تشنجت في الآونة الأخيرة، العلاقات السياسية بين إقليم كُردستان والحكومة العراقية على جملة قضايا ومشاكل معروفة، تتكرر على الدوام في الإعلام.
وبدأت وتيرة المشاحنات تتصاعد في إثر إعلان الحكومة العراقية، بعث quot;الجيش الفيدراليquot; إلى مناطق ديالى ومندلي وخانقين وغيرها.
وإذا كان العراق فعلاً دولة ذات سيادة وذات فيدرالية موحدة، فأمر إنتشار الجيش والشرطة في الأقاليم والمحافظات طبيعي، ومن صلب عمل الدولة.
ولو كان إقليم كُردستان فعلاً جزءا من العراق، فعلى السلطة القائمة فيه عدم الإعتراض على إنتشار الجيش والشرطة، على أي بقعة من الأرض في الوطن، خصوصاً وأن القادة الكبار في الدولة تابعون للإقليم نفسه.
لكن العراق اليوم دولة غير ذات سيادة، والجيش ليس سوى ميليشيات طائفية، مقسومة الولاءات بين هذا الحزب وتلك المنظمة. أما إقليم كُردستان فغير محكوم من قبل سلطة منتخبة لدى شعب الإقليم. والسلطة ليست فيدرالية أو ديموقراطية أو ما إلى ذلك. إنها سلطة غاشمة ميليشيوية منحطة تلتهم بيدٍ معظم الثروة لحساب نفر قليل، وبيدها الأخرى تحمل رافعةً السوط والإرهاب، فوق رؤوس شعبٍ كره الحياة والوطن والقومية من ورائها.
quot;العرب لا يقرأونquot;.
إنها مقولة يهودية تعبّر بصدق عن الواقع القائم. ولو كانوا يقرأون، لكنا نسمع ونقرأ من كتّابهم ومحلليهم كتابات منطقية وبليغة ومتخمة بالمعلومات الدقيقة، عن الوضع القائم في إقليم كُردستان.
العرب، وخصوصا عرب السلطة في العراق، لم يكلفوا أنفسهم عناء تأسيس مكتب خاص لدراسة الوضع في كُردستان، وترجمة الكميات الكبيرة من أغرب وأعجب الأخبار، التي تنشرها الصحافة الكُردية الأهلية بشكلٍ مستمر. ولو فعلوا لسهلت عليهم معرفة سلطة الإقليم وجوهرها، ولعرفوا كيف يتعاملون معها من منطلق قوة معرفية دقيقة ذي حجة وبلاغة.
ما نقرأ جلّ الوقت هو كتابات سطحية من جحر عصبية عروبية، لا تحل ولا تربط، همها تفريغ شحنات الحقد والغضب، غير عالمة بالواقع الكُردي البتة، وهي تخدم العصبية الكُردية، التي يتعشعش الفساد فوقها ويرتع منها. سأتناول ذلك بالتفصيل في مقالنا القادم بعنوان (العروبة المحبطة تقارع فضاوتها بخواء العَلمانية/ الوطنية).
قبل كلّ شئ يجب أن يعرف الجميع أن الحزبان quot;الكُرديانquot; مايُسمى بـ (الإتحاد الوطني والحزب الديموقراطي) لا يمثلان الشعب الكُردي على الإطلاق.
إنهما حزبان إرهابيان، مجرمان، مختلسان لأموال الوطن والشعب. لذلك فإن المليارات من الدولارات المدفوعة لهما من عائدات النفط العراقي، لا يمكن إعتبارها حصة تُدفع للشعب الكُردي. الأكراد يكابدون عيشهم، ويصارعون فقرهم وآلامهم العظيمة، ولا يجنون من الميزانية إلا ما يجني الشحاذ من غني غير موسر.
إن الحكومة العراقية وهي طائفية على أية حال، وممتطية صهوة السلطة بصولجان الإحتلال الخارجي، تدفع المليارات لزعماء ومسئولي الحزبين الجلعوديَين ضمن الإئتلاف الذي يجمعهم للتفرد بالثروات الطائلة، وضمن تقاسمات سلطوية متــــخلفة.
في السليمانية التي أعتبرت معقل الـ (كُردايَتي، رديف العروبة مع الفارق)، ومن أصل مليون شخص قدّم إثنان وعشرون ألفاً إستمارات الإنتخاب، تحت التهديد المباشر من قبل نظام جلعود بقطع رواتبهم. إذن أين تمثيل هذين الحزبين لصوت وحقوق شعب الإقليم؟!
إن ما تفعله الحكومة العراقية، هو تقوية الإرهاب والفساد الميليشيوي في إقليم كُردستان، ضد الملايين من المواطنين. وإن لم يكن ذلك صحيحاً، فأين إذن رقابة الحكومة المركزية على المليارات من الدولارات المرسلة إلى خزائن إقليمٍ، يموت المواطنون فيه من البرد والحرّ والجوع؟!
أما سلطة جلعود فهي تهدد الشعب الكُردي، بمخاطر عودة الحكومة المركزية إلى كُردستان (لاحظ تهددهم بالمالكي والعرب عموماً!)، والفتك بهم وإبادتهم على غرار نظام البعث (أي أن سلطة جلعود تضع العرب جميعاً في سلة واحدة، ليس من منطلق قومي وإنما بدافع لعبة نفاق خبيثة، تخدم مصالح ثلّة مفلسة الإيمان وميتة الضمير!). وما يهيئ ويساعد هذا النفاق المزدوج، هو إستفادة نظام جلعود من بعض الآراء الهابطة، والتصريحات غير المسئولة، والكتابات الحاقدة العنصرية، التي تصدر من بعض من يطبلون بسم الوطنية العراقية والقومية العربية.
ومن هنا فإن الأكراد واقعون بين سندان الحكومة المركزية (خوف كامن)، ومطرقة إرهاب جلعود الذي أهلكهم منذ عام 1991 بشكلٍ مستمر، ناهيك عن الكوارث التي جلبها الحزبان الجلعودييان على الأكراد، عبر الإقتتال الداخلي وجرّ جيوش إقليمية معادية للأكراد والعراق تأريخياً، مثل إيران وتركيا.
وفي الأثناء، فإن الزعماء والمسئولون في أربيل والسليمانية، وعلى مذهب الذئاب تنخرّ أنيابهم ومخالبهم في قصعة الشعب، وعرضه (في أسبوعية quot;روداوquot; تؤكد فوزية، قابلة كُردية، خياطة غشاء البكارة لأكثر من عشرة آلاف فتاة كُردية، معظمهن من الطالبات الفقيرات، بعن أجسادهن للمسئولين! لقاء عدة آلاف من الدولارات)!
يجب على العرب إعادة النظر في أفكارهم ومواقفهم، تجاه الشعب الكُردي الذي يشاركهم مصيراً حضارياً مشتركا. إن الموقف العربي عموماً يفتقد إلى العقلانية في التعامل مع قضايا شعوب إسلامية غير عربية مثل الكُرد، التركمان، الأمازيغ (نتطرق إلى الأمازيغ بالتفصيل في مقال آخر) وكذلك الأقوام والملل الأخرى.
وإذا كان يهمّ العرب الأمن الإستراتيجي لمناطقهم، فعليهم من الآن التخطيط لذلك، بوعي ومسئولية تأريخيين وعقلانيين.
إن الإستمرار في التعامل مع قضايا الكُرد، من منطلق العصبية العروبية، لهو خدمة مجانية لأعداء (أمتنا: الكُرد، العرب، التركمان...الخ) من الذين ارتهنوا لخارج معادي، وهم في الصميم يعادون جوهر وجودنا التأريخي، وتراثنا المشترك في خلال أربعة عشر قرنا.
باللغة الكُردية الفصيحة، و(ليست بالعربية في بغداد أثناء اللقاء بأطراف الحكومة حول الميزانية)، يصرّح الجلعودييون جهاراً عبر أجهزة إعلامهم، أن الأكراد يعيشون مُحتَلين ثقافياً وسياسياً ودينياً منذ أربعة عشر قرناً (والقصد أن الإسلام ليس بدين الأكراد، والعربية لغةٌ معادية لهم. أما كيف يدفع المالكي، المليارات من الدولارات لهم، فهذا شأنٌ خاص به)!!
إن نظام جلعود نظام مخيف، يعبث بأمن الشعب الكُردي ومصيره، ويعرّض إقليم كُردستان والعراق معا لكوارث مستقبلية خطيرة.
إن الإيرانيين والأتراك لم يخفوا يوماً عدائهم للأكراد. ومنذ مجئ الجلعوديين إلى السلطة في كُردستان، يتعرض أبناء الإقليم إلى مخاطر عظيمة، على المستوى الصحي والأمني والإقتصادي.
فكما تحدثنا سابقاً هناك محاولات حثيثة من قبل النظام الإيراني والتركي، لتصدير ونشر أنواع الأمراض المزمنة والمستعصية على العلاج، إلى داخل إقليم كُردستان عبر صفقات كبيرة من أدوية فاسدة (مع المسئولين الأكراد)، وأغذية محقنة بالفايروسات، ومعدات طبية ملوثة بالجراثيم والأمراض، كما حدث قبل أشهر في تصدير إيران حقن طبية ملوثة بمرض الأيدز، إلى إقليم كُردستان.
إن إصابات خطيرة بأمراض معدية، تشكل خطراً إجتماعياً كبيراً في المستقبل، تزيد بشكل مستمر وفي عدد أقرب من الخيال، العاهات والإصابات الجماعية، وسط مجتمع محافظ كالمجتمع الكُردي (تقارير موثقة من الصحافة الكُردية، وتصريحات قيّمة لوزير الصحة الدكتور زريان). إن هذه الأمراض، وهي تشكل جانباً واحداً من كوارث الإقليم، تؤثر مباشرة وببطئ على عموم الشعب العراقي عبر الأجيال وبفترات متلاحقة.
إن الجهة التي تكلفت بتمرير هكذا مؤامرة، هي سلطة الإقليم، لقاء أموال وصفقات تجارية يعود ربحها إلى حسابات خاصة للمسئولين في بنوك خارجية.
على الصعيد الثقافي، قام النظام المذكور بمحاربة الإسلام (دين غالبية الشعب الكُردي) وعبره حارب الثقافة العربية، بحجة كونها أجنبية وإحتلالية. لذلك فإن الحصول على ترخيص بفتح دور الدعارة والمجون يسير، بل ومملوكة من قبل أناس سلطويين أقوياء (تحقيقات وتقارير كثيرة ومتفرقة في الصحافة الكُردية وخصوصاً التحقيقات التي أجراها الصحافي الكُردي سوران مامه حه مه الذي أغتيل على يد إرهاب سلطة الإقليم)، بينما ترفض حكومة جلعود الموافقة على تأسيس مسجد، أو معهد ثقافي إسلامي/عربي داخل عاصمة الإقليم أربيل، رغم حاجة المجتمع الكُردي الذي يزداد ويتسع.
المجتمع الكُردي، معروفٌ عنه طيبة القلب والتسامح. لكن أحداثاً جسّّاماً قضت، أو تكاد تقضي على هذه الصبغة. فالعدد المخيف للإنتحار بين الرجال والنساء، بسبب الضغوطات المعيشية، ولجوء مجموعات إسلامية نحو تطرف شديد (كجماعة أنصار الإسلام) بسبب ما لا قت من إهانة وتعذيب في سجون جلعود، من صنيع (الإتحاد الوطني) و (الحزب الديموقراطي)!
والغريب أن يخرج علينا في هذا الموقع، من يخدم في صفوف منظمة إرهابية عنصرية، يداها ملطختان بدماء الأبرياء، ليلقي علينا تراتيل الديموقراطية والفيدرالية، والعيش المشترك وحقوق الإنسان!
نستوفي بهذا القدر، ونزيد في الحديث عن المخاطر المستقبلية مستقبلاً.
علي سيريني
التعليقات