أشعل رمي الحذاء المزدوج على الرئيس الأمريكي قبل عدة أيام، ثورة في نصف الكرة الأرضية بضمنها طبعا بعض الدول العربية، خصوصا مصر والأردن اللتان ترفرف فوق بنايات عاصمتيهما العلم الإسرائيلي quot; خفاقة شامخة quot; شموخ جبلي سيناء وعمان، كما لم يشعلها السلاح الكيمياوي المزدوج الذي هدد به صدام حسين بإحراق نصف إسرائيل في بداية التسعينات، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة ليحرق به نصف دولة الكويت!
فما أن عبر الحذاء المزدوج من فوق رأس الرئيس بوش حتى أعلنت الدول والبرلمانات والإتحادات المهنية والنقابية والشعبية العربية عن حالة الإستنفار القصوى إستعدادا للثورة الكبرى التي أشعل فتيلها الصحفي العراقي منتظر الزيدي؟!..
ولم يبق سوى أن تعلن قناة البغدادية التي يملكها صالح المطلك وينتمي إليها الزيدي والتي بدأت ببث الأناشيد الوطنية الحماسية بعد دقائق من توجيه الصاروخ الحذائي الى الرئيس بوش، عن إنضمام بقية القنوات الفضائية العربية إليها لنقل وقائع الثورة العربية داخل المنطقة الخضراء ضد قوات الإحتلال الأمريكي quot;، ثم تبث النشيد الوطنيquot; يا أهلا بالمعارك يا بخت مين يشاركquot;؟!.
حال مرور فردتي الحذاء من فوق رأس الرئيس بوش كنت أتوقع ردود الفعل العربية التي تابعتها خلال الأيام الثلاثة اللاحقة، رغم أن الحذائين لم يصيبا هدفهما، فكانت ضربة خائبة لا تختلف عن الضربات الصاروخية التي وجهها صدام حسين الى إسرائيل أثناء معركة تحرير الكويت، وquot; يا محلى النصر بعون اللهquot;!!.
ولكم كان مضحكا هذا الكم الهائل من ردود الفعل المضحكة تجاه ما حدث رغم أن في الدول المتحضرة يعتبر رمي الرئيس أو السياسيين بشيء من الطماطم أو البيض الفاسد تقليدا شائعا وعاديا جدا، ولكن العرب حولوا فعل منتظر الزيدي الى ثورة كبرى وإنتصارا باهرا قل نظيره في التاريخ العربي المليء بالإخفاقات والفشل في مواجهة أمريكا وإسرائيل؟!.
في هذا الجو الحماسي المشحون، كدت أن أتوقع خروج مذيع قناة البغدادية ليقطع الإرسال ويذيع البيان رقم واحدquot; يا أبناء الأمة العربية المجيدة، لقد فعلها والله إبن العراق البار وأخزى الإحتلال الأمريكي، فهبوا جميعا بوجه أمريكا فاليوم هو يوم الأيام والحصاد الأكبر والله أكبر وليخسأ الخاسئونquot;!!.
فقد أعلن المحامي خليل الدليمي أنه سيطرز مسيرته المهنية بالدفاع عن منتظر الزيدي كما دافع عن الرئيس صدام حسين وأنقذه من حبل المشنقة؟! في الوقت الذي أعلن فيه إتحاد المحامين العرب أنه أوكل 270 محاميا للدفاع عن منتظر الزيدي.مع أن الزيدي أكد توكيله محاميا واحدا يمثل قناته الإعلامية!!.
من جهته قال الدكتور فراس الجبوري أستاذ القانون الدوليquot; أن ( جبهة دولية ) مكونة من 100 محامي من شتى بلدان العالم تتبنى الدفاع عن الصحفي والبطل العربي منتظر الزيدي quot; الذي لم يرتكب أي جريمة حيث أنه يقاومquot;!.يقاوم بحذائه الإحتلال الأمريكي للعراق؟!!.
وفي نفس السياقquot; حيت العديد من المواقع الاخبارية وعدد من شبكات التلفزة الخاصة في بيانات لها ما وصفته بـquot; الوقفة الرجولية الشجاعة للصحفي العراقي ابن الشعب البار والاصيل منتظر الزيدي الذي حول رأس الرئيس الامريكي جورج بوش الى ساحة لفردتي حذائة، والتي جعلته يترنح ذات اليمين وذات الشمال رغم محاولات رئيس الحكومة نوري المالكي الذود عنهquot;. وقالت تلك المواقعquot; ان ما قام به هذا العراقي النشمي غسل قلوب العراقيين بماء بارد وشفى صدورهم من الالام التي كانت تغلي في صدورهم كما يغلى الحديد فى مراجل الانصهار من شده المعاناة التي سببها المجرم بوش لهم من جراء احتلاله والعمل بكل الوسائل لتحطيم العراق باسم الديمقراطية المزيفة وشعارات التحرير الكاذبة التي لاتخدم سوى مصالح امريكاquot;؟!!.
هذه هي بعض ردود الفعل المتوقعة من الشارع العربي، ولكن ما لم يكن متوقعا أبدا هو إنضمام بعض الكتاب والمثقفين العرب الى جوقة المداحين والمطبلين لهذا الإنتصار الزائف، وفيهم أقلام كبار معتبرة تكتب في صحافة الغرب، وتشربت بثقافة الغرب!!.
فقد حرت لما قرأته من بعض المقالات المنسوبة لأصحاب هذه الإقلام وهي تمجد لفعلة منتظر الزيدي، وتأسفت لهذا الإنحدار الفكري العربي الذي يقوده هؤلاء الكتاب الكبار بتمجيدهم لفعلة هي في أقل تقدير تصرف غير حضاري قبل أن تشكل جريمة يعاقب عليها القانون.
فالمادة 223 من قانون العقوبات العراقي الذي سيمثل منتظر الزيدي بموجبه أمام المحكمة الجنائية قريبا، تنص في فقرتها الثالثة على أنquot;يعاقب بالسجن المؤقت كل من اهان باحدى طرق العلانية دولة أجنبية أو منظمة دولية لها مقر بالعراق،أو أهان رئيسها أو ممثلها لدى العراق، أو أهان علمها أو شعارها الوطني متى كانا مستعملين على وجه لا يخالف قوانين العراقquot;.. والسجن المؤقت في العراق بحسب المادة 87 من ذلك القانون يتراوح بين خمس سنوات الى خمس عشرة سنة سيقضيها منتظر الزيدي في السجن.
إذا كانت ردود الفعل الشعبية في بعض العواصم العربية معتادا في مثل هذه المواقف لمجرد أنها ضد أمريكا والإمبريالية والعدو الصهيوني بسبب مخلفات وثقافات الحكم الإستبدادي التي ترسخت في المجتمعات العربية وتركت أثرها لحد الآن لدى الشعوب العربية، فكيف يمكن تبرير تلك المباركات غير الحضارية لفعلة الزيدي من كتاب يعتبرون أنفسهم قدوة للآخرين، خصوصا أولئك الذين قضوا سنينا في ظل ثقافة الغرب الديمقراطية؟؟..
لقد أخطأ منتظر الزيدي عندما لجأ الى التعبير بحذائه عن رفض الإحتلال الأمريكي، ولم يلجأ بدل ذلك الى إحراج الرئيس بوش أثناء المؤتمر الصحفي بأسئلة صحافية، خصوصا وأن المكان كان يتسع للرأي المخالف لأن العرض كان على الهواء، وكان بإمكانه أيضا أن يخفف من تصرفه الأهوج بالهتاف ضد أمريكا وتمجيد من يراه أهلا لذلك، ولكن أن يلجأ الى تصرف غير لائق ضد ضيف للدولة العراقية يفترض أن يحترم من قبل المضيف، فهذا تصرف خاطيء سيؤدي به الى السجن لخمس عشرة سنة سيقضيها في الذل والهوان داخل سجن أبو غريب، بينما يتمتع خلاله كتاب تلك المقالات المباركة بنسائم الديمقراطية في البلدان الغربية، ويرتشفون كؤوس النصر التاريخي على الإمبريالية العالمية.
شيرزاد شيخاني
التعليقات