فخامة الرئيس باراك اوباما المحترم،،،،
أسمح لى اولا أن أهنئك على فوزك برئاسة الولايات المتحدة الامريكية التى هى بكل المقاييس فوزا تاريخيا لامريكا الجديدة، وتحقيق الحلم الامريكى.

اننى كمواطن عربى يعرف أمريكا بمقدار كاف أجد أنك فزت بصوت الانتفاضة الامريكية الشعبية، التى كنا نتوقع أندلاعها بين لحظة وأخرى ضد أنحراف المبادىء الامريكية عن ينابيعها، وخصوصا فى السنوات الاخيرة.
فنحن نعرف الولايات المتحدة ونحترم شعبها، ونقدر زعماءها تقديرا عظيما لثلاثة أسباب لها علاقة بعروبتنا ومبادئنا :
السبب الاول : أن الولايات المتحدة تشبه بلادنا من حيث هى موطن للجميع، الابيض والاسود، والاوروبى والاسيوى، والافريقى واللاتينى، والغنى والفقير، لا فضل لمواطن على اخر الا بمقدار ولائه للامة الامريكية، وأنتخابكم هو أكبر دليل على شفافية الديمقراطية فى بلادكم.

والسبب الثانى : أن الولايات المتحدة تشبه بلادنا من حيث تعلقها بالله تعالى، ومبادىء السلام المبنى على الايمان والمثل الانسانية، التى جاء بها الانبياء وعلمونا ممارستها، فاصبح ذلك مقياسا للناس والامم، وانتم مثلنا تماما تنشدون الراحة النفسية أمام الخالق وتذهبون الى الكنائس بروح من المحبة والسماح مثلما نفعل نحن فى جوامعنا وكنائسنا.
والسبب الثالث : أنكم مثلنا تماما من حيث التمسك بالحرية ورفض العبودية، واستنكار الظلم quot; ومثلما يقول دستوركم quot; أن الله خلق الناس جميعا متساويين، والله منحهم حقوقا لا تقبل التنازل عنها للغير quot;، كذلك نحن نؤمن بأن الله تعالى أمرنا بأن لا نفرق بين الناس وألا نتنازل عن الحقوق التى منحنا أياها كحق الحياة والحرية والسعى للسعادة.

ولهذه الاسباب الثلاثة تجد يا فخامة الرئيس أن العرب أتجهوا نحو الولايات المتحدة منذ بداية أستقلال الدول العربية كى يدخلواأبناءهم فى جامعاتها ويعلموهم فيها، ويستمدوا من الشعب الامريكى وسائله الحضارية فلا تنظيم العلاقة بين الناس.
ولهذه الاسباب الثلاثة أيضا بلغ المسافرين والدارسين والتجار العرب الى الولايات المتحدة عشرين أضعاف أمثالهم الذين أتجهوا نحو أوروبا أوأستراليا أو أفريقيا، واليابان وروسيا السوفياتية0
وإذا كانت الظروف الجغرافية والتاريخية والاجتماعية وضعت الدول العربية فى درجة متدنية من التقدم العلمى والديمقراطى، فذلك لم يمنع العرب من محاولات اللحاق بهذين الانجازين فى دياركم وبين ظهرانيكم.
وليس صحيحا يا فخامة الرئيس أننا نتعامل معكم خوفا منكم، وخصوصا لضغوطكم وجبروتكم، فلو كان هذا هو حالنا لوجدتنا قادرين على أن ننتقم لكرامتنا شر إنتقام وفى ذاكرة الادرات الامريكية المتعاقبة منذ مطلع القرن العشرين ما يؤكد أن العرب قادرين على النجاة بأنفسهم من الضغوط وأحيانا.. قادرين على تغليب مصالحهم على مصالح الاخرين.
وبعد....
فها أنت سوف تدخل البيت الابيض، وتجلس على كرسى الرئاسة فى المكتب البيضاوى وفى خزائنه وعلى مقاعده وجدرانه بصمات غريبة عن التقاليد الامريكية والمحبة الامريكية.
لقد كان من سوء حظ العرب والعالم أن الادارة السابقة لم تكن أمريكية كما يعرف العالم الامريكيون.
ومن المؤكد أننا لسنا ضد أن يكون البيت الابيض محكوما بالضغوط فهذا شأن أمريكى داخلى لا نسمح لانفسنا بالاعتراض عليه أو حتى مجرد انتقاده لكننا أصبحنا ضده منذ العام 1993 وبعد عام واحد على مؤتمر مدريد، الذى عمد بمبادرة من الرئيس بوش الاب، الذى قرر وأقنع أدارته بأن تكون الولايات المتحدة داعية للمسيرة السلمية التى كان يفترض أن تسير سيرا طبيعيا بين العرب واسرائيل.
فأنت الرئيس الشاب القادم من أصول إفريقية فقيرة، وتعرف تماما معنى الظلم والقهر لذلك نأمل من فخامتكم رفع الظلم عن الشعب الفلسطينى منذ أكثر من مائة عام.
كما وأن لمصلحة أمريكا والتى الان تمثلها، أن تنتهى هذه القضية التى بسببها خلقت مشاكل فى العالم لا حصر لها، إن كانت أقتصادية أو إرهابية.
ولا شك أنكم تعلمون يا فخامة الرئيس أن الراعى هو الجهة التى تخدم الرعية بشكل عاقل وغير منحاز.
فراعى الغنم والبقر، والامريكيون أسياد فى رعاية البقر ndash; لا يمكن أن يرعى نصف القطيع ويترك النصف الاخر للذئب، والسيد المسيح أنا هو الراعى ndash; الراعى الصالح الذى يعامل بنى البشر بشفافية مطلقة دون أنحياز. وقد رضى العرب كما تعلم يا فخامة الرئيس أن يسلموا الادارة الامريكية حق رعاية المسيرة السلمية، ومنحوها ثقتهم المطلقة عندما أثبت الرئيس بوش الاب، أنه يريد أن يكون منصفا بسبب المسؤولية الرعائية التى أسندت اليه والى أدارته.
ومن المؤكد أيضا يا فخامة الرئيس أن العرب لم تكن قضيتهم الفطنة السياسية والدبلوماسية، كى يعرفوا حدود علاقتهم بالولايات المتحدة، وعلاقة إسرائيل بالولايات المتحدة.
نحن نعرف أن واشنطن أعترفت بالدولة الاسرائيلية بعد دقائق من إعلانها رسميا دون أن تعترف للشعب الفلسطينى بحقه المشروع فى العيش الكريم، وإدارة شئونه بنفسه، وعلى أيدى إدارة منتخبة منه، ونحن نعرف أن الادارة الامريكية أصبحت السند الدولى الاقوى للصهيونية الراغبة باقامة دولة يهودية فى فلسطين منذ مؤتمر بالتيمور عام 1941 وبرنامجه. ونحن نعرف وقد قرأنا ذلك فى المراجع الامريكية، أن الرئيس هارى ترومان دعم الصهيونية بكل ما كان عنده، وبين يديه من وسائل، ولكننا نعرف أيضا انه أعترف بأن الضغط الصهيونى عليه كان أكبر من قدرته على رفضه.
ونحن نعرف أن ترومان ورث تأييد الصهيونية عن سلفه روزفلت، ونعرف علاقة الولايات المتحدة المباشرة بتوسيع خطوط الاحتلال الاسرائيلى سنة 1950، رغم أتفاقات الهدنة بينها وبين العرب، ونعرف دور واشنطن فى حروب 1967 و 1973 و 1982، وكيف أن السلاح الامريكى حقق النصر لاسرائيل، والفيتو الامريكى حقق لها القرار 242 الذى أوقع علينا ظلما يعادل ظلم الاحتلال.
ونعرف كم مرة أستخدمت الحكومات الامريكية حق الفيتو لمصلحة إسرائيل وكيف أن إسرائيل لم تكن قادرة على العيش إلا بالضغوط الامريكية على العرب وإغداق السلاح والدعم السياسى عليها.
ولذلك فنحن لا نستغرب ذلك ولا نفاجأ به لكننا نرجو أن تتذكر أدارتكم المقبلة على الحكم أن الولايات المتحدة أختارت أن تكون وسيطا وحكما وراعيا للعملية السلمية، وهذا الخيار يحتم عليها أن تقف من أطراف النزاع على مسافة واحدة، فلا تكن مع إسرائيل ولا تكون ضد إسرائيل، وأنما نحن العرب فلا نريدها أن تكون معنا بل مع نفسها أو مع مقترحاتها وبرنامجها التى وافقت عليه جميع دول العالم، وهو الارض مقابل السلام.
وأرجو يا فخامة الرئيس أن تسمحوا لى بتقديم مطلب أرى أنه مطلب عربى عام ولا شك أنه مطلب دولى أيضا، وهو أن تحاولوا أحترام مشاعرنا وكرامتنا الوطنية والقومية، بالا تجعلوا ممثليكم ومندوبيكم وسفراءكم ووسائطكم ومستشاريكم لشئون الشرق الاوسط والعالم، من طائفة واحدة واتجاه واحد مضاد للعرب ومنحاز لاسرائيل، واترك لفخامتكم أن تتصوروا مدى خيبة الامل التى تجتاح العالم العربى عندما يكون المسؤولون من كبار موظفيكم.
ومن المؤكد يا فخامة الرئيس أننا لا نطلب منكم أن يكون ممثلوكم فى محادثات الشرق الاوسط من أصول عربية أو أسلامية، لكننا نريدهم أن يقفوا من الصراع العربى الاسرائيلى وقفة منحازة.
إن هذا نداء مواطن عربى يعرف أمريكا والامريكيين الى حد يسمح له بابداء هذه المقترحات ويعرف أن العرب لم يعودوا كما كانوا فى نظر الامريكيين، فالسنوات المقبلة سوف تشهد أنتفاضات عربية متلاحقة، ليس لاحتلال القصور والسيطرة على حكم بل لاقناع الحكام العرب يوما بعد يوم بخطورة أنحياز الولايات المتحدة لاسرائيل.
وفى هذا ضرر بالغ لابد أن يصيب المصالح الامريكية. لقد أختار الفلسطينيون والعرب السلام العادل والشامل... فهل هذا أختيار سىء كى تعاملوه بهذه القسوة وهذا التجاهل؟ أم هو مطلبكم ورجاء المجتمع الدولى منذ نصف قرن على الاقل.
وعسى أن تجد هذه الرسالة طريقها اليكم يا فخامة الرئيس، وأملنا أن تعود الولايات المتحدة الى ينابيع الحضارة الامريكية ومبادىء المجتمع الامريكى التى هى الحق والحرية والمساواة.
واسمح لى أن أذكر فخامتك بهذه المناسبة كلاما قاله أحد عباقرة حكام الدولة العربية الاسلامية الاولى عمر بن الخطاب quot; وهو quot; متى أستعبدت الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا quot;
وفقكم الله ورفع على يديكم شأن الولايات المتحدة وكرامة الامريكيين والسلام.

فيصل أبو خضرا