تعود العلاقات السورية اللبنانية للانتعاش بعد الزيارات الدبلوماسية المتبادلة خاصة من الجانب اللبناني إلى سوريا مؤخراً على مختلف المستويات، لكن تبقى المشكلة قائمة في الوعي الشعبي مهما تطورت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وحتى لو احترمت الحكومة السورية كل مطالب الفريق اللبناني المتمثل ب 14 آذار.


أفرزت العلاقات السورية اللبنانية منذ دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976 وحتى اليوم مشكلات عميقة تكاد تخترق بنية الوعي الشعبي إلى الحد الذي أصبح فيه هذا الوعي فاقدا للرشد، نتاج هذه السنوات من العلاقات السياسية والأمنية غير المتوازنة والمجحفة في الكثير من الأحيان بحق لبنان واللبنانيين فإنه تكون لدى شريحة كبيرة من الأخير وعياً جديداً بالآخر، هذا الآخر هو السوري في فضائه العام وغير المحدد إلا بكونه ينتمي لجغرافية الدولة السورية الحالية. إن التناول الاعلامي لهذه العلاقات على مختلف المستويات تتجاوز هذه النقطة المفصلية ولا تقف عندها، أي الوعي الشعبي المتبادل، وكيف ينظر كل منهما للآخر. بينما المؤكد أن السياسة لن تستطيع تغيير الصورة النمطية طالما انتقل مصدر التوتر إلى مستويات شعبية، وبالتالي فإننا أمام مجموعة سياسات نرهن لها مصيرنا دون أن تكون مستندة إلى علم الاجتماع. وهنا يمكن تسجيل نقطة سلبية على النخبة اللبنانية المعارضة للتوجهات السورية في لبنان، فرغم قوة الآلة الاعلامية لديهم ورغم تأثير خطابهم الموجه لمؤيديهم من اللبنانيين، إلا أن هذا الخطاب لم يكرس شيئاً يذكر لتوجيه المواطن اللبناني كيف يتصرف مع المواطن السوري خارج حدود كلا الشعبين، وخاصة خارج لبنان. وليستغرب المرء بداية الأمر كيف مثلاً لأحد المنفيين السوريين من بلده ndash; وهو هنا يتقاطع بالضرورة مع خطاب الفريق اللبناني المعارض لسوريا ndash; أن يصل به الأمر إلى القول أنه رغم تحامل النظام السوري عليهم إلا أنه يبدو أن quot;اللبنانيون يستحقون ذلكquot;.

سؤال يجب طرحه على فريق 14 آذار بالدرجة الأولى لاعتمادهم على ما يبدو على ميراث التذمر الشعبي ضد السياسة السورية دون محاولتهم تقنينها وعقلنتها بل وتسييسها بحيث لا تضع المواطن السوري لمجرد انه سوري في خندق واحد مع النظام، لأن هذا يزرع الشقاق بين الشعبين اللذين لهما تاريخ واحد حتى في تعرضهم للقمع. النتيجة أن المئات من السوريين وجدوا أنفسهم في مواجهة هذا الخطاب الشعبي اللبناني في خندق واحد مع السياسة السورية في لبنان، ولو أن أحد مراكز الدراسات الدولية تجري استطلاعا للرأي في أوساط السوريين الذي يكونون على احتكاك مريح وغير متشنج مع اللبنانيين خاصة في المهجر يمكن استخلاص نتائج دقيقة عن السوريين الذين تغيرت مواقفهم تجاه السياسة السورية التدخلية في لبنان، وبالتالي اكسب هذا الخطاب السياسة السورية ما لم تستطع كسبه التوجهات الأمنية على مر سنوات طويلة، فيعلن المثقف السوري طواعية اخلاصه للحكومة السورية quot;لأن اللبنانيين يتحدثون معهم بحيث كانهم أناس وشعب فاقد لاحترامه لنفسهquot;. وللمفارقة فإن المتضرر الرئيسي من هذه الظاهرة اللبنانية التي ترى في السوري على أنه quot;الآخر السلبي quot; هو ذات التيار الذي تتبع له هذه الشريحة والذين غالبيتهم من المتعلمين وأصحاب الشهادات الجامعية.


إن على تيار 14 آذار التسويق لخطاب يحيد الشعب السوري عن التوجه السياسي لجماهيره ضد السياسة السورية، لان السياسة متغيرة، بالأمس كانت القوات السورية تطارد عون في بيروت واليوم الرجل ينعم في قصر الرئيس السوري. إضافة أن 14 آذار لن يغري بخطابه المضاد للنظام السوري أياً من أولئك حتى المعارضين السوريين للنظام نفسه طالما كان خصوم 14 آذار في لبنان صاغوا خطابا تآلفياً ومحابيا مع الشعب السوري، وهنا نجح حزب الله في ذلك بصورة تعيد للأذهان ضرورة تلقين الجماهير التي تسمع خطاب قائدها، ما يجري اليوم هو ان السياسة يمارسها السياسيون فقط في فريق 14 آذار، بينما في فريق 8 آذار وخاصة حزب الله فإن كل أنصاره يمارسون السياسة التي تكسبهم النقاط من جيوب السوريين المحبطين من عدم احترام فريق لبناني لذاتهم كفرد يعيش في سوريا قبل ان يكون مواطنا سوريا وقبل أن يكون من الشعب السوري.

وأحد أوجه نزع الاحترام عن الفرد السوري هو عدم حظيه باحترام اللبناني الممتعض من السياسة السورية إلا بعد أن يشتم الأخير النظام السوري ويحصل على صكوك الغفران. إن الاخوة في لبنان يمكن أن يساهموا في مساعدة السوريين على مراجعة وتقييم تلك الحقبة السورية في لبنان، وهذا يفرض عليهم إبداء الاحترام له وعدم الشماتة به وكأن كل سوري كان ينصب خيمة له على الطرق التي تربط القرى والبلدات اللبنانية ليعمل كقاطع طريق. ميشيل كيلو وأكرم وأنور البني وفايز سارة هم أولئك الموقعين على إعلان بيروت دمشق وسجنوا لهذا السبب.

في حادثة ربما تفيد سياق هذا الموضوع، فإن أحد الأكراد قام بحرق العلم التركي عندما كان القتال مشتدا بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، كان هذا الشخص يعبر عن حنقه وغضبه لأن الدبابات التركية ازالت قريته من الوجود، فما المشكلة لو خفف عن نفسه بحرقه للعلم؟ حينها عاقبه زعيم الحزب عبد الله أوجلان الذي كان في لبنان قائلاً: هذا ليس علم الجيش وحده حتى نحرقه، إنه علم حقي قرار وكمال بير التركيين اللذان أسسا حزب العمال الكردستاني مع أوجلان ورفاقه. اليوم، كل اليساريين الأتراك يحفظون لعبد اوجلان موقفه، وبالتالي إن لم تنجح مثل هذه المواقف من كسب أنصار لها في ساحة العدو، فإنها على الأقل لا تخلق أعداءا محتملين لها في كل لحظة. والأكثر من ذلك أن الأكراد انفتحوا على الديمقراطية بشكل أكبر تحت تأثير الأتراك المدافعين عن الحقوق الكردية.


غالبية جماهير 14 آذار وحتى فئات أخرى في 8 آذار ترى في الشعب السوري شريكا للنظام في سياسته في لبنان، وهذه نظرة خاطئة وخطيرة لأنها تؤسس لحالة قطيعة عاطفية بين الشعبين الذين تربطهما ما هو أكثر من العاطفة المجردة.ما يهمنا في النهاية هو علاقات الشعبين وليس الأنظمة السياسية في البلدين.

حسين جمو