تواجه الحكومة العراقية بعد كل هذه الاعوام من الحرب الاهلية تحدي بناء دولة وطنية. ورغم بشارة انجاز الدستور العراقي الدائم بامكانية نجاح العراقيين في الوصول الى هذه الغاية، الا ان الارادة السياسية الضعيفة لدى كل القوى في الحكم، تسببت في انتكاسات واضحة في مدينة كركوك.فقد تقاعست القوى المؤتلفة في الحكومة العراقية عن تسريع تطبيق قانون 140 المتلعقة بكركوك وانفاذ بنوده حسب المواعيد المتفق عليها.
والاهم من ذلك هو اقتراب موعد التصويت على قانون مجلس المحافظات العراقية مرة اخرى داخل مجلس النواب العراقي ولم يتم حتى اجراء تعداد سكاني دقيق في مدينة كركوك.
ومن ناحية اخرى، ما زالت عملية اعادة اعمار مدينة كركوك والتالي استقرار وعودة الكركوكيين الكرد والتركمان اليها متعثرة ويشوبها فساد وسوء تصرف في الاموال المرصودة لذلك الغرض. وقد مضت سنتان ومازالت الانجازات الحكومية دون الطموح والتوقع.
رغم قوة التدخل الاقليمي في الشان العراقي، الا ان الوضع الداخلي مشجع لاي طامع اجنبي. ففي الداخل، فراغ سياسي لا يمكن ان يظل لا يمكن ان يظل بهذه الطريقة الى مالا نهاية. فكتلة الائتلاف الشيعي الشريك الاكبر في الحكم لايرى من تطبيق مادة 140 المتعلقة بتطبيع الاوضاع بكركوك حلا عادلا وشاملا لكل الاطراف. وقد تحركت حكومة المالكي خارج هذا الاطار القانوني في الفترة الاخيرة وساعدت سياساتها المرتبكة في تدهور الاوضاع الامنية بمنطقتي كركوك وخانقين.
ان استراتيجية الشراكة السياسية مصحوبة بالتوافق السياسي مع كل القوى العراقية هي المخرج الوحيد من الازمة. لكي تفوت فرصة تقسيم وتفكيك العراق وخاصة ان تقسيم العراق اصبح حاضرا بقوة في الاجندة السياسية الدولية، فهو في هذه الحالة ينفذ الاتفاقيات بين القوى المؤتلفة في الحكومة والبرلمان والتي تنتهي بالاتفاق المشترك على قانون مجلس المحافظات العراقية، وفي نفس الوقت يمر نتيجة القانون عن طريق شرعي ودستوري الى الحكومة العراقية في شكل امتداد لهذه الشراكة السياسية.
في حال فشل هذه الاستراتيجية، لا يبقى سوى تقسيم العراق الى عدة اقاليم تشمل اقليم الوسط والجنوب واقليما خاصا يضم كركوك وبعض مناطق تكريت وديالى وقد ينضم بعضها الى اقليم الوسط او اقليم كردستان. وتظهر هذه احتمالات هذه التشكيلة من خلال فشل النظام الفيدرالي القائم في تقوية روح الانتماء القومي لوطن واحد.
فقد اصبحت حكومة اقليم كردستان على سبيل المثال شبه مستقلة لا يربطها مع الحكومة المركزية سوى التمويل والميزانية ومن ناحية اخرى عادت القبلية والعشائرية بشدة نتيجة للتقسيم القائم الى مناطق ومحافظات متفرقة.
وتسببت هذه التطورات فيما يمكن تسميته ( التقسيم السياسي على اساس مناطقي) اي ان تقوم التنظيمات السياسية على اساس مناطقي وليس على برنامج او منظومة افكار عابرة للانتماءات المناطقية وبالتالي يتحقق التكامل القومي العراقي.
فقد اصبح التنظيم السياسي يضم ابناء منطقة معينة او تحالفا دينيا معينا. وهذا خطر داخلي ينتكس بتنظيمات سياسية عصرية ويعود بها الى مراحل تقليدية وقديمة جدا.ان اثار هذه النظم الشمولية التي تفوت على العراقيين فرصة التعبير والتنظيم خلال الاحزاب الوطنية سيجعلهم يلتفون حول هذا المنع بالعودة الى اشكال تقليدية تحقق لهم الامن والانتماء وهي المنطقة اوالعشيرة.
عجز عراق ما بعد صدام حسين عن ادارة التنوع والتعدد بطريقة فعالة وواقعية وهذا يفتح الباب امام الاحتمالات الكبيرة التي نخشاها ونخاف من مواجهتها. ولذلك اذا استمرت الحكومة العراقية تجاهل الواقع الراهن فيتعاظم احتمالات التقسيم والتفكيك
.العراقييون هم بحاجة الى استنهاض قومي من خلال مبادرة للقوى السياسية العراقية بدون تاجيل ومماطلة. وعليهم ان يسعواالى ايجاد عناصر الائتلاف والتعايش خارج دائرة الحكم ايضا وان يتوصلوا الى رؤية مشتركة حول مشكلة كركوك ويفهموا ان كركوك ليس هو الحل السحري لكل المشكلات والازمات في العراق.
التعليقات