-1-
بين الإعتدال والجبن.. بين التواضع والضعة.. بين العدل والظلم.. خيط رفيع..!
إعتدال السلوك يعبر عن إثنين لا ثالث لهما..إعتدال حقيقي قائم على وعي وعلم وسلام داخلي وإيمان حقيقي ورؤية إنسانية شمولية وقرءاة متمعنة متمرسة لحركة الواقع.. تفضي جميعا إلى إعتدال المزاج والإستمتاع بالسلوك المعتدل، أو إعتدال زائف قائم على الضعف والخوف والرهبة من السلوك الجريء الشجاع القادر على لجم القوة الباغية وإيقافها عند خطوط حمراء هي بالنسبة للمعتدل حيوية ضرورية لحفظ ماء وجهه.. كرامته.. إلتزاماته الأخلاقية صوب قومه وأهله ورعيته.
إبان فجر الرسالة (والرسالة تشكل الخلفية الثقافية المدّعاة لدى جلّ ولاة الأمر العرب)، إبان فجرها قاتل الرسول يوما بثلة صغيرة وأنتصر، وفي مرّة اخرى تعاهد مع قريش على هدنة لعشرة اعوام وأنتصر.
تجربة جديرة بالإعتبار.. إعتدال حين يكون الظرف مناسب له، وردّ حازم حاسم حين يكون أوانه قد آن.
في حالتنا السياسية الراهنة.. حالتنا الفريدة من نوعها في العالم كلّه من حيث أن الحاكم العربي عندنا لا زال هو حامل مفاتيح بيت المال لدرجة يُفتقد فيها التمييز بين ماله الشخصي المتأت من عرق جبينه وبين المال العام.
وفي حالتنا الراهنة النشاز من نوعها في عصر ما بعد غزو الفضاء، يتفرد حاكمنا العربي الكريم عن كل زملاءه حكام العالم من حيث إمتلاكه لمفاتيح كل السلطات.. القضائية.. الفقهية.. العسكرية.. القبلية.. التربوية.. ال وال وال..!
في حالتنا الراهنة النشاز التي تعود حتى إلى ما قبل الإسلام بعقود عديدة.. هل إن حاكمنا العربي الجدير بالإحترام معتدل السياسة حقا عن قوة وإيمان وسلام داخلي وإنسجام نفسي وإجتماعي؟
أم إنه مكره أخاك لا بطل؟
فإن كان الأول فهنيئا له ولنا بإعتداله، وقطعا عبر عشرات السنين من الإعتدال نكون اليوم رافلين بأثواب عزّ ما بعده عزّ وتطورٌ في كل المجالات ما بعده تطور، ومهابة وإحترام من العالم كل العالم صغاره وكباره.
فهل نحن كذلك، وهل قضايانا المصيرية الداخلية في اوطاننا أو الخارجية في الإقليم حولنا قد حسمت لصالح العدل (ولا نقول لصالحنا)؟
وإن كان إعتداله لم يؤتنا بشيء البتة فما سر التمسك به وإلى اين المآل وماذا ننتظر؟
-2-
المقدمات الخاطئة لا تفضي البتة إلى نتائج صائبة.
الأساس غير السليم لا يمكن أن يستقر عليه بنيان قوي متين.
ما يبنى على الرمل لا يدوم طويلا، بل تهده ابسط العواصف وأضعف الأمواج.
وإذن.. وحيث أن النظام السياسي العربي فاسد، فإن كل ما يقوله إعلامه، وعاظه، رموزه العسكرية والسياسية عن الإعتدال والمنطق والأخوة والحق والصواب والعدل والإيمان والفضيلة ووو.. كله زائف فاسد لا يؤبه ولا يعتد به ولا ينبغي أن يؤخذ على محمل الجدّ البتة...!
حيث أن النظام السياسي العربي فاسد.. متخلف.. ظالم.. فإن إعتداله المُدّعى.. هو إعتدال زائف يعكس حاجات النظام الحيوية للحفاظ على حياته.. ذاته.. كينونته المتخلفة، ولا يعبر البتة عن عدل وقوة ولا يعبر البتة عن حاجات الناس.. المجموع.. الأسرة الوطنية الكبيرة التي يفترض أن يكون الحاكم أمينا على مالها وكرامتها وسمعتها وإحتياجاتها الروحية والنفسية و.. المادية.
-3-
حين ترهلت الدولة العثمانية وأنتشرت في جسدها الأمراض والعلل.. فساد ورشاوى وخيانات وإختراق واسع للأجانب وتخلف واسع عمّ كل الجوانب وهزائم متلاحقة على جبهات الحروب.. كان لا بد للتداعي أن يتوقف.. بيد الأتراك لا بأيدي غيرهم.
هبّ اتاتورك لإيقاف التداعي.. حقق آخر إنتصارات الترك العسكرية وأعاد تحرير اراض إحتلها اليونانيون إبان ضعف الإمبراطورية.. ثم عكف على الإصلاح الداخلي مبتدئا بالمدرسة والنظام الثقافي..
اصلح حال بلده وأعادها إلى الواجهة دولة قوية عزيزة بثقافة جديدة ونهج جديد.. نهج وطني خالص.. متناسب مع العصر.. عصر الدولة الوطنية.. دولة القرن العشرين لا الثالث عشر..!
-4-
لم نسمع يوما عن إسرائيل أنها قاتلت بمرتزقة أمريكان أو جنوب افريقيين أو أو أو...!
لم نسمع عن الهند في حروبها مع باكستان أو عن الأتراك في حروبهم مع اليونان أو عن الروس في حربهم مع الألمان.. أنهم قاتلوا بمرتزقة..!
لكننا سمعنا.. لا بل شهدنا العرب يقاتلون بالمرتزقة.. بالأعوان..!
السوريون قاتلوا باللبنانيين.. عربٌ آخرون قاتلوا بالعراقيين سنين عديدة.. وفي مرّة بل مرّات اخرى قاتلوا بالأمريكان.
وقبل ايام عبرّ احد الكرام من اقلام السلاطين عن حلم تحرير فلسطين على يد الإيرانيين...(حسنا إن كان السيد نجاد مستعد لتحرير فلسطين فليأت ويحررها على الرحب والسعة)...!
لماذا العربي.. الحاكم العربي يقاتل بسيوف ودماء غيره، بينما يهب هو إلى النجدة بالمال وعلى إستحياء، ويعلم الله ماذا يضمر في قلبه.. (ربما يقول لنفسه إن صابت عاد لي خيرها وإن فشلت كفاني المال شرّها وشرّ من فعلوها)..!
لماذا؟
لأن الحاكم العربي... لا يملك قضية في واقع الحال.. ليس لديه ولا حتى قضية شخصية (كإعتبار ذاتي مبالغ فيه مثلا ووهم عظمة وإمتلاك رسالة كحال صدام حسين مثلا)..!
الحاكم العربي مسطح.. هلامي الشخصية.. لزج.. دبق... مراوغ.. مفلس.. ينظر للحكم على أنه إمتياز مادي.. لا وظيفة ولا رسالة ولا واجب..!
نعمة مادية يجب صيانتها بالخدمة الأمينة لمالك امرها وكاتم سرّها والمحرك لخيوطها من خلف الكواليس..!
ربّ النعمة الأمريكي.. الأمريكي حسب.. ولا مزيد..!