من يتتبع أخبار مؤتمرات أمة العرب في الأرشيف من صولات وجولات وقيامات وقعودات جامعتها العربية، منذ تأسيسها في مارس 1945، سيلحظ أن العربَ؛ عرب الإجتماعات والمؤتمرات والقرارات والغضبات والنكسات والنكبات، أمةٌ طارئةٌ وغير عادية، بإمتياز.

فحسبما يشهد ويقول الربع الأخير من عمر الجامعة العربية، التي يمكن تسميتها بquot;منتدى الدول العربيةquot;، ويخبرنا أرشيف مؤتمراتها، منذ مؤتمرها الغير عادي، المنعقد في المملكة المغربية بتاريخ 07.08.1985 إلى قمة دمشق الأخيرة، العام الماضي(28.03.2008)، فأن أمة العرب الممثلة بجامعتها، قد اجتمعت إلى بعضها، في نصف مؤتمراتها، خلال هذه الفترة، أي ثماني قمم متتالية(كدزينة واحدة، دون أن تفصلها قمة عادية واحدة) من أصل ستة عشرة قمة، في حالاتٍ طارئة وغير عادية.

وفيما لو نجحت الجامعة العربية في عقد قمتها الأخيرة التي كان من المزمع عقدها بشأن غزة القتيلة؛ غزة المبتلية بسلاح وإيديولوجيا وأجندات خارجها الquot;فوق فلسطينيquot;؛ غزة الملعوبة بها من quot;أسد دمشقquot; إلى quot;ملالي وفقهاء قمquot;، كان نصيب أمة العرب في الطارئ من مؤتمرات quot;جامعتها الطارئةquot;، سيزيد عن النصف، خلال ربع قرنٍ من عمرها العربي الطارئ.


إلا أن عدم اكتمال النصاب القانوني لعقد القمة الطارئة تلك، قد حال دون حدوثها، ما أدى إلى انشطار القمة quot;الموحدةquot; المرتجاة، والمأمول فيها، إلى قمم، وتبعثر غزة في الخطاب العربي الرسمي، تالياً، إلى quot;غزاتquot;: غزة قمة الرياض، وغزة قمة الدوحة، وغزة قمة الكويت الإقتصادية.

وعلى الرغم من أنّ quot;غزة الطارئةquot;، هي العنوان العريض لهذه القمم المتشظية الطارئة الثلاث(ناهيك عن قمم الشوارع)، إلا أنّ الواضح، هو أن quot;غزة الرياضquot;، هي ليست كquot;غزة الدوحةquot;، وهاتان الغزتان ليستا كquot;غزة الكويتquot;، هذا فضلاً عن أن غزة في رام الله، تختلف جداً عن غزة في غزة.


أما quot;غزة دمشقquot; المتحالفة مع quot;غزة طهرانquot; ضد quot;غزة فلسطينquot;، فهي غزاتٌ باتت فخاخها السياسية والإستخبارتية(من الحرس الجمهوري السوري إلى الحرس الثوري الإيراني)، معروفةً لكل من يفك الحرف في السياسة وأخواتها.

كلٌّ يغني، إذن، لغزته، ويبكي على دمها، بطريقته العربية الخاصة، ويشرب في حزنها، قهوته المرة العربية، أيضاً، على طريقة خيمته السياسية الخاصة.

لا شك أنّ هذه ليست المرة الأولى، التي quot;يتفق فيها العرب أن لا يتفقواquot;. فهم، طيلة زمانهم العربي من المحيط إلى الخليج، اعتادوا في اتفاقهم على quot;اللاإتفاقquot;، وفي وحدتهم على quot;اللاوحدةquot;، وفي قرارهم على quot;اللاقرارquot;، حتى بات quot;اللاعاديquot; في قيامهم وقعودهم الرسميَين والشعبيَين معاً، هو القاعدة quot;الذهبيةquot; العربية الواقعة والمتوقعة، فيما quot;العاديquot; فيهم ومنهم، لا يمكن أن يكون إلا استثناءً.

فالعادي من العرب العاربة والمستعربة، هو أن يكونوا أمةً quot;غير عاديةquot;(كمؤتمرات جامعتهم الهرمة)، وأمةً مقترنة بquot;لاquot; كثيرة مع كل ما يمكن أن يكون عادياً، على مستوى الأمم المتقدمة الأخرى.

فالعادي، في قاموس الأمم المتطورة، هو أن تتفق الأمة فيما بينها، وتتحدد، وتتحرر، وتقرأ وتتعلم وتعلّم، وتعمل، وتصنع الحياة والحرية والديمقراطية والمساواة، وتنجز الإنسان، وتنظر إلى الأمام، وترتقي إلى الأعلى، وتترك الأرض للإنسان والسماء لله، وتفك أسر الدنيا في الدين، وتعيش وتترك الآخرين يعيشون...إلخ.


أما العادي في قاموس أمة العرب(التي أخرجت كخير أمةٍ للناس)، فهو أن لا تتفق فيما بينها، ولا تتحد، ولاتتحرر، ولا تقرأ(وهي أمة إقرأ) ولاتتعلّم ولا تعلّم، ولا تعمل، وتصنع الموت واللاحرية والديكتاتورية واللامساوة، وتخرّب الإنسان، وتنظر إلى الوراء، وتنزل إلى الأدنى، وتخربط بين الأرض والسماء، وتجعل من الدنيا ديناً ومن الدين ديناً ودنيا، وتحشر الدين في الدنيا وتسجن هذه الأخيرة في غيتوهات السماء، وأن لا تعيش ولا تترك الآخرين يعيشون..

هكذا أصبحت اللاعاديات والطوارئيات من خصال أمة العرب العادية، حتى أصبحت القاعدة على مرّ الزمان والمكان العربيين، هي الإستثناء، والإستثناء هو القاعدة.

العرب، كما يقول الراهن الطارئ منهم، أمةٌ طارئة بإمتياز: تتفق وتختلف طارئةً؛ تحكم وتُحكم، وتستحكِم وتُستحكم طارئةً؛ تأمر وتؤمر، وتأتمر وتؤتمَر طارئةً؛ تصرخ وتصمت طارئةً، تغضب وتهدأ طارئةً؛ تنزل إلى الشارع وتخرج منه طارئةً؛ تندد وتشجب، وتصمد وتتصدى وتتعاضد وتتحالف، ثم تندحر وتنتكس وتنتكب وتتفرّق طارئةً؛ وتعيش وتموت طارئةً.

العرب أمة الطوارئ، في quot;عالم طارئquot;، لا يعلم سوى الله، كم من زمانٍ طارئ، سيستغرقهم.


هوشنك بروكا


[email protected]