تقول الآية الكريمة (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيرا). وكذلك تقول الآية (وعاشروهن بالمعروف).

الزواج علاقة إنسانية كباقي العلاقات الإنسانية التي تربط بين الطرفين لكنها تختلف عن باقي العلاقات بأنها أكثر حميمية، ومن الطبيعي أن نفهم اختلاف كل إنسان عن الآخر في فكره وأخلاقه وظروفه وأوضاعه المحيطة به.

وكل علاقة زوجية تنطلق على أساس التفاهم المتبادل بين الطرفين معرّفة كل طرف نقاط الضعف ونقاط القوة لدى الطرف الآخر ليعرف كيف يوازي بينها وبين نقاط ضعفه وقوته وهنا يكمن الكثير من الخلاف والتنافر والإختلاف في وجهات النظر عل المستوى الفكري والعاطفي أو حركة الواقع الذي يعيشه كلا الطرفين.

ومن أجل ذلك لا بد لكلا الطرفين أن يدرسا المسألة بكل موضوعية وعقلانية ويتحاورا ليصلا إلى نقطة مشتركة حتى لا تدمر العلاقة أو تعقدها، وكل ذلك يحتاج إلى وعي وإنفتاح وإيمان ولا ينفرد كل طرف بأنانيته ويلغي الطرف الآخر وخاصة من قبل الرجل الذي دائماً ما يدخل إلى العلاقة الزوجية حاملاً معه عاداته وتقاليده بكل نقاط الضعف والقوة المليئة بكثير من الرواسب الفكرية والأخلاقية، فيجعل من نفسه سيداً والمرأة عبدة له ولا يعيش روحية الإنفتاح تجاه الطرف الآخر بل يتحرك من أنانيته الذاتية ويلغي دور المرأة وتفكيرها أو حتى مشاركتها في إبداء رأيها في أي مسألة كانت صغيرة أم كبيرة في حياتهما الزوجية وهنا يستخدم الإضطهاد والقمع والأساليب الوحشية وإلغاء الآخر وتدمير حياته.

وبطبيعة الحال فإن هذه الرواسب التي يحملها الرجل تجاه المرأة التي توحي له بأنه القوي وهي العنصر الضعيف تشعره بأن له الحق بأن يضرب زوجته بما يتوافق مع مزاجه بغض النظر عما إذا كان له الحق أم لا فيما يلزمها به وكثيراً ما يتصرف معها بإستخدام القوة للتنفيس عن الغيظ الذي يتراكم من علاقاته بالآخرين خارج نطاق الحياة الزوجية.

وفي صدد ذلك فالشرع لم يعط الحق للرجل بأن يسلط على المرأة في أي حالة من الحالات إلا في حالة النشوز ويكون التأديب متدرجاً فالوعظ والهجر في المضاجع ثم الضرب التأديبي الذي لا يترك أي أثر على الجسد.

فالمرأة في هذه الحالة كأي إمرأة أجنبية عن الزوج في العلاقات الإنسانية فلا يجوز له أن يشتمها أو يضربها أو يطردها من بيتها بغير حق ولا أن يسيء معاملتها أو يؤذيها تماماً كما لا يبيح له الشرع بأن يضرب المرأة الأجنبية أو يؤذيها لأن الله لم يسلط إنسانا على إنسان آخر.
وطبعاً الحالة الوحيدة التي ذكرت في القرآن الكريم التي يحق للرجل بضرب زوجته فيها هي حالة النشوز أي الحالة التي تتمرد الزوجة على زوجها في الأمور الجنسية، فهنا يحق له أن يضربها بعد وعظها وهجرها وقد حدد الضرب بالضرب التأديبي أي من دون إدماء لحم أو كسر عظم وأن لا يكون الضرب ناشئاً عن عقدة نفسية في فكر الرجل، وفي هذا المجال من حق الزوج أن يحافظ على البيت الزوجي من الإنهيار إذا كان لا يريد الإنفصال عن زوجته.

ولذلك كل من يضرب زوجته خارج هذا النطاق فهو يخرج عن الخط الإسلامي الذي حدده القرآن وهو بذلك يخرج عن نطاق الحدود التي وضعها الله في هذا المجال فيعتبر ظالما ولا فرق بين أن يضرب الزوج زوجته أو أن يضرب أي امرأة آخرى...

وإنطلاقاً من ذلك إذا تعرضت الزوجة للضرب المبرح الذي قد يهدد حياتها أو يجعل لها عاهات مستديمة فمن حقها أن تدافع عن نفسها بأن ترد الاذى عنها والظلم الذي يلحق بها من قبل همجية الرجل الذي يتحرك من أنانيته الغريزية.

وعلى هذا الأساس خرج بعض الفقهاء بفتوى أثارت الجدل والرفض من قبل المجتمع العربي الذكوري وحركت الآراء والمواقف من قبل رجال الدين المؤيدين والرافضين لتلك الفتوى فمنهم من اعتبرها حقا للمرأة التي تتعرض للظلم والعنف من جانب الرجل بأن ترد الضرب عنها لا أن تباشر بالضرب وتتخلى عن أخلاق الزوجة المسلمة التي أمرت بإطاعة الزوج وتأدية واجباتها الزوجية على أكمل وجه انطلاقاً من أن الحياة الزوجية هي بالنسبة لها هي حياة مودة ورحمة وتطوع لحساب الله. ومثال على ذلك الحديث المأثور quot;جهاد المرأة حسن التبعلquot;.

ومنهم من اعتبر الفتوى وفسرها بمعنى إن ضربك زوجك فاضربيه وأن تلك الفتوى قد تجعل الحياة الزوجية ساحة حرب وتفتح طريق التمرد للزوجة على زوجها فلا يعد عندها أي رادع ويباح لها إهانة وشتم وضرب زوجها في أي موقف وظرف!!

لكن الفتوى هنا نصت لرد الأذى ليس إلا ولقمع كثير من الرجال عن ظلم زوجاتهم بغير حق، فكثير كثير من الحالات التي نسمع عنها من النساء اللواتي قتلن وشوهن وبقي لديهن عاهات مستديمة من ضرب أزواجهن لهن لأنهن لم يستطعن الدفاع عن أنفسهن بسبب جبروت الرجل وظلمه وحتى أن معظمهن بقين متحملات الظلم لأجل اولادهن أو بسبب الظروف المحيطة بهن.

وهنا نرى أنه حتى لو أصدرت مئات الفتاوى لقمع الرجل الذي يظلم زوجته فإنها لا تفيد بل تجعله متمرداً وظالماً أكثر لأن الرواسب والتقاليد الراسخة في فكره والمتناقلة عبر أجداده لا تمحيها أي فتوى من أي رجل دين لأن الرجل الظالم يتحرك هنا من خلال غرائزه الحيوانية التي تنطلق أولاً من منطلق العنف القسري الذي كان يمارسه أجداده على المرأة من الآف السنين..

وكذلك بالنسبة للمرأة المسلمة فإن طبيعة تكوينها تجعل منها إنسانة تعيش الفكر والعاطفة والإلتزام وتشعرها بأن عليها أن تقوم بالمسوؤلية الملقاة على عاتقها بأن تكسب محبة ورضا زوجها لتحقق رضا الله سبحانه وتعالى وتكون رسالتها رسالة الإنسانة المؤمنة التي تتناول فيها أحسن الوسائل الأخلاقية والمعاملة الرقيقة والأسلوب الحسن والمحبب لتحل الطمأنينة والراحة داخل الحياة الزوجية..

حنان سحمراني
[email protected]
http://hananhanan.maktoobblog.com/