في مقالين متتاليين نشرتهما ( إيلاف ) في 17 ndash; 12 و 19 ndash; 12 -2000 للدكتور طارق علي الصالح ( رأي قانوني حول فعل الصحفي منتظر الزيدي ) و ( إيضاح للرأي القانوني حول فعل الصحفي منتظر الزيدي )، والإيضاح لايقدم كلمة قانونية زائدة عن الرأي، يجزم الدكتور ndash; وهو خبير في القانون الجنائي ورئيس جمعية الحقوقيين العراقيين في بريطانيا ndash; كقاعدة في القانون الجنائي، إن أساس المسؤولية الجنائية لأي فعل هو تحقق القصد الجنائي، أي النية الحقيقية للفاعل من فعله، وبخصوص فعل السيد منتظر الزيدي، هل كان في نيته القتل أو الإهانة، من الواضح وإتفاق الجميع إن الحذاء ليس أداة للقتل ) ويستطرد إن أهم ركن من أركان المادة 223 من القانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، لاتنطبق على فعل منتظر الزيدي، وهو عدم توفر القصد الجنائي الذي هو أساس المسؤولية الجنائية لقتل السيد بوش أو لإحداث عاهة مستديمة ) ثم يردف الدكتور إن بوش قد إنتهت ولايته كرئيس لأمريكا منذ 4 ndash; 11 ndash; 2008 بفوز أوباما الذي أصبح رئيساً منتخباً شرعياً لأمريكا منذ ذلك اليوم. وإذا علمنا بعدم إمكانية وجود رئيسين لدولة واحدة في آن واحد، فإن الرئيس المنتخب الجديد هو الرئيس الشرعي ( أوباما ) الذي بمكن التعامل معه قانونياً على جميع الأصعدة ) ويسترسل إن زيارة السيد يوش للعراق كانت بصفته الشخصية وليست زيارة رسمية وذلك لإن السلطة في العراق لم توجه الدعوة للسيد بوش لزيارة العراق، ويأتي عادة المسؤولون الأمريكيون والبريطانيون بشكل مفاجىء، ودون أستئذان من أتباعهم في المنطقة الخضراء لدى زيارتهم العراق ) ثم يلتمس التكييف القانوني في المواد 223 ndash; و- 227 ndash; و ndash; 415 ndash; و ndash; 413 ndash; من قانون العقوبات العراقي، ويؤكد إنه شخصياً يرى إن المادة 415 هي أكثر أنطباقاً على فعل السيد الزيدي التي تنص ( كل من وقع منه إعتداء أو إيذاء خفيف لم يترك أثراً بجسم المجنى عليه يعاقب بالحبس لمدة لاتزيد عن ثلاثة أشهر وبغرامة مالية، أو بإحدى هاتين العقوبتين..). بقي أن نشير كيلا نغمط عليه حقه، إن المجنى عليه ( بوش ) لم يحرك الدعوى ضد الجاني ).. هذه هي يصورة ماكروسكوبية وبتعبيره الخاص محور المقالين، وقبل أن تتهافت المسألتان الجوهريتان ( القصد الجنائي، رسمية الزيارة ) في المقالين، لامحيد من تقويم الفعل الإجرامي على ضوء عدة مسائل باتت متأصلة في جوهر قانون العقوبات. المسألة الأولى : الأركان العامة للفعل الجرمي. يعتقد قسم من فقهاء القانون الجنائي إن الفعل الجرمي يستملك أربعة أركان، الركن القانوني، الركن المادي، الركن المعنوي، ركن البغي. الركن القانوني وهو إن ينص المشرع على الفعل الجرمي في قانون العقوبات ويحدد عقوبته، ومالايجرمه النص لايؤدي إلى عقوبة، إلا اللهم أن يستخدم القاضي سلطته التقديرية في حالات أستثنائية وفي حدود ذهنية المشرع. الركن المادي وهو الواقعة الجرمية و السلوك المادي للفعل الجرمي. الركن المعنوي وهو القصد الجرمي وتوجه النية والإرادة إلى تنفيذ الفعل الجرمي. ركن البغي وهو ألا يخضع الفعل الجرمي لأسباب التبرير والإباحة، مثل أستعمال الحق والدفاع عن الذات وتأدية الواجب. ونحن من جانبنا لانعتبر المفهوم الأول والرابع من أركان الجريمة لأننا نمايز ما بين ( الحدث ) و ( التنظير القانوني لرؤية الحدث ) ولإن الركن هو ما ( داخلي ) للواقعة وليس هو ما تكييفي لها. وعلى العكس إننا نضيف ركناً آخراً على الركن الثاني والثالث، ذلك الركن الذي يعتبره الفقهاء من الأركان الخاصة للفعل الجرمي، ونحن نعتبره من الأركان العامة وهو ( محل الفعل الجرمي )، الذي لم يدرك الفقهاء سوى مفهومه الظاهري، فأختلاف محل الأفعال الجرمية من وافعة إلى أخرى ( محل جريمة السرقة ليس مثل محل جريمة القتل ) لايغير من الرؤية القانونية لمفهوم محل الجريمة، لأنه المحصلة النهائية للركن المادي وللركن المعنوي. المسألة الثانية : ذهنية المشرع. لقد غدا واضحاً لدى الفقهاء إن حكم القاضي ينبغي أن يزاوج ما بين مواد قانون العقوبات وذهنية المشرع التي أستنت تلك المواد، فأي تطبيق جاف لتلك المواد معناه إنتفاء فلسفة القانون التي منها أنبجست، والقضاء على جوهر فقه القانون الجنائي. وبما أننا نرى إن ذهنية المشرع العراقي مبعثرة، وأنغمست في حال أستثنائية قهرية، فإن القاضي مضطر إلى تغليب محتوى ( المادة ) على مفهوم ( الذهنية )، والإلتزام بالتكييف القانوني لكل مادة. المسألة الثالثة : حرية التعبير. لكن قبل التكييف القانوني ينبغي على القاضي أن يبت في مسألة تمهيدية وهي فيما إذا تشمل حرية التعبير (فعل هذا الصحفي) أم العكس، فإذا وصف القاضي هذا ( الفعل ) ضمن حرية التعبير، فلاجريمة جنائية، وإذا أدرجه خارج نطاقها، أستوجب عليه التكييف القانوني... والآن بعد أن أتضحت خصوصية هذه القضية، لامناص من العودة إلى المحورين الأساسيين في طرح الدكتور طارق علي الصالح. المحور الأول : يزعم الدكتور إن زيارة الرئيس الأمريكي للعراق هي بصفة شخصية ليس إلا، وذلك لإن أوباما قد غدا رئيساً للولايات منذ أنتخابه في 4 ndash; 11 ndash; 2008، ولإن الحكومة العراقية لم توجه له دعوة رسمية في هذا الخصوص. في الواقع إن هذا الطرح لايصمد أمام النقد، فمن المؤكد إن ولاية الرئيس ndash; حسب الدستور الأمريكي ndash; تمتد لفترة أربعة سنين، تبدأ من 20 ndash; 1 ndash; وتنتهي في نفس التاريخ بعد أربعة أعوام، خلال هذه المدة يكون هو الرئيس بلا قيد أم شرط. أما الشخص المنتخب في 4 ndash; 11 ndash; 2008 ( أوباما في هذه الحال ) فلا يصبح رئيس الولايات المتحدة ولا يستلم صلاحيات الرئاسة إلا في 20 ndash; 1- 2009 بعد آداء اليمين القانونية حصراً. ونعتقد هذه هي الإشكالية لدى الدكتور طارق علي الصالح حيث لم يتم التمايز ما بين مسألة الأنتخابات كمفهوم قانوني مستقل عن مسألة الرئاسة التي لاتنتقل إلى الحيز الفعلي إلا بعد آداء اليمين القانونية وإنتهاء الفترة الرئاسية السابقة، أي في 20 ndash; 1 -. لذلك فإن الرئيس جورج بوش الأبن هو الذي وقع على الأتفاقية الأمريكية ndash; العراقية، فلو كانت زيارته غير رسمية، ومجيئه إلى العراق بصفته الشخصية كأي مواطن أمريكي، فكيف يوقع على الأتفاقية!! ثم الأغرب في كلام الدكتور هوحديثه عن الجانب الشكلي للزيارة ويتناسى إن مفهوم المفاجأة هنا هو للضرورة الأمنية ولعامة الناس، فالدعوة تتم طبقاً للتدابير الأحترازية وعن طريق قنوات سرية، فالزيارة لاتفاجىء المسؤوليين العراقيين لإنهم على علم مسبق بمجريات الأمور التي تتم وفقاً للطرق الدبلوماسية المعهودة ما بين البلدين. المحور الثاني : القصد الجنائي. كي لانربك القاريء المحترم بالتعابير القانونية، سأطرح المشكلة على صيغة أسئلة، وفي الإجابة عليها يمكننا إدراك وجود القصد الجنائي من عدمه، هل توجهت إرادة الصحفي إلى تنفيذ هذا ( الفعل )؟ هل ( تصرف ) الصحفي ضد سياسة يوش وضد السياسة الأمريكية؟ هل كان ( فعله ) نتيجة آنية ومباشرة وردة فعل طبيعية لما بدر من الرئيس بوش تجاهه شخصياً تحديداً؟ لكي ينتفي القصد الجنائي لابد من التأكيد إن إرادة الصحفي لم تتوجه إلى تنفيذ هذا ( التصرف )، وإنه، أي هذا التصرف، لم يكن ضد سياسة بوش ولاضد السياسة الأمريكية، وأنما كان نتيجة ذهنية فورية لإن الرئيس بوش قد أستفزه شخصياً ومباشرة. ولكن نحن نعلم علم اليقين من خلال دراسة الواقعة المرتكبة بالجرم المشهود ومن خلال حيثياتها المرئية، إن هذا الصحفي لم يكن يملك سوى هذا الحذاء نتيجة التفتيش الدقيق السابق، وإنه لو تملك غير هذه الأداة لما ضن بها، وإن الرئيس الأمريكي لم يستفزه بشيء ما عدا الحديث العام عن الديمقراطية وعن الوضع العراقي والأتفاقية الأمنية، ذلك الحديث المتردد يوماً مئات بل آلاف المرات، وإن هذا الصحفي قد أستخدم كلا نعليه، واحداً وراء الآخر، شاتماً وساباً. فهل بعد هذا أصدق من وجود هذا ( القصد الجنائي ) المتعمد المبيت. أما أن يبرر الدكتور أنتفاء القصد الجنائي فقط على كون الحذاء ليس أداة قاتلة، فهذه حجة مردودة، لعدة أسباب، لعنصر المباغتة القصوى التي قد تؤدي إلى عواقب وخيمة خاصة وإن المرء يتوقع كل الأحتمالات في تلك الحالة، للحساسية القصوى التي يتمتع بها أعضاء الوجه ( الدماغ، العيون، الأنف، السمع، الأسنان، القيمة الجمالية )، للقوة الكبيرة التي قد تتوفر في عملية القذف ولاسيما إذا كان الحذاء صلباً وفي نعله قطعة من الحديد، كما هي العادة في منطقتنا. وعلى العموم هذه المسألة وغيرها خاضعة لتقدير حضرة القاضي ولتكييفه في أختيار المادة القانونية المناسبة، ولسلطته التقديرية في أختيار الحد الأدنى أم الحد الأقصى للعقوبة.

هيبت بافي حلبجة