أطالع الآن وأنا أكتب هذا المقال تقريراً خاصاً على قناة السي إن إن الأمريكية.. والتقرير عن المرأة في أفغانستان ويحمل العنوان quot;إزالة أو نزع الحجابquot;.. وفي هذا التقرير يتم استعراض وضع المرأة الأفغانية قبل وأثناء وما بعد طالبان.. بالإضافة إلى التعرض لبعض الظروف الاجتماعية والثقافية التي تعاني منها المرأة الأفغانية وتُشكّل ضغطاً إضافياً لواقع حياتها في مجتمع أنهكته الحروب بالوكالة وغيرت كثيراً من طبيعة سكانه النفسية وتركيبتهم الاجتماعية!!.. وطبعاً لابد وأن يدخل الإسلام ضمناً في التقرير لاعتبارات الانتماء والهوية، بالإضافة إلى اعتبارات أخرى تكمن خلفها نية غير شريفة على أساس أن الإسلام هو المُحرض الأول لإهانة المرأة وهو أسباب دونيتها وتخلفها وتهميشها في جميع أوجه الحياة التي تعيشها أو تعيش فيها!!


طبعاً لن أناقش تلك النوايا الغير شريفة التي تقف خلف هذه النوعية من التقارير، ولن أدافع عن الإسلام انطلاقا من الهجوم الذي يتعرض له ممن يكيدون أو يسوءهم تمسك المسلمين به، ولكن سأستعرض صورتين جاء بهما التقرير وتبين بوضوح كيف أن بعض المسلمين يُسيئون للإسلام ويفتحون فيه الثغرات لتمكين الآخرين من الهجوم عليه والانتقاص منه.. وهي صور تتكرر كثيراً في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية حتى أصبحت إدماناً يستحيل معه تغيير الصورة النمطية المأخوذة عن الإسلام عند الشعوب الأخرى!

الصورة الأولى هي لمجموعة من النساء الأفغانيات حاولن الانتحار بإحراق أنفسهن خوفاً من قسوة المجتمع والأحكام الظالمة المرتبطة بالشرف والمبنية على سوء النية والشكوك الجنسية التي تُحيط بكل أنثى في مجتمع لا يعترف بها ولا بحقوقها الشرعية والإنسانية. تلك النسوة ظهرن في التقرير مشوهات الوجوه من آثار الحرق ومنكسرات النفس من قسوة أهلهن ومجتمعهن.. نسوة تحمل عيونهن رعباً من مستقبل مجهول، وعالم ظالم ووحدة قاتلة.. نسوة نجون من الموت بالحرق ليعشن مواتاً مستمراً بلا أسرة ولا أصدقاء ولا مستقبل يحفظ لهن كرامتهن ويزرع فيهن تفاؤلاً بحياة أفضل.

الصورة الثانية كانت لذلك المشهد الذي انتشر كثيراُ وفيه رجل من رجال طالبان يقود مجموعة من النساء كقطيع من الأغنام، ويجلد إحداهن بعصاً كانت في يده لمخالفتها ربما لكلامه أو تقاعسها من تنفيذ أوامره.. المشهد مهما كانت أسبابه إلاّ أنه يحمل انطباعاً سلبياً يُكرّس صورة المرأة في مجتمع طالبان والذي هو بالضرورة مجتمع إسلامي يستمد تعاليمه من قوانين الإسلام ومصادره.

هاتان الصورتان هي من صنع أيدينا كمسلمين.. وهي نتاج ثقافة مجتمعاتنا التي تسيطر عليها العادات والتقاليد والأعراف والتي تتمسح بالإسلام وتدّعي زوراً انتسابها إليه وانتمائها لعائلة أحكامه وتعاليمه. صورتان في ألبوم يحوي مئات الألآف من الصور التي نصنعها بأيدينا ونلتقطها بكاميراتنا وننحتها بأدواتنا لنُعطي الفرصة للآخرين لمهاجمة إسلامنا والطعن فيه وإرهاب المُتعاطفين معه للابتعاد عنه والتخلي عن دعمه أو حتى الدفاع عن حقوقه. التقرير الإعلامي كان مؤلماً وقاسياً على النفس.. مؤلماً من الناحية الإنسانية والتي لا تملك إلاً أن تتعاطف مع أصحابها وضحاياها حتى ولو لم يكونوا مسلمين.. وهو مؤلم ٌ من الناحية الشرعية كونه محسوباً على الإسلام كدين دائماً ما يقدمه أتباعه بأطباق مكسورة تعطيه طعماً مُغايراً لطعمه الحقيقي ومذاقه اللذيذ.

ولا أدري متى يفيق المسلمون من سباتهم ويرجعوا لدينهم ويراقبوا تصرفاتهم.. متى نرجع جميعاً للحق ونقتدي بسيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام ليكون هو قدوتنا في هديه وتعاملاته وفي أخلاقه.. الأخلاق النبوية التي جعلت اليهودي وهو على فراش الموت يقول لابنه quot;أطع أبا القاسمquot; وذلك حينما دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم للإسلام.. الأخلاق التي جعلت أهل مكة يدخلون في الإسلام طواعية حينما أعلنها مدوية صلى الله عليه وسلم في فتح مكة quot;اذهبوا فأنتم الطلقاءquot;.

متى نفيق جميعنا ونعترف أنّ الدين بالمُعاملة وليس بالإكراه أو الترهيب أو التخويف أو الاستعداء!!.. متى نُدرك أنّ الدين بالتطبيق الصحيح وليس بالصراخ أو الضجيج.. متى نستوعب أنّ الدين بالأخلاق وحمل الناس على اللين وليس رميهم بالطين.. متى نتنازل عن بروجنا العالية والنظرات الدونية لغيرنا وننزل لهم لنصبح في مستواهم ولنكون شركاء في الإنسانية مع اختلاف عقائدنا وقناعاتنا!

quot;كنتم خير أمة أخرجت للناسquot;.. هي أية صريحة في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. أية آمن بها عمر ابن الخطاب وعلي ابن أبي طالب وسعد ٌ وخالد وطارق وموسى بن نصير وهارون وصلاح الدين وعمر المختار والحضارمة من أهل اليمن وغيرهم من رجالات الإسلام الذين اشتهروا بأخلاقهم وسارت الركبان بأخبارهم وهدى الله على أيديهم خلق كثير.. ويأتي دورنا كأجيال لتلك الأجيال لنحمل شموع الهداية وننثر ورود الخير من على ظهور الخيل لتطال الجميع ولنرسم صورة زاهية للإسلام الحقيقي البعيد عن الاجتهادات البشرية والحماقات الحزبية أو الطائفية أو الإقليمية التي تسمح للآخرين باستغلالها للطعن أكثر في عقيدتنا وإيماننا ونساءنا
لم أستطع إكمال مشاهدة التقرير، وامتدت يدي بشكل لا إرادي لتغير القناة التلفزيونية لتنتهي إلى قناة فوكس الإخبارية الأمريكية وهناك حدّث ولا حرج.. فالقوم أوغلوا في الإساءة بإرادتنا وبموافقتنا ومن خلال سلوكياتنا وإسرافنا على أنفسنا!!

quot;ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء مناquot;..

الدكتور خليل اليحيا

المشرف العام على الملتقى السعودي في أمريكا

[email protected]