تقع في العراق اليوم أحداث لم تخطر ببال احد ولا يمكن لأي خيال مهما كان خلاقا أن يستطيع ترتيبها بالشكل الذي وقعت به مهما توفرت له من قدرة على الإبداع، ولو قدمت هذه الأحداث إلى كتاب الرواية لوقفوا ذاهلين أمام الطريقة التي رسمت بها لأسباب متعددة سنأتي عليها في سياق الحديث.
بعد الغزو الأمريكي للعراق دخلت كل مخابرات العالم إلى هذا البلد الغني لتبحث لها عن حصة من الكعكة الكبيرة التي أرادت الولايات المتحدة الأمريكية الاستئثار بها. لكن بعض مخابرات دول الجوار مثل المخابرات الإيرانية كانت تريد إن تحصل على اكبر قدر من هذه الكعكة كي تقوم باستخدامها أمام أمريكا في ملفاتها المعقدة الكثيرة كما هو حاصل في الملف النووي.
ولان هذه الأحداث كثيرة وغريبة وجديدة أيضا على المجتمع العراقي فأننا سنحاول إن نروي بعضا منها وقع بالتحديد في مدينة الصدر بعد استيلاء جيش المهدي عليها وبعد هروبه منها أثناء اجتياح الجيش الأمريكي والعراقي للمدينة. يروي لي صديقي العائد من مدينة الصدر إلى هولندا هذه القصص التي شاهدها بعينيه وعاشها طيلة أكثر من سنة بعد إن طفح به الكيل ولم يعد يحتمل المزيد منها لأنها تشكل بالنسبة له صدمة ثقافية بعد الحياة الهادئة التي قضاها في هولندا.

إيران وراء كل الأحداث

استطاعت المخابرات الإيرانية اختراق المدن العراقية من كل الجهات واستولت في الجنوب العراقي على مدن بكاملها كما حدث في مدينة البصرة حين جعلت احد زبانيتها محافظا على المدينة. يقوم هذا الرجل بعد انتهاء دوامه في مبنى المحافظة بالعودة إلى داره في مدينة المحمرة ويحمل معه البريد إلى طهران. لكن المخابرات الإيرانية كانت تريد إن تصل إلى العاصمة بغداد ونجحت في ذلك حين اخترقت مدينة الصدر من خلال جيش المهدي الذي يقوده رجال مخابرات إيرانيون يسيرون في شوارع المدينة ملثمين ومعهم مترجمون يعرفون كل شيء عن المدينة والناس.
يروي صديقي الحكاية تلو الحكاية ولا يعرف من أين يبدأ وهو يطيل النظر في عيني لكي يرى مدى تصديقي لحكاياته. يبدأ بقصة quot; أبو درع quot; وقبل إن ينهيها ينعطف على جرائم قتل النساء بطريقة مبتكرة على يد القناصة وينتقل إلى الأحزاب الجديدة الغريبة التي تشكلت في المدينة بسرعة البرق. إما حكاية اللغة الفارسية التي بدأت تنتشر في شوارع مدينة الصدر فهذه لها وقفة خاصة.

القناصة يقتلون النساء

بعد إن قامت القوات الأمريكية ببناء الجدران العازلة بين قطاعات المدينة تركت منفذين للخروج منها من جهتين مختلفتين، وأثناء الاشتباكات التي تحصل يوميا بين جيش المهدي والقوات الأمريكية اصدر جيش المهدي قرارا يمنع بموجبه النساء من الخروج من المدينة حتى لا يقمن بإرشاد الجيش الأمريكي على مواقع الخارجين على القانون. لكن نقص الغذاء والماء والدواء كان يدفع النسوة للخروج والبحث عن الطعام مما جعلهن يقعن في دائرة القناصة الذين ابتكروا طريقة في قتلهن لم يفكر بها أي مجرم في التاريخ الحديث. يقوم هؤلاء القناصة بقتل النساء الخارجات من جهة اليمين بالتصويب على ( مهبل ) المرأة وكأن البندقية التي يستخدمها في عملية القتل هي امتداد ل ( قضيبه ) وبالمقابل وحينما تخرج امرأة من الجهة اليسرى يقوم القناص بالتصويب على ( مؤخرة ) المرأة كما هو حاصل في المرة الأولى. مستشفى مدينة الصدر استقبل تسع وثلاثين حالة قتل نفذت بهذه الطريقة، وكان العاملون في المستشفى لا يعرفون كيف يتعاملون مع هذه الحالات الغريبة التي لم تصادفهم من قبل.

فاصل ونعود

حينما كان جيش المهدي مسيطرا على مدينة الصدر كان يتعرض لهجمات من جماعات طائفية في سياق الحرب الأهلية التي اشتدت قبل عامين. وكانت المخابرات الإيرانية المتواجدة في المدينة تقدم معلومات كاملة لعناصر جيش المهدي عن مصدر هذه الهجمات والجهات التي تأتي منها الصواريخ. غالبا ما كان جيش المهدي يرد على هذه الهجمات مباشرة كرد فعل سريع وحين يتهيأ أفراده للرد كانوا يرددون جملة quot; فاصل ونعود quot; ثم ينطلقون إلى الجهة التي حددتها لهم المخابرات الإيرانية وغالبا ما تنتهي بمذبحة مرعبة. بعد كل مواجهة أو quot; فاصل quot; تصل سيارات البيك أب محملة بأكياس الرز والطحين مع مزيد من صور الخميني وعلي خامنئي ومن يرفض الصور لا يحصل على أي شيء من الغنيمة.

إيران مرة أخرى

لم تترك المخابرات الإيرانية لشباب المدينة أية فرصة للتخلص من سطوتها التي باتت كاملة، فمرة بالإغراء بالمال ومرة بالتهديد كانت تجبرهم على القيام بعمليات القتل التي راح ضحيتها بعثيون كانوا في زمن النظام الساقط يعبثون بحياة الناس خصوصا الشبان الهاربين من الحرب. كل شاب يقتل بعثيا يحصل على ألف دولار شرط إن يقوم بتصويره بعد قتله بكاميرا هاتف نقال يحصل عليه القاتل كهدية. تقوم المخابرات الإيرانية بإحضار صورة المطلوب قتله وتدرب الشبان على عمليات القتل وتضع الخطط الناجعة لإنجاح هذه العمليات وغالبا ما تنجح حيث ينال القاتل مكافأة ثلاثمائة دولار إضافية بعد كل عملية.
الشبان الذين لا يملكون القدرة على تنفيذ هذه العمليات تقوم المخابرات الإيرانية بزجهم في ما يسمى بالدراسة في الحوزات العلمية في مدينة النجف التي أصبحت تعج بهذه الجامعات الرفيعة حيث يتقاضى كل طالب مبلغا من المال يتراوح بين ثلاثمائة إلى خمسمائة دولار مرسلة من القائد الأعلى في قم. بعد أشهر قليلة يتخرج هؤلاء الشبان من هذه الحوزات كرجال دين ولكن على الطريقة الإيرانية وبمرجعية إيرانية وسوف نرى بعد قليل كيف أصبحت الفارسية اللغة الثانية لرجال الدين الجدد.
كل بيت أصبح حسينية
كل من يفتح حسينية في بيته يحصل على 800 دولار شهريا من السيد. بعد إن تأكدت المخابرات الإيرانية إن أكثر شباب المدينة قد انخرطوا في مشاريعها الجهنمية التفتت إلى كبار السن وروجت في شوارع المدينة إن كل من يفتح حسينية في بيته يحصل على دعم من المرجعية تصل قيمته إلى ألف دولار تقريبا مع كل ما يتطلبه هذا العمل من أجور. يقول صديقي إن المدينة لم تعد تطاق لان الناس قاموا بالفعل بتحويل بيوتهم إلى حسينيات تجأر فيها الأصوات ليل نهار ولم يعد بإمكان احد النوم لا ليلا ولا نهارا. تخيل انك تسكن في منطقة صغيرة لا تتعدى مساحتها الكيلومتر الواحد وفي هذه المساحة توجد أكثر من عشرين حسينية تبدأ جميعا بالصراخ مرة واحدة تصيب الجميع بالصمم.. انه كابوس حقيقي بدأ يلف ليل المدينة وصباحها.


إيران أيضا

قلنا قبل قليل إن المخابرات الإيرانية كانت تزج بالشباب كي ينخرطوا في حوزاتها العلمية الرفيعة التي فتحتها خصيصا لهم مع الكثير من الدولارات من اجل إن يتخرجوا كرجال دين على الطريقة الإيرانية، لكنها لم تكتف بذلك فقد بدأت تطلب من هؤلاء الشبان إن يتلقوا علومهم باللغة الفارسية. كل طالب يستطيع إن ينطق جملة كاملة باللغة الفارسية يحصل على مكافأة مئتي دولار. ولم تمض سوى أيام قليلة حتى أصبح هؤلاء الشبان يرطنون بالفارسية في البيت والشارع وسرت الشائعة كالنار في الهشيم وتجمهر الصغار في المدينة يطلبون تعلم اللغة الفارسية مقابل دولارات إيرانية.

المضحك المبكي

ينهي صديقي حديثه بحكاية تضحك وتبكي في آن معا ويقول : بعد المعارك الأخيرة في المدينة وهروب جيش المهدي مع بقاء بعض الجيوب التي بقيت تطلق النار هنا وهناك حدثت أضرار كثيرة في المنازل والمباني والمؤسسات. وكان هناك رجل يملك بيتا لم يتضرر كثيرا وكان يفكر بإعادة بناء احد جدران المنزل العتيق، ذهب هذا الرجل إلى الجيش العراقي واخبرهم إن هناك عناصر من جيش المهدي تختبئ في احد البيوت وأشار إلى بيته دون إن يقول انه بيته وطلب من الجيش إن يكثف النيران على المنزل من اجل إن يحفر الرصاص ( ينقر ) سطح الجدار. احد الذين يعرفون الرجل سأله مستغربا فرد عليه انه يريد إن ( يلبخ ) يطلي الجدار من جديد وان ذلك يتطلب تنقير الجدار وهذا يكلف مالا كثيرا، رصاص الجيش تكفل بهذه المهمة. حين سمع الرجل الأخر ما قاله جاره استعار قاذفة quot; ار بي جي 7 quot; وقام بتفجير بيته لأنه سمع إن هناك تعويضات مالية عن كل بيت مهدم.