يبدو ان حزب العدالة و التنمية الترکي مستمر في صراعه المرير مع العسکر الترکيquot;المحافظquot;على تراث باني ترکيا الحديثة مصطفى کمال أتاتورك، وتشير التکهنات و التحليلات المتباينة بهذا الخصوص، ان هذا الحزب بفضل سياستهquot;الاحتوائيةquot;التي تحاول جمع الکرات العلمانية و الاسلامية في سلة واحدة، قد تمکن من کسب نقاط ثمينة من الجنرالات المتربصين به سوءا، إلا ان واقع الامر يدل على ان بضعة نقاطquot;مع أهميتها الآنية و المستقبلية الى حد ماquot;ليست کافية لحسم الامر. و يستدل من الرهان المستميت الذي يقوم به قادة الحزب على الولايات المتحدة الامريکية و اسرائيل، انهم ماضون قدما في هذا السياق متوسمين أن يقلموا أظافر العسکر و يعيدونه الى ثکناته التي أخرجه منها أتاتورك.


ويبدو جليا ان الحزب و قادته الکبار قد صمموا على أن يذبحواquot;عجلاquot;و يقدمونه قربانا لضريح أتاتورك على أمل ان يصبحون همquot;حفظةquot;وquot;رعاةquot;التراث الاتاتورکي و يزيحون العسکر من المعبد الاتاتورکي وبشکل نهائي. ولعل الصيغة التي أتبعتها الحکومة الترکية الخاضعة لمشيئة هذا الحزب في معالجتها للملف الکوردي الذي تحاول قسرا حشره ضمن إطار حزبي، يدل بوضوح ان حزب العدالة و التنمية قد حددquot;العجل الکورديquot;قربانا لکي يقدمه لذلك الضريح، غير أن المشکلة تکمن في انquot;سکينةquot;الجزار الترکي ليست مشحوذة بما فيه الکفاية لذبح ذلك العجل و لذلك ولى السيد رجب طيب أردوغان وجهه صوب واشنطن و تل أبيب لکي يستعين بسکاکين جزاريها خصوصا وإن هاتين العاصمتين قد کان لهماlrm;quot;باعاquot;في مساعدةquot;الميتquot;الترکي لکي يلقي القبض على زعيم حزب العمال السيد عبدالله اوجلان، ولذلك فقد طفقت هاتان العاصمتان تتسابقان في تقديم quot;النصحquot; وquot;الاستشاراتquot; و quot;المساعداتquot;للحکومة الترکية کي تنجح في نهاية المطاف من إنجاز مهمتها في ذبح العجل الکوردي ببرکةquot;زعيمة العالم الحرquot; وquot;واحة الديمقراطية في الشرق الاوسطquot;!


واذا ماکانت أمريکا في خضم تشابك أجندتها و زحمة مشاکلها و أزماتها المتباينة مظطرة و على مضض لتقبلquot;الدلالquot;الترکي، فإن الموقف الاسرائيلي لا يبدو بذلك الوضع المعقد و الشائك بل و ان اسرائيل المشهورة بذکائها الخارق فيquot;المراوغةquot;السياسية کانت تتمکن و بسهولة من التغلب على إنفعالية و تسرع الساسة الترك والانفلات من مطاليبهم، لکنها و للأسف ليس لم تقم بذلك و إنما قطعت خطوات تبدو بعضا منها أکبر من تلك التي کانت الحکومة الترکية نفسها تتوقعها في مضمار تقديم الدعم لها في ما يسمى بمحاربةquot;الارهابquot;الذي تدرك تل أبيب جيدا أن هذه الصفة أبعد ماتکون عن أحفاد صلاح الدين الذين يترفعون عن اللجوء الى أساليب و طرق المنظمات و العصابات الارهابية التي ذبحت و تذبح الابرياء من الناس في سبيل الوصول الى أهدافquot;معينةquot;.


وإذا ماکانت الکاتبة السورية المثيرة للجدلquot;وفاء سلطانquot;قد ذکرت ان اسرائيل بمثابة حامية و راعيةquot;الاقليات القومية و العرقيةquot;في الشرق الاوسط، فإن تل أبيب التي حرصت طوال الحقب المنصرمة أن تتخذ موقفا يتميز بالخصوصية و التکتم بهذا الخصوص، فإن حکومة السيد اولمرت قد تجاوزت و کسرت هذه الخصوصية و التکتم و صارت عونا لدولة تشهد کافة دول المنطقة و التأريخ المعاصر نفسه بحقدها الدفين على کل ماهو کوردي وهي بذلك تسجل أکثر من علامة استفهام کبيرة على موقفها هذا و تدفع الکورد الذين يعتبرون في نظر العديد من الاوساط بمثابةquot;يد اسرائيلquot;في دول المنطقة، الى إتخاذ موقف مغاير تماما للذي يکنونه حاليا حيال دولة اسرائيل و قطعا ان لترکيا اجندتها الخاصة التي تتقاطع في خطها العام مع الاجندة الاسرائيلية و ان السنوات القادمة ستشهد حالةquot;إنقلابquot;غير عادية على الساحة الترکية لن تکون أبدا في مصلحة اسرائيل و ان ماتقوم به حکومة العدالة و التنمية في مجال تهيأة الارضية لأسلمة النظام السياسي ـ الاجتماعي في ترکيا هو أمر سوف يکون له تداعياته السلبية على اسرائيل قبل الولايات المتحدة الامريکية و يومها، سوف تجد اسرائيل نفسها بحاجة الى أصدقاء و حلفاء في المنطقة وليس ببعيد أبدا أن يکون الشعب الکوردي من أشد الناقمين على الدولة العبرية والمتعاطفين مع دعوات معاداتها، والسؤال الاهم هو: هل نفضت تل أبيب يدها تماما من القضية الکوردية و إرتضت بالرقص في دائرة الموت الاتاتورکية؟

نزار جاف
[email protected]