قرأت بإهتمام كبير مقالة الأستاذ جوزيف بشارة في إيلاف يوم 15 أغسطس.. عن تحول الشاب مصعب إبن القيادي الحماسي البارز حسن يوسف بعد ثلاثين عاما من العمر قضاها في بيئة إسلامية بحتة.. وإعتناقه الديانة المسيحية عن اقتناع بتعاليم المحبه التي تتبعها الديانة المسيحية. ومدى اهتمام شركات التلفزة العالمية بالحدث.


ودفعني اهتمامي وفضولي الى البحث في الإنترنت عن كل ما كتب حول الموضوع وخاصة المقابلات التلفزيونيه التي قام بها.. أردت أن أعرف عنه اكثر.. شخصيته.. بحوثه التي قام بها عن الديانات.. قناعاته السياسية.. وفيما إذا كان تحوّله عن الديانه تم في غزة ؟؟
ووجدت الحقائق التاليه.. شاب في الثلاثبن.. أي تخطى مرحلة المراهقة.. بل هو في مرحلة النضوج والمسؤولية التامة عن نفسه.. محب للإطلاع.. عاش في بيئة إسلامية.. محب للاستطلاع والسؤال، والرغبة في اكتشاف تناقضات الدين قولا وفعلا وممارسه فيما حوله مما حفّزه إلى القيام ببعض البحوث في الديانتين. ليجد المحبة أكثر ظهورا في المسيحية عنها في الإسلام.. يدرس في الولايات المتحدة وهذا قد يكون أحد أهم العوامل التي ساعدت على تحرر عقله ليبحث في الموضوع بحرية فكرية أوسع من تلك التي تقيده فيما لو كان في مجتمعه.. ولكن ومما لا شك فيه بأن لدية جرأه نادرة.. أتمنى أن لا تكون سببا في أذيته.. ولكن ومما يلفت النظر.. برغم أنه نشأ في محيط عائلي متشبع بالدين والسياسه.. إلا أن قناعاته السياسية سطحية للغاية.. وترتبط ارتباطا تاما بأفكاره الدينية بدون استقلاليه ولا عمق.. وبمثالية متناهية..


ما أود إضافته إلى ما أورده الكاتب الذي أكن له منتهى الإحترام والإعجاب.. بأن هذا الإهتمام الغربي ليس فقط لتشابك البعد السياسي مع العقائدي.. بقدر ماهو تشجيع ممزوج بالدهشة والإعجاب بإنسان نشأ في بيئة دينيه تعتنق مبدأي الجهاد والشهادة كعقيدة ثابتة.. جرأ على الخروج عن طوق هذه العقيدة مستعملا قراءاته التي دفعته إلى إعادة التفكير بكل ما نشأ علية. بل ولم يكتفي بذلك بل تحدى كل الممنوعات والعقوبات التي سيقابلها حين تجرأ على إعلان تحولة عن ديانة وإعتناق ديانة اخرى.


علي كإنسانة تحترم دينه الجديد والقديم.. والتأكيد على حريته التامة باختيار العقيدة التي يختارها.. والتي يرتاح ضميره للقيام بشعائرها.. ولكن أيضا علي ككاتبه أن أكون موضوعيه وأن أترك لأفكاري العنان في البحث في هذه الغيبيات التي تقف حائلا بيننا كبشر لتعمي القلوب والعقول عن أننا كلنا مخلوقات الله.. أن أبحث بهذه الغيبيات.. مدى صحتها.. هل من الممكن إثباتها علميا.. ولماذا تمتلك هذه السلطة على شل قدرة الإنسان على التفكير المنطقي.


ما أود أن أؤكده للقارىء.. أن أي بحث في هذه الغيبيات لا يجب بأية حال ان يرتبط فقط بالغيبيات والمسلمات الإسلاميه منفردة.. بل يجب بحثها بحرية فكرية مماثله في الغيبيات المرتبطة بالديانة المسيحية أيضا.. وخاصة المسيحية الصهيونية.. تلك التي تعرف بالإفانجلستك.. وهم أيضا فقهاء الدين الذين يعملون على إنهاء كل الديانات الأخرى.. بما فيها الديانه اليهودية أيضا.. ليعم الدين المسيحي العالم كله بعد عودة المسيح المنتظر الذي سيجلب الخير للبشرية كلها..


كل من هذه الأيديولوجيات تترعرع على فكرة القضاء على الأخرى.. وعلى من يعتنق الأخرى.. العنف المستشري في العالم اليوم بحاجة إلى ترابط جهود الجميع وجرأة البعض بدون حدود لإخضاع كل غيبيات الديانات الثلاثة للبحث العلمي والموضوعي.. للإثبات للشعوب كلها فيما إذا كانت هذه الأيدلوجيات تخدم مصالح الشعوب في عصر إاتهت فيه الحدود وأصبح الجميع يعيش ويعتاش من الآخر.. سواء اقتصاديا. أم سياحيا.. ام أن الإيمان المطلق بهذه الغيبيات هو ما يزيد شحنة التطرف.. والعنف..


حقيقة أن خيار مصعب فردي وشخص.. ولكن تبعاته ستصل إلى الكثيرين من المسلمين سواء داخل غزه والأرض المحتله أم خارجها في العالم الإسلامي الأوسع.. خاصة إلى فئة المتطرفين الذين شحنهم فقهاء الجهل.. فإما أن تحثهم على التساؤل والبحث في ما تطرقت إليه.. وهو أقصى ما يتمناه الغرب... وإما أن تشحنهم بالغضب والإقدام على التنفيذ الفعلي لحد الرده. وتبعاته التي لن تكون في صالح الإسلاميين ولا في صالح الإسلام ذاته.. فعيون العالم كله ستتركز على تبعات أي عمل قد يقوم به مؤيدي حماس أو غيرهم من الإسلاميين المتطرفين في الولايات المتحده.. هل سيطبق حد الردة عليه.. وعندها تنتفي مقولاتلا إكراه في الدين.. ولكم دينكم ولي دين.. لتؤكد للعالم أجمع خطورة العقيدة الاسلامية التي تؤكد بأن الدين عند الله الإسلام.... وهو ما أورده مصعب عدة مرات في إجاباته حول إمكانية السلام بين حماس وإسرائيل.. في لقائه التلفزيوني.


أهمية هذا التحول بالنسبة للغرب أنها ترتبط بجزء هام من السؤال الذي يقض مضجع الغرب في حربه على الإرهاب.. ومحاولة الأنظمة العربية اليائسة في احتواء التطرف الذي يهدد استمرارية وجودها ويهدد العالم أجمع...... حيرة الدول الغربية تنبع من كيفية التطرق إلى أسباب العنف والتطرف.. ومحاولة معالجتها بدون الدخول في محاولة فهم العقيدة أو التطرق لما يسيء الإسلام.. وهي طريقة صعبة على الغرب الذي اعتاد على التحليل والحرية الفكرية التامة بدون خوف ولا حدود بدءا من انتقاداتهم وأحيانا حتى هزؤهم برؤسائهم وبالمسيح ذاته للوصول إلى جذور أي مشكله تصادفهم.. لمعرفة أفضل طرق العلاج..


البعد الآخر هو ما ذا سيكون مصير مسيحيي غزه. هل نضمام مصعب إلى دينهم سيحميهم من بطش متطرفي حماس للانتقام منهم.. أم سيزيد الضغط عليهم للفرار إلى أية بقعة أخرى في العالم.. ثم ما موقف الفلسطينيين في ما إذا عرضت إسرائيل على مسيحيي غزة اللجوء لديها. فإسرائيل تعرف كيف تقتنص أفضل الفرص لتلميع صورتها أمام العالم.. والتاكيد على خوفها من تخّلف العرب..


ولكن تبقى الدلالة الأهم.. وهي فشل الإسلام السياسي في تحقيق آمال الشعب الفلسطيني في إحراز أي إنتصار أو تقدم فكري داخل الساحه الفلسطينيه.. ناهيك عن فشل الشعوب العربيه حين إعتقدت بأن جمع السياسه مع الدين وجعلها معيار تعاملنا وعلاقاتنا مع العالم كله. ستحقق لها المكانة أو النصر الموعود.. بعد فشل القومية العربية على كل الأصعدة..!!!

أحلام أكرم
باحثة وناشطه في حقوق الإنسان