باعتباري أستاذة القانون الجنائي في جامعة بغداد سابقا وعضوة في لجان تشريعية عديدة أتقدم بهذا التحليل القانوني لواقعة ضرب الرئيس الأمريكي بوش بالأحذية من قبل المتهم الشاب الغيور منتظر الزيدي : حسب ما ورد في وسائل الإعلام ndash;أحيل المتهم منتظر الزيدي بموجب المادة (223) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 والتي تنص على ما يلي:
quot;-1-يعاقب بالإعدام من قتل رئيس الجمهورية عمدا.
-2-يعاقب بالسجن المؤقت كل من اعتدى على رئيس الجمهورية اعتداء لا يبلغ درجة القتل أو الشروع فيه.
-3- ويعاقب بالعقوبات ذاتها حسب الأحوال إذا وقعت الجريمة على رئيس دولة أجنبية أثناء وجوده في العراق في زيارة رسمية quot;

إن نص المادة المذكورة لا ينطبق على الواقعة لسبب بسيط هو أن الرئيس الأمريكي بوش لم يكن في زيارة رسمية للعراق بل وكما صرح هو أمام وسائل الإعلام انه لم يكن في زيارة رسمية بل في زيارة مفاجئة لم يخطط لها ليؤكد بأن الأمن قد استتب في العراق الذي أرسى هو أسس الديمقراطية فيه. فهو لم يتلق دعوة من الحكومة العراقية كما لم يتقدم بطلب زيارة للعراق ولم يهيئ لها.وبالتالي فنص المادة 223 لا ينطبق لاشتراطه في الفقرة الثالثة أن يقع الاعتداء على رئيس دولة أجنبية أثناء وجوده في العراق في زيارة رسمية.
المادة الأقرب للتطبيق هي المادة (227) والتي تنص على ما يلي: quot; يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار كل من أهان بإحدى طرق العلانية دولة أجنبية أو منظمة دولية لها مقر في العراق أو أهان رئيسها أو ممثلها لدى العراق أو أهان علمها أو شعارها الوطني متى كانا مستعملين على وجه لا يخالف قوانين العراق. ولا تقام الدعوى عن هذه الجريمة إلا بناء على إذن تحريري من وزير العدل quot;

هنا نجد بأن المتهم منتظر قد رمى حذاءه على المجني عليه بوش علنا أمام الملأ وتلفظ بكلمات معينة. الركن المادي لجريمة الإهانة متوفر وهو الرشق بالحذاء والسب ومحل الجريمة متحقق رئيس دولة أجنبية أما الركن المعنوي فلم يتحقق لأن من واقع ما شاهدناه أن إرادة الفاعل لم تنصرف إلى إهانة رئيس الدولة الأجنبية بل انصرفت إرادته إلى استرداد كرامة شعب دمره هذا الطاغية بحربه الظالمة التي شنها على العراق دون موافقة مجلس الأمن في حينها وبناء على أسباب غير حقيقية باعتراف حكومته. رشقه بالحذاء لا لإهانته بل تعبيرا عن رفضه ورفض كل العراقيين للوجود الأمريكي ولكل قوى الاحتلال في العراق.
لذا فأن ما قام به لا يعتبر جريمة بل هو تعبير عن موقف وهو يماثل الرشق بالبيض وبالطماطم الذي تقوم به جهات الرفض في كل العالم حتى لو وافقنا جدلا بان المراد من الفعل الإهانة ليس إلا فان هذه الإهانة قد وجهت إلى رئيس الدولة الأجنبية بوش نتيجة استفزازه للمتهم ولكل الشعب العراقي باستخفافه بمعاناة العراقيين وتبجحه بأنه قد حرر العراق وأرسى الديمقراطية وحقق الأمن والسلم في أنحاء العراق هذا الاستفزاز من المجني عليه بوش المتمثل باستخفافه بالعراق كدولة وبالعراق كشعب وبكل القيم والمثل وبحقوق الإنسان استفز شاب في مقتبل عمره يعايش يوميا الحقيقة التي زورها هذا الرئيس الأجنبي بادعائه بالمكاسب التي حققها يعايش هذا الشاب يوميا القتل والدمار واليتم والترمل والعوق يعايش التخريب والذل والهوان يعايش جبروت القوات المحتلة يعايش حقيقة عراق قوي قادر تحول إلى أشلاء فهل هناك استفزاز أقوى واشد من ذلك ؟؟ والاستفزاز عذر من الأعذار العامة المعفية أو المخففة للعقوبة حسب الأحوال.
لذا فإعفاء منتظر الزيدي من العقوبة هو قرار قضائي صائب لا غبار عليه (1) إن اتخذته المحكمة إضافة إلى انه قرار سياسي يرتجيه كل عراقي شريف. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إن الإحالة إلى القضاء بموجب هذه المادة تتطلب إذن تحريري من وزير العدل وعليه لوزير العدل أن لا يأذن بإحالة منتظر إلى القضاء استجابة لرأي الجماهير العراقية والعربية لاسيما وان اليوم التالي للواقعة شهد اعتداء دمويا من قوات ذات الاحتلال (قوات ذات الرئيس ) على حراس أبرياء يعملون في مؤسسة عراقية رسمية (وزارة التجارة العراقية ) أودى بحياتهم.

إن الإهانة الحقيقية التي وجهت في موقع الحادث كانت إهانة دولة القانون بضرب منتظر وركله وجز شعر رأسه أمام دولة رئيس الوزراء حامي دولة القانون وحقوق الإنسان إن الاعتداء الذي وقع على منتظر الزيدي المتهم في قضية إهانة رئيس دولة أجنبية يشكل جريمة إيذاء تامة بكل أركانها الشرعي والمادي والمعنوي ومحل الجريمة (2) كما أن ما يتعرض له من تعذيب أثناء التحقيق هو جريمة تعذيب نص عليها قانون العقوبات العراقي وقانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي (3) وهذا واضح من رسالة منتظر إلى أخيه والتي ورد فيها ما يلي: quot; لو أخرجوني من المعتقل وأدخلوني مؤتمرا يرأسه بوش فسأتعذب كما أعذب الآن. quot; وكما أفاد به المحقق أمام وسائل الإعلام بوجود آثار ضرب على وجه منتظر واضحة إلا انه بصحة جيدة حسب قوله.
إن التغاضي عن هذه الجرائم التي تقع على متهم والمتهم بريء حتى تثبت إدانته وحتى إن ثبتت إدانته لا يجوز ضربه أو تعذيبه في دولة تعتبر نفسها دولة قانون مسألة فيها نظر حيث تعكس حقيقة شعب يعاني من انعدام الأمن ومن اللاحرية واللاديمقراطية واللاكرامة واللاقانون.

(1) نص المادة(128) الخاصة بالأعذار المخففة والمعفية (( المادة ـ128ـ 1ـ الأعذار إما أن تكون معفية من العقوبة أو مخففة لها ولا عذر إلا في الأحوال التي يعينها القانون, وفيما عدا هذه الأحوال يعتبر عذرا مخفف ارتكاب الجريمة لبواعث شريفة أو بناء على استفزاز خطير من المجني عليه بغير حق.2ـ يجب على المحكمة أن تبين في أسباب حكمها العذر المعفي من العقوبة ))
(2) المادة ـ 415ـ كل من وقع منه اعتداء أو إيذاء خفيف لم يترك أثرا بجسم المجني عليه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة اشهر وبغرامة لا تزيد على ثلاثين دينار ا أو بإحدى هاتين العقوبتين ))
(3) تنص المادة (333) على أن ((يعاقب بالسجن أو الحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو للإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها أو لكتمان أمر من الأمور أو لإعطاء رأي معين بشأنها.
ويكون بحكم التعذيب استعمال القوة أو التهديد ))

الدكتورة واثبة داود السعدي