عندما تجد نظاما للحكم يجمل الإعلام غير الوطني صورته، فإشتم منه رائحة الدكتاتورية العفنة.. ولدينا الآلاف من التجارب والشواهد لتأكيد ذلك، أوضحها بالنسبة لنا نحن العراقيين هي محاولات نظام صدام حسين الدكتاتوري الذي صرف أثناء عهده بلايين الدولارات من خزائن الدولة لشراء ذمم كتاب ومثقفين عرب، ما زال بعضهم يفي بتلك النعم والهبات الصدامية المسروقة من أفواه أطفال العراق، فلا يتحرج بالترحم على ولي نعمته رغم أنه نال قصاصه الرباني العادل جراء ما إقترفت أياديه من جرائم وحشية وهمجية ضد أبناء الشعب العراقي، وهناك من يحن الى أيام عزه في ظل خيرات ذلك النظام الدموي ومراسيم الإستقبال والضيافة والرعاية التي كان يلقاها من مسؤولي ذلك النظام ومؤسساته الإعلامية!!.
وفي دولة ورثت سياسة إعلامية ممسوخة ومعوجة، وفي ظل تربي معظم سياسيينا الحاليين في كنف نظام دكتاتوري فاشي لأكثر من خمسة وثلاثين عاما وتشببهم على تلك الثقافة الفاشية، فمن الطبيعي أن نلحظ آثار تلك الثقافة بادية ومتجذرة في عقول الكثير من من هؤلاء الساسة، ولتأكيد هذا الطرح قد تبدو تجربة إمتلاك وسائل الإعلام الخاصة من الصحف والمطبوعات باسم الأحزاب والكتل السياسية أمرا طبيعيا، أضف إليها تأسيس فضائيات عراقية بهذا الكم الهائل أيضا بهدف تجميل صورة تلك الأحزاب والشخصيات والكتل السياسية المالكة لتلك الفضائيات في الوسط العربي.
ولكن مع ذلك هناك من لا يشبع من كل ذلك لإرضاء مركب النقص عنده، فيلجأ الى صرف أموال الدولة الطائلة المتوفرة أمامه من دون حسيب أو رقيب لشراء ذمم بعض المثقفين والكتاب والصحفيين في أرجاء العالم، خصوصا وأنه في راهن العراق أصبحت أموال الدولة غير خاضعة لرقابة الشعب، بما فيها إقليم كردستان..
بعد سقوط النظام السابق ومع إنهمار مليارات الدولارات سنويا على رؤوس حكومة الإقليم، بدأت قوافل المثقفين والصحفيين والكتاب والشعراء الذين يتبع أكثرهم الغاوون بالتوافد على الإقليم الذي كان المثقفون العرب في عهد صدام يصورونه كـquot; بؤرة إنفصالquot; وquot; خنجر في خاصرة الأمة العربية quot;، ولكنه تحول اليوم في كتابات هؤلاء المثقفين والصحفيين وبقدرة قادر، الى جنة الله على الأرض يتنعم فيها الشعب بالرفاه والسعادة ولا ينقصه شيء لا من الخدمات ولا من وسائل العيش المرفهة، حتى أنني تذكرت عندما كنت أقرأ تلك الكتابات تهكم الزعيم عادل امام في مسرحيته الخالدة quot;شاهد ما شفش حاجةquot; عندما سمع باسم الرئيس فهتف قائلاquot; فكوا الحزام فكوا الحزامquot;!!.فلو صحت كتابات هؤلاء المرتزقة العرب من جوقة المثقفين والصحفيين المأجورين، وهي غير صحيحة بطبيعة الحال،فإن الشعب الكردي يكون اليوم قد وصل بإقليمه الى مستوى من رفاهية العيش بما يفوق إمارتي دبي وموناكو معا، ولكن الذي لا يعرف حقيقة الوضع فأن معظم أحياء مدن كردستان مازالت تعاني من الظلام الليلي الحالك بسبب النقص الشديد في تجهيز الكهرباء، ومن واقع مزري للخدمات، ومن أدنى مستويات المعيشة التي تصل الى خط الفقر بالنسبة للكثيرين، ومن معاناة شديدة الوطأة مع أزمة السكن، ومأساة كبيرة مع فساد الذمم المستشري في أوصال الحكومة والتجار والأحزاب؟؟!!.
قبل فترة قصيرة إلتقيت في مناسبة خاصة بمسؤول إعلام أحد الحزبين الحاكمين في كردستان، فعاتبني كثيرا على مقالاتي الإنتقادية في جريدة quot; إيلاف quot; والتي وصلت الى حدود 350 مقالا معظمها تدور حول موضوع الفساد المستشري في إقليم كردستان كالسرطان. فقلت له quot; أنني لم أكتب مقالا إنتقاديا ضدكquot;. فقالquot; أنا لا أقصد نفسي ولكنك تكتب عن فساد حكومة الإقليم فتنشر بذلك غسيلنا القذر أمام الرأي العام العربي من المغرب الى المشرق فتشوه بذلك صورة شعبنا أمام الآخرين quot;؟؟!!!!!!!.
أجبتهquot; أيها الرفيق العزيز أنا أكتب عن فساد موجود ومتجذر على الأرض، والشعب الكردي لم يقدم كل هذه التضحيات الجسيمة لتأتي شرذمة صغيرة تتحكم بمقدراته، إنهوا هذا الظاهرة المشينة عندها سأكف عنكم قلميquot;.
وقد إستغربت من عتاب هذا الصديق الذي يقود المكتب الإعلامي لأحد الحزبين الحاكمين،لأنني في الحقيقة أشك في صدقية مشاركة حزبه الفعلية في الحكومة الإقليمية quot;الموحدة quot;؟! اللهم إلا مشاركته في قضم حصتهم من سرقات أموال الشعب!..
قبل أشهر نشرت مجلة quot; لفين quot; الكردية بعددها المرقم 75 في 15 أيلول 2008 في صفحتها الأخيرة خبرا عن تخصيص قطعة أرض سكنية بمساحة 450 متر مربع في حي الوزراء الراقي في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان الى أحد الصحفيين العراقيين العاملين في صحيفة عربية يومية تصدر في لندن ولها مكتب في بغداد. وبحسب المجلة فإن هذه المكرمة جاءت ثمنا لإجراء مقابلة صحفية مع رئيس حكومة الإقليم نشرتها الصحيفة في وقت لاحق، والتي حاول فيها الصحفي المذكور أن يمدح كثيرا شخصية رئيس الحكومة بحسب المجلة الكردية. وللتذكير فقط فإن أحد صحفيي مجلة quot; لفينquot; وهو الشهيد الصحفي سوران مامة حمة أغتيل قبل عدة أشهر بشكل مشين في حادثة مدبرة أحدثت ضجة عالمية بسبب نشره موضوعا عن فساد أخلاقي في محافظة كركوك تورط فيها عدد من المسؤولين الأكراد المحليين؟!.
بمقابل تلك المكرمة السلطانية تحاول نقابة صحفيي كردستان منذ فترة طويلة أن تحصل على مجموعة من قطع الأراضي السكنية لتخصيصها للأسرة الصحفية في كردستان، وقدمت لذلك قائمة تضم أسماء 180 صحفيا كردستانيا مستحقا للحصول على قطعة أرض سكنية، ولكن الحكومة تتلكأ وتتماطل في تخصيصها لإنقاذ عوائل هذه الشريحة المهمة من معاناتها اليومية مع أزمة السكن الخانقة في كردستان، رغم أنه من المعروف في العادة، فإن قطع الأراضي التي ستخصص للمواطن الكردي العادي للسكن لن تكون بأية حال في حي الوزراء بالعاصمة، ولكن مع ذلك فإن مجرد منح قطعة أرض لصحفي دخله محدود سيفي بالكثير من الغرض لإسعاد عائلته..
إن الصحفي العراقي الذي حصل على تلك الهبة السلطانية مقيم في لندن ومتجنس بالجنسية البريطانية وهو يدير قسم شؤون العراق في الصحفية ويتردد بين فترة وأخرى الى العراق وكردستان لملاحقة المسؤولين فيهما والإرتزاق منهم، وقد صادفته مرة وهو يزور شخصية سياسية كبيرة في بيته بأربيل بساعة متأخرة من الليل، وهو قيادي بارز في الحزب الآخر الغريم لحزب رئيس الحكومة، وهذا يدل أنه يقبض باليدين من هذا وذاك، وبالعربي الفصيح فإنه quot; يستكردنا ويأكل برأسنا كروديا quot;؟؟!!.
على كل حال فإن القانون العراقي فيما يتعلق بضوابط تخصيص قطع الأراضي السكنية قد حدد شروطا صارمة وواضحة، ومن أول شروط التخصيص هو أن يكون المستفيد عراقي الجنسية وأن يكون مسقط رأسه في نفس المدينة أو المنطقة التي ستخصص له قطعة الأرض، فلا يجيز القانون العراقي لمواطن في بغداد أن يحصل على قطعة أرض سكنية في البصرة، وهكذا، أما الصحفي المذكور فهو من سكان بغداد أسقط جنسيته العراقية وتجنس بالجنسية البريطانية، وفوق كل ذلك فهو لا يحتاج الى قطعة أرض سكنية في أربيل لا من الناحية المادية، ولا من ناحية أخلاقية المهنة خصوصا وأنه يعمل في جريدة تسمى نفسها بجريدة العرب الدولية؟؟!.
قبل الختم، أود أن أشير الى أن معظم الأحزاب الكردية الصغيرة وهي بمجملها متحالفة مع الحزبين الحاكمين يشتكون من الضغط المادي الشديد التي تمارسها الحكومة عليهم، وقد إلتقيت بقادة أحد هذه الأحزاب قبل أيام فحدثني بمرارة بالغة عن الضغط الهائل الذي يتعرضون له جراء الميزانية الصغيرة المخصصة لهم والتي لا تتجاوز 300 ألف دولار، مما يحول بإعتقاده دون تطورهم التنظيمي، وتمكين أحزابهم من العمل لتحسين أحوال أعضائهم ومؤيديهم من الناحية المعيشية لكي يبذلوا جهودا أكبر على طريق إنشاء قوة معارضة حقيقية داخل إقليم كردستان،مشيرا الى أن معظم أعضاء ومؤيدي هذه الأحزاب الصغيرة لا يجدون أمامهم سوى ترك أحزابهم والإنضمام الى الحزبين الحاكمين اللذين يمسكان بمقادير الإقليم..ونوه هذا القائد الحزبي بتبرم يغلبه الحزن والأسف الى تلك الهبات والمكرمات التي تصرفها حكومة الإقليم على عدد من الفنانين والفنانات والتي تفوق مبالغها ميزانيات الكثير من الأحزاب المتحالفة مع الحزبين الحاكمين؟؟!..
هذا غيض من فيض ما يحدث اليوم في كردستان من فساد للذمة وتنكر لكل القيم النضالية والوطنية مقابل تجميل صورة البعض ممن يتحكمون بمقدرات هذا الشعب المسكين..
نعم... لقد أصبحت مغنية الحي لا تطرب
فتكالبت أقلام المرتزقة على هذا الحي
البراق كالنجم الساطع من الخارج
والمنخور الى حد العظم في الداخل