليمي والعلاقات التي تحكم سياسة دول الجوار وروابطها مع بعض فلا يجوز منطقيا التلاعب بالقرار السيادي أو وضعه في طاولة المزايدات أو التجاذبات حتى لا نكون مذنبين بحق مصلحة العراق أو شخصيته الدولية.

باسم محمد حبيب