هناك مهووسون بكرة القدم أوالشطرنج أو الرقص. ولكن هناك أيضاً مهووسون بالقضية. أية قضية؟ لايهم.المهم أن تكون هناك قضية ينذرون أنفسهم لها. لايهدأ بالهم مالم تكن ثمة قضية تشغلهم. وظيفتهم الكبرى هي السهر على هذه القضية ورفع لوائها على طول الخط. بالنسبة لهم لامعنى للحياة من دون قضية. ولامعنى للقضية مالم تكن بين أيديهم. إنهم، هم، الساهرون على القضية ولقد قرروا أن يحملوا شعلتها التي ستنير طريق الخلاص. الخلاص من ماذا؟ لايهم.


لايجد هؤلاء حاجة إلى تبرير وظيفتهم. من طلب منهم حمل القضية على أكتافهم ومن اختارهم ليكونوا حماتها وإلى أي حد يخدم عملهم القضية التي يزعمون أنهم يعملون من أجلها ولماذا يشكلون، هم من دون العالمين، الطليعة المدافعة عن القضية التي لايأتيها الخطأ من أي صوب؟


إذا قيل لهم ما النفع في ما تفعلون ردوا ساخطين: إننا نناضل ونتعب من أجل القضية ويأتي من ينتقدنا. هم ينهرون المنتقدين أياً كانوا وإذا ما تجرأ فرد وتمادى في نقدهم يهب واحدهم ويقرر أن هذا الذي ينتقد لايفعل ذلك إلا لأنه باع نفسه للأعداء وهو يتلقى منهم الأموال والتعليمات. ثم ينفجر بخطاب حماسي عن الطابور الخامس والسادس ويهدد ويتوعد. يتحدث عن نضال الخنادق ونضال الفنادق، عن الوطنيين والعملاء، عن المخلصين وغير المخلصين. يشعر المنتقد بالذعر ويركبه إحساس من ارتكب جريمة.
يتم إلغاء الفاصل بين الواقع والخطاب. ما يقوله حارس القضية هو الحقيقة وعلى الجميع قبول ذلك كإحدى المسلمات في هذه الحياة. يجري خلق مناخ شعائري يتحول فيه العقل إلى عبء. لامكان هنا للوقائع. لامكان للتشكيك. لامكان لتفاصيل العيش اليومي. لاصوت يعلو فوق صوت القضية.


ينبغي أن تبقى القضية وهاجة لاتنطفأ. وهي، لهذا، بحاجة إلى قرابين. لابد من تهييج الناس ورميهم في أتون القضية في كل لحظة.
من أجل أن تبقى القضية حية لامناص من الذهاب إلى الموت. يتم اختراع المعارك وفبركة الصراعات من أجل أن تبقى شعلة القضية مضيئة. إذا انطفأت نارالقضية ضاعت الأمة واضمحل الشعب. فليمت الناس كي تستمر القضية.


أن يموت الناس وتتحطم أسباب عيشهم وتنهار أعمالهم وتضمحل سبل رفاهم، هذا أمر بسيط مقارنة بضخامة القضية. القضية أكبر وأهم من الناس. وظيفة الناس هي أن يكونوا في خدمة القضية.


يؤسس حراس القضية حزباً بدعوى خدمة الشعب فينتهي الأمر بالمقلوب. يصبح الشعب خدماً للحزب. ثم يتلخص كل شيء وكل شخص في شخص زعيم الحزب الذي يغدو هو الشعب.


تتغير الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية، تتبدل الشعارات القريبة والبعيدة، ولكن يبقى هدف واحد لايتبدل : بقاء الزعيم. تتحول أشياء من قبيل الوطن والأرض والتحرير والشعب والأمة إلى ملحقات بشخص الزعيم ويبقى الشعار الوحيد المرفوع أبداً هو بقاءه. لقد أصبح هو القضية.

نزار آغري