لقد كان لمصر الريادة في العالم العربي دون أن تبحث عن هذه الريادة في جميع المجالات أثناء فترة التنوير في النصف الأول من القرن العشرين.. في السياسة و الأدب و الفن.. لقد كانت مصر في تلك الفترة هي قبلة كل العرب..قبلة من يريد أن يحسن مستواه الثقافي أو حتي الأقتصادي ومحور كل العالم العربي..

لقد كان لمصر الريادة في هذه الفترة دون أن تبحث عنها ولم يجادل أحد في هذه الريادة..ثم جاءت الفترة الناصرية و احتفظت مصر بريادتها و قيادتها للعالم العربي لمقاومة الاستعمار و التحرر من الهيمنة الأجنبية و استطاع عبد الناصر أن يملك و يسيطر علي قلب الشارع المصري و العربي.. هذه حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها رغم كل سلبيات التجربة الناصرية.. حتي أعداء عبد الناصر الذين كانوا ينازعونه الزعامة العربية لا يستطيعون أن ينكروا هذه الحقيقة.. لقد كانت لمصر تحت قيادته الريادة في العالم العربي في فترة المد القومي العربي ولكن بعد حرب 67..

لم يعد هناك أي مبرر للحديث عن الدور الأقليمي لمصر وقيادتها للمنطقة العربية.. لأن القومية العربية نفسها أصيبت في مقتل ولم تسطيع الصمود بعدها و لم تنجح حرب 73 في أحيائها و لا محاولات نظامي البعث في العراق أو سوريا و أجهض عليها السادات تماما بمعاهدة كامب دافيد و دفنها صدام حسين بغزوه الكويت..

فأي دور أقليمي لمصر يريده منا الآخرون او نريده نحن لأنفسنا.. فالحقيقة أنه لا توجد منظومة عربية ليكون لأي دولة فيها دور قيادي.. الحقيقة أن الدولة التي تقود هذه المنطقه الآن هي أسرائيل لأنها تملك القدرة علي الفعل و باقي الدول لا تملك ألا رد الفعل.. وهو رد فعل متخاذل ضعيف و هو انعكاس لضعف الحكومات العربية السياسي و تخلف الشعوب العربية حضاريا..لابد أن نعترف بالحقيقة لنبدأ الإصلاح..

أما إذا استمرأنا خداع النفس و دفن رؤوسنا في الرمال كما هي عادتنا دائما فلا أمل..أنني مضطر علي مضض أن أعترف أن عبد الباري عطوان علي حق عندما يقول أن مصر أذا أرادت أن تقود العالم العربي فهي يجب أن تكون قدوة لباقي الدول في الأصلاح السياسي و الديمقراطي الحقيقي و ليس فقط في محاولات التجميل الشكلية..

ومضطر أن أعترف أنه كان محقا عندما قال أن محور الرياض دمشق القاهرة لم يأت لباقي الدول العربية بأي خير في الثلاثين عاما الماضية.. من حق الدول العربية الصغيرة أن تبحث عن مصالحها فالكويت قررت و دون مواربة أن مصلحتها مع أمريكا و باقي دول الخليج الصغيرة قررت نفس الشيء دون أن تعلن ذلك صراحة. أما دول المغرب الغربي فقررت أن مصلحتها مع الفرانكفونية و أوروبا و ليبيا قررت حذو طريق الكويت.. أما مصر و سوريا و بعض دول الخليج فهم يدعون القيادة و يدعون مقاومة أمريكا و محاولة فرض الإصلاح وهم في الحقيقة لا يريدون ألا بقاء نظمهم الحاكمة أن كانت هذه النظم تدعي الثورية كما هو الحال في سوريا أو بحجة الأعتدال و الاستقرار كما هو الحال فى مصر و سواها .

الحقيقة أنه لن تكون هناك جامعة عربية فاعلة ألا إذا أصبحت جميع الحكومات العربية منتخبة وولاؤها الحقيقي هو لشعوبها و حينئذ سيكون لاجتماعات القمة قيمة حقيقية أما قبل ذلك فلن يكون هناك فرق أن اجتمعت القمة في قطر أو في شرم الشيخ أو في دمشق.. أو لم تجتمع أطلاقا وإن كانت هناك قمة مصغرة تجمع بين عدة زعماء... فهم في الحقيقة لا يستطيعون اتخاذ أي قرار مفيد دون ضوء أخضر من واشنطن او باريس أو حتي تل أبيب...

إن برنامج مثل ستار أكاديمي ينجح في اجتذاب العرب و يجمع بينهم أكثر من الجامعة العربية و اجتماعاتها ويهتم كل شعب عربي أن يكسب ممثله المسابقة.. فهذا المكسب هو دليل الريادة حاليا.. مثلما استطاعت لبنان أن تسحب البساط من تحت أقدام الجميع في مجال الفن والاعلام....فعن أي عالم عربي نتكلم و عن أي ريادة نتحدث و نجادل؟

يؤسفني و يحزنني أن أقول أن مصر في عام 23 و حتي 67 كانت أكثر تقدما و تحضرا مما هي الآن وكان يحق لنا أن نجاهر بدورنا الريادي في المنطقة.. أما بعد ذلك فنحن نعيش عصر السح الدح امبو وعصر أيمن الظواهري و عمرو خالد.. عصر روبي والليمبي وشعبولا..أما الريادة الحقيقية في هذه المنطقة من العالم فهي للأسف ليست لأي دولة عربية ولكنها لاسرائيل.. في كل المجالات سياسية كانت او اقتصادية.. فهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي يتمتع شعبها بديمقراطية حقيقية.. و يعرف كيف يعمل وينتج.. حتي السلاح الذي يقتل به نساءنا واطفالنا.. نحن الآن نعيش عصر التطرف الديني والتدين الطقوسي وعصرالفيديو كليب والتعري.. رغم مابينهما من تناقض.. أما العمل والانتاج والثقافة والادب والتنمية الاقتصادية والحضارية.. فهي أشياء لا تدخل من ضمن اهتماماتنا الآن.. والشباب الآن أصبح مثلهم الاعلي عمرو خالد.. أو عمرو دياب.. ومجلس الشعب المصري أصبح مكونا من دروايش الاخوان ومنافقي الحزب الوطني.. أما باقي الاحزاب والقوي السياسية فأصبحت مجرد كومبارس.. أسرع طرق للنجاح والشهرة الآن.. الدعوة الدينية او الفن..إلا قلة قررت أن تتبع الظواهري وتثبت ريادتها بتفجير نفسها والخلاص مما هي فيه ليتحفنا بعدها بشرائطه الريادية..فهل تبقي لمصر أي دور إقليمي أو ريادي في العالم العربي؟ لا داعي للإجابة.. فهي واضحة للعيان..حتي عمرو موسي أصبح ملطشة للجميع..


فعن أي ريادة نتكلم وعن أي منظومة عربية نتحدث..
نحن أصبحنا لا نجيد المقاومة ولا نجيد التفاوض..فمتي نعلن الاستسلام.. ومن سخرية القدر أن الزعيم الوحيد الذي عرف كيف يحارب وكيف يفاوض.. ليس من أجل المنظومة العربية..ولكن فقط من أجل بلده.. هو أكثر زعيم عربي اتهم بالخيانة.. و الزعيمين اللذان أتا لنا بالهزائم والاحتلال... عبد الناصر وصدام يمثلون البطولة في وجدان عالمنا العبثي.. تماما مثلما نعتبر من يأخذون الاطفال والنساء دروعا بشرية في تعاملهم مع جيش لا يهتم الا بأرواح شعبه.. أما نساءنا و اطفالنا فهم بالنسبة له مجرد..


عمرو اسماعيل