لن تطمئن طهران إلا بفرض هيمنتها على المنطقة، وهي هيمنة إما أن تكون مباشرة، أو عبر الطابور الخامس التابع لها والمستنفر بكثرة وبقوة في سائر أقطار مجلس التعاون الخليجي، ناهيك بدول عربية أخرى، إن دول المجلس لا تعرف كيف تتعامل مع هذا الطابور، الآخذ في التنامي والازدياد، قبل معرفتها بكيفية التعامل مع سياسات طهران المراوغة، ومن هذا المنطلق فإن طهران لا ترى غضاضة ولا حرجاً البتة في ممارسة سياساتها الرامية إلى فرض هيمنتها ترهيباً وترغيباً، فإيران ( الشقيقة المسلمة ) هي أكفأ وأقدر على ترجمة مقولة : الغاية تبرر الوسيلة، فهي إذا ما رأت أن العاطفة الدينية هي السبيل الأمثل نحو تحقيق مآربها سلكته دون تردد.. وهي باعتمادها ( العاطفة الدينية ) لا تخفي استعلاءها المدعوم بتفوقها العسكري والسكاني على سائر أقطار دول مجلس التعاون. وهي بهذا الاستعلاء لا تأتي بجديد، فالتاريخ يعيد نفسه، وسيبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالفرس يرون منذ القدم أنهم أهل حضارة أرقى في المنطقة، وهذه حقيقة لا أحد ينكرها، غير أنهم يعتقدون خطأً أزلية هذه الحضارة الفارسية شكلاً ومضموناً، حتى بعد أن تشربت بالمبادئ الإسلامية ذات الروح العربية. لكن العنصر الفارسي الخبير بفن التلوّن استطاع عبر الزمن أن يلون الإسلام بلونه هو، ولا أدل على ذلك من التصور الافتراضي لأهل البيت وخاصة الأئمة فصور هؤلاء، والتي تنتشر في أغلب البيوت في المدن الإيرانية، تظهرهم _ أي الأئمة _ على أنهم من العنصر الآري، الذي يدعي الفرس انتسابهم إليه، وجوه بيض، عيون زرق، شعر أميل إلى الشقار، إلخ.... بحيث لا يبقى من سمات بني إسماعيل أدنى سمة!! أما عن المعتقدات المذهبية فالفرس بوجه خاص، من دون أغلب المسلمين من سنة وشيعة، على النقيض مهما حاولوا إخفاء ذلك !.

بالأمس قالت طهران : (( بيان مجلس التعاون الخليجي تدخل سافر.. والجزر ملك أبدي لنا ))، وكان ذلك البيان رداً على البيان الذي أصدره وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي المنعقد في جدة، حيث بحث المجتمعون قضية الجزر الإماراتية المحتلة، والبيان الإيراني لا يوجد فيه ما يُستَنكر، طالما بقيت القوة هي الحكم، وطالما بقي الضّعفُ سلاحَ صاحب الحق لاستعادة حقه ! فدول مجلس التعاون الخليجي لن تأتي بأكثر من هذا البيان وللحيطة نقول : وربما لجأت إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار يدين طهران المتغطرسة بفعل تفوقها العسكري لا بقوة حجتها ومنطقها، ولا أعتقد أن أي قرار لمجلس الأمن سيكون له أثر على سياسة إيران إزاء احتلالها للجزر الإماراتية، لأنها _ أي طهران ستقتدي بأختها تل أبيب المتجاهلة للقرارات الدولية منذ نشأتها حتى اليوم، فإيران ترى في إسرائيل نموذجاً يقتدى به مهما تبجحت بكرهها للدولة العبرية، وللتذكير فقط، فإن طهران ابتاعت السلاح من تل أبيب إبان الحرب الخمينية الصدّامية ؛ وهي على استعداد دائماً وأبداً لشراء السلاح من أي جهة بما فيها إسرائيل، للحفاظ على التفوق الحضاري الفارسي بالقوة العسكرية فحسب !.

والذي لا يعرف حقيقة إيران من الداخل نقول : إن النظام الإيراني منذ العهد الصفوي حتى اليوم، وفي المستقبل لم، ولن يسمح لأي سني إيراني بتسلم الوظائف والمناصب القيادية، عسكريةً كانت أم مدنيةً، كذلك لا يسمح للعربي من أهل عرب إستان، وهم من الشيعة بذلك، حتى الترافع أمام المحاكم في ذلك الإقليم ( العربي ) غير مسموح به إلا باللغة الفارسية. وقد يقول قائل : إن مرشد الثورة ( الإسلامية ) غالباً ما يلقي خطبة صلاة الجمعة باللغة العربية؟ هذا صحيح، لكن الأصح هو أن هذه الخطبة بالذات موجهة للتخدير، ولكسب التعاطف والتأييد للثورة الخمينية بعاطفة دينية، يعرف الإيرانيون أنها ذات مفعول روحي عند المسلمين، إنها الخطبة التي ينطبق عليها القول المأثور للإمام علي : كلام حق يراد به باطل.

إن مجلس التعاون الخليجي مدعو قبل إصدار البيانات التي لا تغني ولا تسمن، وقبل اللجوء إلى المنظمات الدولية ومجلس الأمن، مدعو إلى تقوية هذا الكيان على كل صعيد،وخاصة العسكري والاقتصادي، بعد ترسيخ مفهوم التعاون في نفوس أبنائه، من خلال إدخال المفهوم ضمن المناهج التعليمية، فأنت لن تكون مرهوب الجانب يُحسبُ حسابك إلا بقدر ما أنت عليه من القوة، وقديماً قيل:

إذا لم تكن ذئباً على الأرض أطلساً

كثير الأذى بالت عليك الثعالـبُ

وهناك العمل الجماعي، الذي لابد لدول المجلس من اعتماده كحجر الزاوية، وتطبيق سياسة واضحة المعالم ذات شفافية خاصة تجاه طهران، لأن طهران النووية _ لا سمح الله _ لن توقف أطماعها المستقبلية عند جزر الإمارات الثلاث، فلا يُستبعد أن تدعي ملكية ديار سيف بن ذي يزن، فالتاريخ يقول : إن الفرس كانوا في حقبة من حقبه على أرض اليمن السعيد، كما كان حال روما على أرض تدمر ! وعلى الرغم من أن روما لم تعد تطالب بآثارها هناك، فإن طهران ما زالت ترنو بعين الطمع والتوسع إلى آثار المدائن، حيث إيوان كسرى الذي قوّضه الإسلام !

تُرى ما الذي يمنع دول مجلس التعاون الخليجي من إرساء دعائم التعاون الحقيقي لا الشكلي، الضامن الوحيد لأمنها واستقرارها، أسوةً بدول الإتحاد الأوربي وحلف الأطلسي، رغم الفوارق التي تميز شعوب هذا الاتحاد ( الأوربي) بعضها من بعض، وفي المقابل الانسجام شبه التام الذي يوحد شعوب ( قبائل ) أقطار مجلس التعاون، بدء بالنسب وانتهاءً بالعادات والتقاليد والزيّ !؟

إن التعاون المطلوب إذا قدر له أن يرى النور فإنه سيشكل كياناً قوياً قادراً على التأثير في مجريات الأمور الإقليمية على الأقل، ولن يكتفي بالتأثر كما هو حاله الآن !؟ فهذه الدول مجتمعة لديها من الإمكانيات ما يؤهلها العيش بسلام وأمان، ومن هذه الإمكانيات أربعون مليون نسمة وناتج قومي يبلغ 1.1 ترليون دولار أميركي، وتتوفر على 341.900 جندي عامل بتسليح هو الأحدث في المنطقة، وبالمقارنة مع إسرائيل، نجد أن عدد سكان الكيان الصهيوني 7.28 مليون نسمة فقط، بناتج قومي بلغ 232 بليون دولار أميركي، وجيش عامل يقدر بـ 168.000 جندي، لكن الدولة العبرية قادرة بالكيف لا الكم على التخويف والترهيب، فلماذا لا تكون دول مجلس التعاون قادرة هي الأخرى على الدفاع، خاصة وأن إمكانياتها المالية تفوق الإمكانيات الإسرائيلية، إنني على يقين من أن الكثيرين من القراء سيسخرون من هذا التساؤل الساذج، لكنني سأعذرهم، وسأظل عند تساؤلي مردداً قول أبي حنيفة النعمان : هم رجال ونحن رجال.

محمد خليفة بن حاضر

دبي