ترى هل يحق للجيش العراقي ان يدخل المناطق المتنازع عليها، ام لا؟ الطرف الحكومي العربي يشدد على شرعية هذا الحق الذي يراه غير قابل للمس، لا بل ويؤكد ايضا على حق الجيش في دخول كل مدن كردستان العراق. بينما يرى الطرف الكردي ان امر ومصير هذه المناطق لم يحسم بعد، وعليه، فالى ان يتم ذلك يحق لقوات البيشمركة الانتشار فيها، وتشعر قوات البيشمركة بأن الجانب الآخر تعامل معها بشئ من الاجحاف، فهذه القوات ترى انها قدمت مساهمات كبيرة في محاربة الارهاب وحماية اهالي تلك المناطق، وهي كانت تنتظر الشكر والتقدير لا العكس. والغريب في الامر هو ان كلا الطرفين يلجآن للدستور كمرجعية تبرر وجهة نظره. وهذا هو الخطأ بعينه.


بعيدا عن كل هذا الشد والجذب، ينبغي الحديث عن شرعية انتشار الجيش داخل سياق آخر، وقبل ذلك يجب التأكيد على الابتعاد عن اقحام الجيش في الخلافات السياسية، هذا ان كان مايحدث من تصعيد خطير بين الاطراف المؤتلفة في الحكومة، صراعا سياسيا اعمق واكثر تعقيدا كما يبدو في الواقع، وان اقحام الجيش وذريعة بسط سيطرته، ليست سوى ورقة تستخدم في هذا الصراع لا اكثر ولا اقل.


اذا كان الامر متعلقا بهذا الصراع، فيجب عندها الاستفادة من هذه الفرصة والتأكيد على تحريم استخدام الجيش العراقي في الصراعات السياسية، والتشديد على بقاء المؤسسة العسكرية محايدة وبعيدة عن كل انواع هذه الصراعات في المستقبل. ويجب ان نثبت هذا المبدأ في قوانيننا وممارساتنا ونخلق الضمانات الكافية لحماية الجيش العراقي من محاولات توريطه في الصراعات الداخلية، ومن اية جهة كانت. في هذه الحالة يجب على قادة العراق باختلاف انتماءاتهم القومية والسياسية والمذهبية ان يتحلوا بقدر اكبر من الحكمة والشجاعة في آن واحد، ويعملوا على تحديد مواقع الخلاف والصراع بكل وضوح، وان يقرروا حلها عن طريق الحوار والاسس الدستورية، وبعيدا عن اقحام الجيش الاتحادي، وكل ذلك انطلاقا من المصلحة الوطنية العليا.
اما اذا كان السبب في الاصرار على دخول الجيش للمناطق المتنازع عليها بعيدا عن الصراعات السياسية كما يحاول البعض ان يصور الامر وكأن له علاقة بهيبة الدولة العراقية، فعندها يجب ان ننحي كل هذا الجدال والمماحكات جانبا ونركز على سؤال جوهري واحد. وهذا السؤال الجوهري الذي يبنغي طرحه هنا، هو: ترى ماهي مهمة الجيش بالتحديد؟ هل هي حماية الوطن من الاخطار الخارجية، ام هي استخدامه للقمع في الداخل؟ على هذا السؤال تترتب الاجابة الصادقة عن السؤال الاول حول حقانية دخول الجيش لتلك المناطق.


اذا تجرأ احد وقال، ان لنا حق استخدام الجيش في القمع الداخلي ولم تقم القيامة في العراق ومر كلامه هذا مرور الكرام - لاسمح الله - عندها يجب ان نقول على العراق السلام. ولا اظن ان احدا يجرؤ ان يدعو الى مثل هذه الممارسات الصدامية. اما اذا اتفقنا على ان مهمة الجيش هي حماية الوطن من الاخطار الخارجية وكما هو مقر في الدستور العراقي الدائم، وحددنا ان الاخطار الخاجية هي تهديد الحدود العراقية الدولية من قبل الآخرين، وخطر الارهاب المدعوم من الخارج، عندها يجب ان نتساءل حول تواجد هذه الاخطار من عدمها في المناطق المتنازع عليها وفي كل مدن وقرى كردستان العراق ايضا. وبما ان هذه المناطق آمنة ومحمية من هذه الاخطار، اذن ما الداعي لارسال الجيش اليها؟ وبهذه المناسبة يجب ان اكون صريحا واطالب دولة رئيس الوزراء المالكي بسبب سكوته عن قصف المناطق المدنية العراقية من قبل المدفعية الايرانية، لماذا لم يرسل القائد العام للقوات المسلحة العراقية الجيش لاستعادة المدنيين العزل الذين اختطفتهم قوات الحرس الثوري الايراني في منطقة ناحية ميدان التابعة لقضاء خانقين، وتمت عملية الخطف داخل الحدود العراقية؟ الم يكن من واجب الحكومة العراقية الوقوف بوجه الجيش التركي وهو يجتاح مناطق سفوح قنديل؟ ام ان هذه المناطق ليست جزءا من العراق؟ انا اتفهم وضع الجيش العراقي آنذاك واتعاطف معه في المحنة التي كان يمر بها آنذاك، ولم ولن اطالبه مافوق طاقته، وانتقادي هذا ليس للجيش بقدر ماهو للقائد العام للقوات المسلحة ودولة رئيس وزراء العراق الذين احببته وكتبت في دعمه عشرات المقالات.


اما اذا كانت ذريعة ارسال هذه القوات هي الحفاظ على الامن في تلك المناطق، فإن الكل يعلم بأن هذه المناطق هي اكثر مناطق العراق امنا، ثم هناك نقطة جوهرية اخرى، وهي ان حماية الامن في مدن ومناطق العراق، سواء في الجنوب والوسط او في اقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، هي مهمة قوات الامن المحلية وليس الجيش الاتحادي، ومادامت الاجهزة الامنية المحلية في تلك المناطق تؤدي دورها على احسن وجه ممكن، فإذن ماالسبب في دعوات ارسال الجيش اليها؟


لكي يكون الجواب على هذا السؤال عراقيا وطنيا وبعيدا عن كل انواع الانتماءات الاخرى، فإنني اطرحه كالتالي: ترى هل ان مهمة حفظ الامن في مدينة الديوانية او كربلاء المقدسة او صلاح الدين هي مهمة الجيش الاتحادي، ام مهمة القوى الامنية المحلية؟ واعتقد ان الجواب واضح وان من يقوم بهذه المهمة هي الشرطة العراقية وقوى الامن المحلية وليس الجيش الاتحادي، وهذا مايجب ان يحصل في الحقيقة والواقع. واذا كان الوضع هكذا، اذن هل يحق للجيش الاتحادي ان يعسكر في مدن الديوانية وتكريت والحلة، ام ان واجبه هو الانتشار على حدود العراق الدولية وحمايتها من الاخطار الخارجية؟ نفس هذا الكلام ينطبق على بقية مناطق العراق بما فيها كركوك وديالى والموصل وحتى اقليم كردستان، اما فيما يخص حماية حدود العراق الدولية من جهة اقليم كردستان فهذا موضوع آخر ويمكن ان اعود اليه مستقبلا.


خلاصة القول هو، ان على قادة العراق ابعاد الجيش الاتحادي عن الصراعات والخلافات الداخلية، واذا كان الامر متعلقا بهيبة الدولة وبسط سيطرتها على كل الارض العراقية فإن هذه ليست الطرق والاساليب المناسبة لتحقيق ذلك الهدف، والافضل هو احترام حيادية الجيش واستقلاليته والابتعاد عن توريطه في ممارسات تعيد الى الاذهان جرائم القمع الداخلي التي مارسها النظام السابق بواسطة الجيش المغلوب على امره.