التقرير الذي نشرته أيلاف بتاريخ 5 شباط فبراير 2009 الذي كان عبارة عن لقاء أجراه الصحفي عبد الرحمن الماجدي مع القاضي رحيم العكيلي رئيس هيئة النزاهة في العراق يحتاج الى وقفة تأمل من الأوساط الحكومية والشعبية المسؤولة، كما تتطلب نظرة فاحصة لمعالجة ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل والجدية والتعقيب.
فالتقرير في هذا اللقاء، تطرقَ الى علل الفساد الأداري والمالي و التزوير وطرق معالجتها كما وردتْ في أجابات رئيس هئية النزاهة في العراق.
وبدايةً، وبقدر ماأشار اليه السيد الماجدي بأسئلة مُحددة و كفاءة صُحفية شجاعة، بقدر ما كانت أجوبة القاضي، تأكيد على أنتشار الفساد في عروق الدولة كلها. بكلمة أخرى أن المقابلة الصحفية أدتْ دورها وأتفق الطرفان على نقاط الأختلاف. فالسائل أبرز أموراً تهم المواطن العراقي وتتطلب المراقبة والمعالجة السريعة، والمُجيب (دون وضعه في قفص الأتهام ) أدانَ المؤسسة العراقية وأتفقَ تماماً بأن أمور الفساد تتطلب التدقيق، المراقبة، والمعالجة. فأذا كان الماجدي قد أشار تماماً بمسؤوليته الاعلامية الى هذه العلل الأجتماعية وأتفقَ معه رئيس هيئة النزاهة العراقية بأنها فعلاً علل تتطلب المعالجة، فهل ذلك يعني أتفاقاً أدبياً تمَّ تخصيصه، لأراحة الضمير أو عدم توفر الدواء اللازم للعلاج الفوري؟ هل أن ذلك يعني أننا بصفة (السائل والمُجيب أستوفينا الموضوع حقه)...دعنا ننتقل الى هموم أخرى أم أن معالجة الأفة الأجتماعية التي تضرب كيان الدولة ستكون قريبة!!!!
فبالأضافة الى الصدمة التي أوضحتْ لنا جميعاً بأن ( كبار المسؤولين في الدولة يحددون رواتبهم بأنفسهم الآن، ولم يتم تطبيق ما ورد في الدستور العراقي من تشريع قانون في مجلس النواب) أود أن أنقل أجزاءاً من نصِّ ما تمَّ خلال المقابلة، فربما في الأعادة أفادة :
ـ هل تظن أن ضغطاً من الكتل السياسية تعرضت له مفوضية الانتخابات؟
الجواب : لا ادعي ذلك. وقد يتم الكشف عن المزورين من قبل المفوضية بعد اعلان النتائج.
ـ لكن ذلك لن يضر الكتل السياسية حيث ستنتقل أصوات المرشح المزور شهادته لزميل له وتكون الكتلة استفادت من التزوير.
الجواب : نعم ممكن ذلك. لكن نحن من جانبنا لن نقف عن متابعة اي مزور لشهادة من المرشحين وسنطالب كل فائز بتاريخه التعليمي بان يقدم آخر ثلاث شهادت دراسية واذا ثبت أن أي واحدة منها مزورة تكون بقية الشهادات الأخرى غير قانونية. ونحن نقوم بهذا العمل لنمنع ماحصل في الانتخابات السابقة حيث عانت المحافظات من تزوير شهادات اعضاء مجالسها. واود ان اشير بهذا الجانب بأن مايحصل خاصة في الاعلام هو ترويج أو توثيق للاشاعة وتحوليها لتهمة دون ادلة. كما ان المسؤول العراقي في موضع شبهة دائماً بسبب المسؤولية التي يتقلدها والصلاحيات الممنوحة له. فيقوم من يتعرض للنقل او العقوبة من قبل المسؤول إلى الاتهام بدون دليل او الاستناد على واقعة صغيرة وبناء وقائع كبيرة وهمية عليها. ونحن مايهمنا هو التعامل مع الواقعة مع وجود الدليل.
أتوقف هنا للصدمة التي أصابتني من هذه المصارحة، وأظن أنه لايستطيع أي منا توجيه تهم جديدة أو أبراز دلائل جديدة، لأتخاذ أجراءات تحقيق شامل عما يجري في العراق. وكما نعلم قضائياً أنه لاتؤخذ جريرة الكل بجريرة الجزء، ولانستطيع تعميم حالة الغش والفساد والتزوير، كما أن بعض الشك أثمُ. فالنية أذن يجب أن تتجه الى كيفية تناول هذ الحالة التي تبدو مستعصية دون وجود مفوضية أجنبية للانتخابات، كما هي حالة مستعصية للمسؤول عن هيئة النزاهة وأيجاد الدواء لتلافيها.
في خضم الأحداث الدائرة في العراق اليوم يقول رئيس هيئة النزاهة في العراق القاضي رحيم العكيلي وبكل صراحة مؤلمة (معركتنا مع الفساد طويلة وكبيرة. ونحتاج لجهود كبرى ونوايا خالصة وارادة سياسية. وللاسف ما زال عدد الذين لديهم الارادة والنية لذلك قليل. بل يحمي كثيرًا من السياسيين الفساد اليوم في العراق ).
أن خبراً كهذا يهزُّ مؤسسة حكومية بكاملها في بلدان متحضرة أخرى، ويُقدم المسؤولون الى القضاء للمساءلة القانونية دون مواربة أو مجاملة أو تردد. وفي دول تلتزم بالقانون يقوم فيها ديوان الرقابة المالية بالتدقيق ومراجعة الجداول المالية وأجراءات صرف الرواتب والأجور للجميع من رئيس الجمهورية الى أصغر منتسبي الدولة.
وتتبعُ الدول المتحضرة في مكافحة الفساد المالي والسرقات التي تغزو مؤسساتها، نظم الملاحقة الأدارية والمالية والقضائية وتمارس المحاكم صلاحياتها وفق أستقلالية تامة ومنهج يُعرَف: Check amp; Balance. ومنهج مراجعة للبيانات والشيكات والعقود الموقعة عند أجراء التحقيقات ومتابعة خيوط سير الأموال وأنتقالها من مصدرها الى آ خر مستلميها Follow the money trail.
ومن ألأجابات المتعثرة والصريحة للقاضي العراقي، يبدو أن الطرق الأجرائية والقضائية للمحاكم العراقية يجرفها تيار غير مفهوم في ظل النظام الفدرالي السائد في المحافظات العراقية ودور الحكومة المركزية ولجان التدقيق المالي أِن وجِدَتْ. لقد أورد القاضي العكيلي وأشارَ ( كمسؤول رسمي في الحكومة العراقية ) الى صور وأسماء يمتلكها جهازه ولكنه متردد في سوقها الى محاكم تحقيقية لتحديد التهمة عنواناً ونصاً، وهي الحلقة المفقودة من نصيب المصارحة وأستمرارية للضرر العام.
ذلك يعني أننا نعيش حالة تعميم الأشاعات رسمياً دون أتخاذ أجراءات قضائية شُجاعة وصارمة بالملاحقة والأدانة وتطبيق سلطة القانون والأصلاح المالي والمصرفي والقانوني. كما أن الأشارة بحد ذاتها، الى ما يجري من خلط بين أختصاصات المحاكم وصلاحيتها يضع الكثير من الزيت على النار ويعمق من الأزمة القضائية، وهي مؤشر للانقسام العميق في تطبيق العملية الديقراطية وتحديث الدولة. فأين مبدأ الملاحقة القانونية؟ وهل تعني مصارحته واجاباته، أن النخب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المسيطرة لاتطالها يد القانون وتستطيع التخفي وراء صفاتها الرسمية؟
لقد أوضح هذا اللقاء، أن هناك حلقة مفقودة عن للفساد المزمن من شأنها أن تبقى وتستمر مع وجود الرقيب. وهذه الحلقة تشمل كل المسؤولين وألأدارات العراقية في مركز الدولة ورئاسة حكومة إقليم كردستان في أربيل.
فهل يعني أن مايجري سيتم السكوت عليه لعدم وجود نوايا العلاج وقوة الأرادة؟ وهل القضاء العراقي خاضع للسياسة في بلد يخطو الخطوات الأولى نحو الديقراطية؟
ضياء الحكيم
التعليقات