يخشى في إسرائيل على مستويات عدة من فكرة عدم قدرة الجيش الاسرائيلي على تدمير حركة حماس و كبح جماحه، لأن من شأن وضع كهذا أن يورط دولة اسرائيل في ما لا تريدها : إحتلال غزة و البقاء فيها لمدة طويلة. العملية العسكرية التي دخلت إسبوعها الثالث تلاقي صعوبات جمة من حيث التقدم البري باتجاه المناطق التي يتحصن فيها مقاتلي حماس و باقي الاذرع العسكرية للفصائل الفلسطينية الأخرى. إنها المناطق الأكثر كثافة بالسكان في القطاع، علماً أن قطاع غزة هو المنطقة الأكثر كثافة بالسكان في العالم، و تشكل خنادق بشرية بالنسبة الى حماس، إختراقها يعني إطالة آمد الحرب و سقوط المزيد من الضحايا، و احتمال وقوع جنود في الأسر. إسرائيل التي إستفادت من حماس في السابق في سبيل إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية و كسر شوكة ياسر عرفات الذي رفض التنازل للاسرائيليين عن حق العودة و حدود الدولة الفلسطينية و أجبر على الاقامة في مقره في رام الله، تريد الآن أن تجهز على حماس بعد أن أصبحت هذه الاخيرة عثرة في طريق التسوية السياسية للقضية الفلسطينية. فإذا نجحت إسرائيل في عمليتها العسكرية فإنها ستطلب من حماس في أية ترتيبات سياسية و أمنية قطع العلاقات مع إيران و الإلتزام بالنهج السلمي لحل الصراع العربي الاسرائيلي. لا يتوقع ان يخرج خالد مشعل من مخبئه في دمشق ليعلن هزيمته حتى ينهي الجيش الاسرائيلي معركته. المستوى السياسي الممثل في الثلاثي ( أولمرت باراك ليفني ) يعرف أن حماس تحارب دولة اسرائيل بالوكالة عن إيران. و بهذا الخصوص يمكن إعتبار ما سيتمخض عنها العملية العسكرية على أنه سيحدد صورة المنطقة في المستقبل المنظور، فإذا فشلت اسرائيل في تحقيق أهداف حربها على حماس فإن ذلك يعني إستمرار المخططات الايرانية في المنطقة من خلال دفع الجهات المحسوبة عليها في المنطقة الى المزيد من محاولات الهاء إسرائيل بمعارك جانبية تستنزف طافات الدولة العبرية و تقلص فرص المناورة أمامها، لهذا فإن الحكومة الاسرائيلية تولي أهمية قصوى لعمليتها العسكرية لأن من شأن كسر شوكة حماس و كبح جماحه، أن تكون بمثابة ضربة لإيران و أهدافها. هزيمة حماس، بالنسبة الى إسرائيل، يجب أن تدق نواقيس الخطر في طهران، بمعنى أن على سلطة الملالي أن تفكر من الآن فصاعداً ألف مرة قبل أن تدعو حماس الى إستفزاز إسرائيل، كما حدث مع حزب الله. نصر الله إعترف أنه لم يتوقع الرد الاسرائيلي في حرب تموز و إلا لما بادرت ميلشياته الى أسر جنديين اسرائيليين. ربما لم تنتصر إسرائيل عسكريا في حرب تموز و لكنها نجحت سياسيا عندما أسفرت نتيجة الحرب بقرار عن مجلس الأمن1701، و قضى بإبعاد ميليشيات حزب الله عن جنوب لبنان و إنتشار الجيش اللبناني و قوات تابعة للأمم المتدة على طول الحدود مع اسرائيل. زيور العمر*
تختبئ خلف قرارالحرب على حماس إعتبارات عديدة، بعضها مرتبط بالإنتخابات العامة في إسرائيل، و أخرى تتعلق بإيران. المثلث السياسي في إسرائيل توحد في شأن الحرب، و لكن كل ضلع فيه له رؤيته الخاصة حول كيفية إنهائها. وزير الدفاع إيهود باراك يفضل إنهاء حملة رصاص مصهور الآن مع إتفاق. ليفني مع إنهاءها من طرف واحد. بينما نجد أن أولمرت أكثر تحمساً لفكرة الحسم و لكن بعد إنتصار لا يحوم حوله أي شك. الإنتصار بالنسبة له بمثابة رد إعتبار للفشل في حرب تموز.باراك و ليفني لهما حسابات أخرى، سيتم إختبارها في يوم الإقتراع. باراك يفكر في إتفاق مجزي على أمل أن يسوقه على رؤوس الإسرائيليين باعتباره ثمرة عملية عسكرية ناجحة أشرف عليها بكفائة عالية، فيثبت من خلاله خصاله السياسية و العسكرية على حد سواء. بينما تحبذ ليفني الإكتفاء بما تم إنجازه الى حد الآن، لأنها تخشى من الفشل و إحتمال تورط الجيش في أوضاع لم تحسب لها جيداً.
إسرائيل رفضت تنفيذ قرار مجلس الأمن 1860 الداعي الى وقف فوري لإطلاق النار و الإنسحاب الفوري للجيش الإسرائيلي من غزة، و السبب هو محاولة الإستفادة من بعض الأيام لرؤية نتائج مشجعة، تساعد على إتخاذ قرار نهائي، يحسم إختلاف الرأي. و عندما سمعت حماس بقرارها، أعلنت هي أيضاً، أنها غير معنية، بذريعة أن أحد لم يستشرها. حماس تراقب، في إنتظار اللحظة التي ستباغت فيها القوات الإسرائيلية في الأزقة الضيقة، تكبدها أكبر عدد من الخسائر، و ربما تنجح في إختطاف بعض الجنود.
المعطيات تشير الى أن المعركة الحقيقية لم تبداً بعد. فمنذ اللحظة التي سيتقابل فيها الطرفان وجهاً لوجه في ارض المعركة، سيبدأ السياسيون في تسريع وتيرة التفكير بالخطوة التالية. في هذه الحالات تتراجع تزعة الخوف، و ينتفض نزعة التحدي و المجازفة. و إذا أخذنا بعين الإعتبار أنه كلما تقدم الوقت فقدت المبادرة المصرية و قرار مجلس الأمن مفعولهما و تصبح أطراف الصراع مع تحديات متزايدة و ضغوطات لا تقل حدة.
هزيمة حماس هو الممر الآساسي المؤدي الى مقر رئيس الحكومة، و لكن هل حسمت المعركة، و إستسلم laquo; العدو raquo;؟ مازال من المبكر الحديث عن النتيجة. نتنياهو صعد سلم الإستطلاعات و ضرب يده على صدره، عندما أخفق الجيش الإسرائيلي في تدمير قوة حزب الله في حرب تموز بالرغم من الدمار الهائل الذي خلفه في لبنان.
إسرائيل لم تنتصر بعد، و الدليل على ذلك، هو العدد الهائل من الضحايا بين صفوف المدنيين من أطفال و نساء. ليس الأمر صدفة أو خطاً من قوات الدفاع الجوي الإسرائيلي، و إنما هو الخوف من الهزيمة. التفكير المفرط في فشل حرب تموز وفق الإعتبارات السياسية و العسكرية الإسرائيلية يشل المستويين السياسي و العسكري في إسرائيل على تحديد الأهداف، فما تزال فكرة laquo; الحسم raquo; العسكري مغيباً عن أجندة الحكومة الإسرائيلية، و الحسم هنا يعنى به وقف الحرب و فرض شروط بناء على ما تحقق في أرض المعركة. رفض إسرائيل لوقف إطلاق النار كما طالب القرار 1860 يعني أن ما تحقق الى حد الآن لا يكف لفرض شروط مثالية لدولة إسرائيل. حماس ما تزال قادرة على إطلاق الصواريخ على أهداف مدنية إسرائيلية، في أنتظار توغل أعمق للجيش الإسرائيلي في غزة.
العملية الإسرائيلية التي بدأت منذ إسبوعين تدار بعقلية تدعو الى التدمير، إي إستهداف أي هدف يشتبه إختباء أو تحصن مقاتلي حماس و باقي الفصائل الفلسطينية فيه، و يبدو من أعداد القتلى بين الأطفال على وجه الخصوص أن إسرائيل قد تواجه الإدانة بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي سيساهم في مزيد من السخط و الأمتعاض الدوليين. و ما يقال على مستوى الرأي العام الشعبي في العالم، يقال على المستوى الرسمي، فحتى حلفاء إسرائيل كالولايات المتحدة الأمريكية لم يكن بمقدورها إستخدام حق الفيتو لمنع إستصدار القرار الأممي 1860 نتيجة للعدد الكبير بين صفوف المدنيين الفلسطينيين جراء القصف الجوي الإسرائيلي، فضلاًعن الحرج الذي يشعر به حلفاء امريكا في المنطقة من إستمرار المعارك و إستهداف المدنيين أمام شعوبها، فكلما تواصلت المعارك، وإتسعت رقعتها، إزدادت معها الإتهامات الى العديد من الزعماء العرب بالتورط في المخطط الإسرائيلي.
- آخر تحديث :
التعليقات