قبل أيام كتبت مقال السفارة العراقية في أستراليا بين الالتزامات الأخلاقية و الإمكانيات المادية وقد نشر في موقع ايلاف ،عبرت من خلالها عن وجهة نظري حول بعض المواضيع والأمور المتعلقة بشأن أبناء الجالية العراقية خارج العراق وحقوقهم ومسؤولية الحكومة العراقية تجاه أبنائها في المغترب و قد أثار المقال ردود أفعال متباينة و مختلفة لدى القراء إضافة إلى عدد من سفراء العراق في العواصم العالمية ، فمنهم من أيد المقال ومنهم من قابله بالرفض ومنهم من استهجنه ومنهم من انتقد الحكومة واتهم الخارجية بضعف الأداء ومنهم من قدم بعض المقترحات و أرى من الضروري بأن انقل وجهة نظر أحد السفراء حيث كتب قائلاً:
((نحن سفراء العراق ليس لدينا قواعد ثابتة للعمل الدبلوماسي ونحن نعاني من أمرين بعد سقوط النظام أولها ضعف الخطاب السياسي وعدم وجود آلية موحدة للعمل لإحراز أهداف محددة من قبل الخارجية وصناع القرار في الحكومة العراقية ، وهذا ينعكس سلبياً على الأداء الدبلوماسي العراقي في الخارج، كما أن بقاء الدبلوماسية العراقية بشكلها والياتها التقليدية مثلما كانت قبل سقوط النظام وانعكاس ضعف أداء الحكومة العراقية لدى المجتمع الدولي بسبب الاحتلال و الفساد والإرهاب و التشتت الداخلي و الحرب الطائفية وتأثيرات دول الجوار وسياساتها واجندتها على الساحة العراقية والتي خلقت حالة من الفوضى العامة في كافة مؤسسات الدولة ومن ضمنها الخارجية العراقية والذي أدى الى التمثيل الضعيف على المستوى الدولي و الإقليمي.
والسبب الثاني لضعف الأداء الدبلوماسي هو ما قامت به الكتل السياسية العراقية بعد سقوط النظام من التدخل في تعيين السفراء على أسس المحاصصة الطائفية والتي أثرت سلبيا على العمل الدبلوماسي، لذا فمن الطبيعي ان ترى سفراء العراق يختلفون تماما في أدائهم الوظيفي، فكل سفير عراقي تم تعينه من قبل أحد الأحزاب، لذا فمن طبيعة الحال أن نلاحظ أكثرية السفراء يمثلون أحزابهم والجهات التي ينتمون إليها اكثر مما يمثلون العراق وهذا الأمر ليس بجديد ، ومثالا على ذلك السفراء الذين تم تعيينهم من قبل الدكتور أياد علاوي لا يزالون يمارسون نشاطهم ويدعمون علاوي وحركة الوفاق و اجندتها ، وكذلك هو الحال مع السفراء الذين تم تعيينهم من قبل التحالف الكردستاني ،أو الذين ينتمون إلى الائتلاف العراقي ، ومن أهم واخطر أسباب الضعف الدبلوماسي العراقي هو وجود عدد من السفراء يجهلون تماما العمل الدبلوماسي وليست لهم أي كفاءات علمية أو عملية في هذا المجال ، إضافة إلى إبقاء بعض الدبلوماسيين البعثيين القدامى في البعثات الدبلوماسية العراقية والذين خلقوا حالة من التفاوت والنقيض...!!)).
رغم إنني لم اكن أود الدخول في سياق هذه المقالة حول تعريف العمل الدبلوماسي و الأداء الدبلوماسي أو أسباب ضعفها أو أساليب تطويرها بل كان هدفي الأساسي هو شؤون الجاليات العراقية خارج العراق و ما يترتب على السفارة والحكومة العراقية تجاه أبنائها من واجبات وما يترتب على السفير العراقي من واجبات تجاه أبناء الوطن، إلا أني وجدت من الضروري كتابة هذه الأسطر لعلني أكون موفقا في توضيح بعض الأمور التي تخص الجالية العراقية في المغترب بشكل عام والجالية العراقية في أستراليا بشكل خاص..
الدبلوماسية هي فن إدارة العلاقات الدولية أو هي فن التمثيل والتفاوض والحوار والصداقة ورعاية الجالية الخ...
ومهمة السفير تقتصر على أربع واجبات رئيسية وهي : التمثيل ، التفاوض، الحوار والمعلومات ورعاية الجالية.
( رعاية الجالية) في نظري هو أعسر المهام الأربع وهذا هو صلب موضوعنا لأنه يعتمد في جزء كبير منه على إمكانيات السفير وشخصيته ومدى ثقافته و ولائه للوطن وفهمه خصوصيات و حقوق أبناء الجالية في سبيل الحفاظ على روح الوطنية و أواصر العلاقة والولاء بينهم وهذا العمل يتطلب من شخصية السفير إضافة إلى الكارزيما واللباقة يجب أن يتحلى برزانة و وعي و ثقافة ومعرفة في شؤون الجالية وهذه صنعة تصقلها الخبرة وتراكم التجربة، إضافة إلى الموهبة في امتلاك ناصية البيان والحديث واللغة والتفكير والشفافية من اجل الوصول إلى المبتغى بعيدا عن التحيز لطرف على حساب طرف آخر ومساندة فئة دون أخرى من خلال حياكة مؤامرات شبيه بـ(لعب الأطفال) من اجل مصالح شخصية أو فئوية والتي تؤدي غالبا إلى خلق حالة من التشتت و التباغض والتنافر والخصام والضعف كما حصل بين أبناء الجالية العراقية في استراليا.
إن السفير الذي يفشل في الحفاظ على وحدة ومساندة أبناء جاليته لا يستحق إطلاقا أن يمثل بلداً كاملا بثقافته وتاريخه ونظامه حيث إن فن الدبلوماسية ومن أولوياتها هي (الصداقة وحسن العلاقة) والشخص الذي يفشل في الحفاظ على هذا الأساس بين أبناء وطنه كيف له أن ينجح مع الآخرين من قوميات غير عراقية مختلفة؟
يجب على الدبلوماسي ومن خلال إمكانياته و تجربته الثرّة في العمل الدبلوماسي أن يكون بمثابة الأب في المساواة بين أبنائه وان يكون ذو رجاحة في العقل والقرارات لكسب محبة أبناء بلده قبل كل شي حتى المعارضين للنظام الذي يمثله السفير فمن واجبه الديمقراطي أن يوفر لهم حيزاً من الحرية و يجب أن يتمتعوا بالاحترام والمساواة لانهم اولاً واخير أبناء الوطن ولهم نفس الحقوق التي يتمتع بها السفير أو المؤيد لحكومته أو حزبه عدا ً طبعا ً (الإرهابيين من أعداء العراق والإنسانية ).
إن شجن وحنين وميول بعض الدبلوماسيين العراقيين الحاليين في العديد من العواصم هي لأحزاب وشخصيات وليس للوطن وذلك على أسس مصالح شخصية متبادلة قامت في ظروف استثنائية ، ونتيجة لسياسة خاطئة من قبل الحكومات العراقية و التي أعتمد في تعيين سفرائها على أسس المحاصصة الطائفية منذ أيام الحاكم المدني بول بريمر حتى يومنا هذا و نأمل أن لا يستمر طويلا ً.
السفير الذي يمثل دولة في الساحة الدولية يجب أن يكون من ضمن صفوة الرجال المختارين لكي ينجح في عمله كسفير و العمل في ضوء العلانية ومتابعة وسائل الإعلام المختلفة والمؤسسات الديمقراطية وما يفرزه الرأي العام، وهذا يتطلب شخصية قوية ويقظة ومثقفة في زمن ثورة الاتصالات والمعلومات وان الاتجاه الانعزالي والهروب و التستر خلف أحزاب وشخصيات ضعيفة كانت لها دورا في تعيينه كسفير وهذا يعد من صفات السفير الفاشل.
فالذي يفشل في الدبلوماسية الشعبية لا يستطيع الصمود طويلاً أمام تطورات سياسية في الساحتين الوطنية والدولية ،ومن مظاهر الديمقراطية هو الاهتمام بالرأي العام وقنواته ، حيث ان الفرد الذي هو المكون والمنتج الأول للرأي العام في المجتمع من حقه أن يطالب بالشفافية و النزاهة والحقوق حتى وان كانت الحكومة التي يمثلها السفير تعاني من الفساد إن كان الفرد داخل العراق أم خارجه.
أن ما هو مطلوب من السفراء العراق هو الشفافية والوضوح التام والحفاظ على حقوق المواطنين العراقيين ودراسة أوضاعهم و تكوينهم الاجتماعي و العمل من اجل توحيدهم وتشجيع أواصر المحبة والألفة بينهم و الدفاع عن حقوقهم ومطالبة الجهات الحكومية في بلدان الإقامة والوطن بتلبية احتياجاتهم ودعم أنشطتهم الثقافية والاجتماعية واهم من كل هذا هو المساواة بين أبناء الجالية بكل مكوناتهم واتجاهاتهم وجمعياتهم ومؤسساتهم، باعتبارهم امتداد لمجتمعنا العراقي وجسر ثقافي وحضاري يربط العراق بمختلف بلدان الإقامة وفقا للتطورات الحاصلة في التركيبة الاجتماعية والديمغرافية والمهنيّة للجالية. وهذا اقل ما يمكن للسفير العراقي أن يقدمه لابناء الوطن المغتربين.
لعل أحد أهم واجبات البعثات الديبلوماسية والسفارات والقنصليات و الممثليات هي مهمّة الدفاع عن مصالح أفراد الجالية، وحماية حرمتهم و حرّيتهم وحقوقهم الأساسيّة وعلى الخارجية العراقية والسفراء أن يحرصوا على ذلك و العناية المباشرة بالحالات الفردية، حتى يشعر كل مواطن عراقي أنه دوما عزيزا في ظلّ راية الوطن وتحت رعايته و.يجب أن يكون من أولويات السفراء الاهتمام بما يعزّز روح المواطنة وضمان استمرارية العلاقة بين الوطن والأجيال المتعاقبة المقيمة في الخارج ويستدعي ذلك تعريف شبابنا في المهجر بخلفية ثقافتنا وحضارتنا ودعّم وتأسيس مؤسسات ثقافية واجتماعية وتعليمية مثل المدارس الخاصة بتعليم اللغة العربية والكوردية والآشورية والتركمانية لفائدة أبناء العراقيين بالخارج وتشجيع أولياء أمورهم على تجذير هويتهم العراقية الأصلية إضافة إلى دعم النشاطات الاجتماعية والثقافية لابناء الجالية.
وبما إن الأجيال الناشئة تمثل نسبة هامة من أفراد جاليتنا.فقد خلقت حالة الإهمال و اللامبالاة لدى السفراء الذين انجروا وراء مصالح شخصية ومادية وفئوية حالة خطيرة من ضياع الجيل الجديد في ثقافة بعيدة كل البعد عن ثقافتنا وهذا ما يدعوا الحكومة العراقية و صناع القرار في بغداد خصوصا الخارجية العراقية إلى التدخل السريع ومعالجة هذا الآمر ومراجعة قائمة أعمال السفراء والبعثات الدبلوماسية وسماع آراء أبناء الجالية حول أداء البعثات الدبلوماسية في ما يخص شؤون رعايتهم واخذ آرائهم بعين الاعتبار في سبيل وضع برامج ناجحة و كفيلة بتحقيق التواصل بين العراق وأبنائها على المدى والطويل.
إن تجذير الهوية العراقية لهذه الأجيال يجب أن يكون من الثوابت الرئيسية لدى الحكومة العراقية او من يمثلها في الخارج ، سواء من خلال البرامج الخاصة بهذا الجانب أو من خلال الفضاءات الثقافية والاجتماعية ورصد الإمكانيات المادية و الكوادر في المدن التي تقيم بها أعداد كبيرة من أفراد الجالية.
أن القاعدة الأساسية في حل المشاكل هي الشفافية والوضوح التام في الحوار الوطني.... ولكي يتم وضع النقاط على الأحرف يجب ذكر أوضاع الجالية من كافة النواحي : -1- المعيشية 2- الاجتماعية 3- والعملية 4- والعلمية أعني الكوادر والمتخصصين والمهنيين 5- ومستوياتهم في البيئات التي يتواجدون فيها 6- ومدى انخراطهم في المجتمعات التي يعيشون فيها 7- ومدى تقبل تلك المجتمعات لهم وانخراطهم مع جالياتنا.
وفي الحقيقة.... أوضاعنا لا تسر مطلقاً باستثناء بعض الصفات التي تمتاز بها جاليتنا( الأسترالية ) دون غيرها.... ونحن عندما نقول ذلك نعتصر حسرة وألماً... لأن ذلك هو الواقع والواقع يفرض علينا نفسه..... ولا ينفع الزيف.ولا يتغير وضع جاليتنا ما لم نعرف إلى أي حد آلت إليه أوضاعنا...بسبب جهل بعض السفراء والدبلوماسيين العراقيين في الخارج.
بكل بساطة إن الدبلوماسيين العراقيين والمسؤولين عن رعاية شؤون الجالية هم سبب رئيس في تشتت جاليتنا في الخارج لأن سفاراتنا في الخارج تحولت إلى شركات همها الأكبر المردود المالي وخدمة الأحزاب التي ينتمون إليها و إدارة مصالح أشخاص لهم دور في الساحة السياسية العراقية.
أن السفارة العراقية إذا كانت حقا سفارة تمثل بلداً مثل بلاد الرافدين يجب أن تتضمن ملحقيات تعنى بالشؤون السياسية والثقافية و شؤون رعاية الجالية، و شؤون الاقتصاد والتجارة، وشؤون الإعلام والثقافة، و شؤون الدفاع، و شؤون الإدارة وا لشؤون الاجتماعية. فأين هي تلك الملحقيات في سفارتنا في استراليا !!؟؟.
إن السفارة هي الجهة المخولة في حفظ مكانة الجالية ومكانة المواطن وحماية حقوقه خارج الدولة.... فهل سفاراتنا في الخارج تمارس أدنى واجب منوط بها؟؟؟.
حسين خوشناو
التعليقات