اجتمع السيد رئيس وزراء العراق يوم الاربعاء الفائت مع مدراء الفضائيات العراقية الناطقة بالعربية مستثنياَ منهاالناطقة بالكردية.
و تحدث في لقائه معهم حول عدة امور مهمة و ذات طابع حساس. و في حديثه اكثر من محور يمكن أن نتطرق اليه و لكنني سأركز في مقالي هذا على ثلاث مسائل، وهي مفهوم الشراكة، مفهوم الدولة القوية والضعيفة في ارتباطها بالمركز و الاقاليم.

(1)
أن مبدأ الشراكة في دولة العراق مبدأ لا يتجرأ احد مهما كان موقعه ان ينكرها لان انكارها هو بمثابة التراجع عن العملية السياسية في العراق برمتها و التي انتجت ما نسميها بالدولة الفدرالية متضمنة جميع المؤسسات التي اصبحت مؤسسات دستورية.
و الشراكة كمفهوم مأخوذ بالاصل من قاموس التجارة أو الاقتصاد حيث تعني المشاركة تقاسم الفوائد بين اطراف الشراكة و تحمل الخسائر ايضاَ و أن هذه الشراكة مبنية على اساس تعاقد بين طرفين أو بين اطراف العقد المبرم بينها و قد استعارت القاموس السياسي هذا المفهوم من التجارة و أن القوى السياسية العراقية تبنت مبدأ الشراكة اساساَ للتوافق بين المكونات العراقية اولاَ و بين الكيانات السياسية ثانياَ كأساس للتوافق على بناء الدولة و استكمال بنيانها و مؤسساتها الدستورية و ادارة شؤونها عبر تلك المؤسسات و في مقدمتها مؤسسة الحكومة التي يجب ان تكون تجسيداَ لتلك الشراكة تكويناَ و أداءَ، فلهذا يجب ان يلتزم الجميع بأداء الحكومة لدورها بشكل متضامن، و ان هذه الشراكة على المستوى الحكومي لا تعني الحكومة الائتلافية بمعناها التقليدي، أي انها ليست شراكة تكتيكية لحزب ما مع احزاب اخرى بغية تشكيل الحكومة، و اذا فهم احد الشراكة السياسية في العراق خاصة على المستوى الحكومي بهذا الشكل فأنه اما يفهمها خطأ أو يتجاهل الفهم الحقيقي لغرض معروف و هو تهميش الاخرين و التفرد بالسلطة، و أن هذا الفهم الخاطئ متناقض تماماَ مع متطلبات المرحلة التأسيسية للدولة و التي مازالت مستمرة و مازالت تواجه عقبات بنوية، و لذلك فان التراجع عن مبدأ الشراكة انما هو تراجع عن مبدأ استكمال بناء الدولة و منحها المفاهيم التي اشتركت عليها المكونات العراقية المتجسدة في الدستور. أن ما يطرحه السيد رئيس الوزراء تعريفاَ للشراكة لا يرقى الى مستوى المفهوم الحقيقي ابداَ لانه يطرح المشاركة بدلا من الشراكة، و بالطبع شتان بين الاثنين معنى و ممارسة حيث يقول السيد رئيس الوزراء ( الشراكة تعني ان الكل موجود لكن في مختلف المؤسسات و تحت ظل الدستور،و الشراكة لا تعني فيتو يوضع من طرف على طرف اخر، و بالتالي سيقيد و يحجم و يلجم حركة البلد و حركة الحكومة، مفهوم الشراكة ان يكون الجميع حاضرا في المواقف و في المواقع المهمة و الحيوية و الاساسية ) و في هذا السياق ينتقد السيد رئيس الوزراء الفهم الاخر للشراكة بالفهم السلبي البسيط.
هل الشراكة كما يفسرها السيد رئيس الوزراء تعني ان تكون حاضراَ في المواقف و المواقع ؟ ماذا يعني الحضور ؟ هل يعني ان تكون موجوداَ و حاضراَ او بمعنى اخر ان تكون شاهداَ فقط على ما يتخذ شخص ما او رئيس ما قراراَ دون موافقة الاخر المشارك معه في اتخاذ القرارات ؟، و أن السيد المالكي يعتبر عدم الموافقة على قرار ما بالفيتو في وقت مازال هناك تعاقد دستوري و سياسي بين طرفين او اكثر اذاَ لا يجوز ان يعتبر عدم الموافقة بالفيتو لان هذا النهج من التفكير ستخلق حالة غير ديمقراطية متناقضة حتى للفهم البسيط للشراكة.


ان الحكومة و رئيسها لهما صلاحيات دستورية و لكن تلك الصلاحيات لا تعتبر رئيس الوزراء مسؤولآ بوحده عن تنفيذ السياسة العامة للدولة بل تعتبره مسؤولا مباشراَ فقط ( المادة 78 من الدستور ) و أن الجهة التي تخطط و تنفذ السياسة العامة للبلد هي مجلس الوزراء و ليس رئيس الوزراء بوحده ( المادة 80 من الدستور ). و انطلاقاَ من هذا حتى اذا وضعنا مسألة الاءتلاف جانباَ و اعتبرنا ان الوزارة غير ائتلافية فلا يجوز لرئيس الحكومة عدم اعتبار الوزراء شركاء في اتخاذ و تنفيذ القرارات و ان هذا التحديد الدستوري يعتبر من صلب المحافظة على النمط الديمقراطي للسلطة التنفيذية.
ان تفسير السيد رئيس الوزراء لمفهوم الشراكة بالحضور حصراَ تفسير كما قلت سالفاَ لا يرقى الى طموحاتنا الديمقراطية في البلد، و انه تفسير يحمل في طياته مؤشرات لا يمكن اعتباره تفسيراَ دقيقاَ و سالماَ و مفيداَ لمبدأ الشراكة، و انه، اي تفسير الشراكة بهذا الشكل الذي يحاول السيد رئيس الوزراء تمريره و جعله فهماَ صالحاَ و مقبولا أو مفروضاَ على الجميع هو بعينه الفهم السلبي البسيط لمفهوم الشراكة و ليس غيره.و أن محاولة تطويع مفهوم الشراكة لرؤى شخصية و من ثم افراغها من محتواها الحقيقي لا تخدم العراق في هذه المرحلة لاننا مازلنا في مرحلة استكمال البناء.

(2)
كثرت في الاونة الاخيرة الحديث عن الدولة القوية و الدولة الضعيفة،مستغلة من قبل البعض تلك التسميات لاتهام القيادة الكردستانية بالانحياز الى دولة ضعيفة. و كتبت مقالات و نشرت تصريحات بهذا الصدد حيث اوضحت القيادة الكردستانية مراراَ و تكراراَ انها تؤيد و تعمل من اجل بناء دولة قوية، و مشاركاتها الجادة و الفعالة منذ سقوط النظام و قبله و ما يزال في ترسيخ مفاهيم و تطبيقاتها اتت و تأتي من حرصها على الدولة، و لكن لا تخفي تلك القيادة عن احد ان فهمها للدولة القوية مستنبطة من الدستور نفسه و خاصة من البنود الاساسية التي تعرف نوعية الدولة، حيث ترى القيادة الكردستانية ان العراق لا ولن تكون قوية بقواتها المسلحة لان قوة الجيش بوحدها ستكرر الكوارث المؤلمة الماضية فقط، بل أن القيادة الكوردستانية ترى أن الدولة ستكون قوية بتعميق المفاهيم البنوية الواردة في الدستور ببنوده الاساسية و احكامها الختامية و الانتقالية، فمثلآ نحن نرى أن العراق سيكون قوياَ اذا اتفقت جميع مكوناتها على احترام تلك المفاهيم و المبادئ و العمل وفق الشراكة الصحيحة في رئاسة الدولة و مؤسساتها الدستورية و السياسية الاخرى و في تلك الحالة حصراَ سيكون العراق دولة و حكومة و شعباَ قادراَ على حماية نفسه و أن الجيش لن يكون قوياَ بالاسلحة فقط بل سيكون قوياَ اذا تمت ادارته ضمن الاليات الوطنية المتفق عليها و المنصوص عليها دستورياَ. أن الجيش المسلح بشكل جيد لا يكون قوياَ الا اذا دعمه الشعب و المؤسسات السياسية في البلد، و لايكون قوياَ اذا اقحم في قضايا غير اختصاصية وفق الدستور، و لايكون قوياَ اذا استعمل لاهداف سياسية داخلية غير مرتبطة بالارهاب، و لايكون قوياَ اذا لم يشعر و لم يؤمن المكونات المتعددة في العراق انه جيشه الذي يعمل بمهنية تامة، لن يكون قوياَ اذا اجبر على الانتماء فقط لرئيس الوزراء بل سيكون قوياَ اذا اعترفنا جميعاَ بأن الجيش يوالي الدولة في الانتماء.


و أن تركيز السيد رئيس الوزراء على تكرار مصطلح ( الحكومة المركزية ) بدلآ عن استعمال مفردة الحكومة الفدرالية و تكراره لقوله حول ان تكون (الحكومة المركزية ) اقوى من الفدراليات تركيز ليس في مكانه لان الدستور حدد صلاحيات كل منهما خاصة أن القضايا السيادية بيد الحكومة الفدرالية حصراَ و لم تعترض عليه القيادة الكردستانية و صوت لصالحه الشعب الكردستاني في الاقليم و خارج الاقليم، و من الطبيعي أن تحدث النزاعات الدستورية و قد عالج الدستور نفسه هذه المشكلة بطريقة قانونية حيث هناك في المحكمة الفدرالية التي تقوم بفصل تلك النزاعات. و من الغريب ان السيد رئيس الوزراء يستعمل في حديثه مرارا و تكرارا مفردة الحكومة المركزية حيث لايوجد في الدستور مثل تلك التسمية، و اتساءل لماذا يستعمل دولة رئيس الوزراء مفردة ( الحكومة المركزية ) بهذه الكثرة؟


و من جانب اخر يتهم السيد رئيس الوزراء مبطنا القيادة الكردستانية بأنها تكون مع الدستور اذا رأت انه في صالحه و ( تتمرد ) عيله اذا رأت غير ذلك، و مادام حديث سيادته بصدد الانتقائية في تطبيق الدستور فمن الضروري ان نسأل سيادته لماذا لايطبق المادة 140 من الدستور، و بالمناسبة فأن سيادته لم يرد في حديثه المطول أي ذكر لتلك المادة التي تعالج مشكلة ربما تحدد مسار العملية السياسية برمتها.


وحول مهمة حماية سيادة البلد موكلة الى الحكومة الفدرالية حصراَ، و لكن اليس للشعب و الكيانات السياسية و المؤسسات الشعبية الاخرى اي دور في حماية سيادة الدولة ؟ و هل ان الحكومة الفدرالية هي التي يجب ان تقوم بمواجهة التحديات الامنية و ليس للشعب عبر مؤسساته السياسية و الاجتماعية في الاقاليم و المحافظات اي دور لهذه المهمة ؟ الا يجب ان تطلب الحكومة الاتحادية من الكيانات السياسية و المكونات الشعبية دعمها في التصدي للتهديدات ؟ ماذا تريد الحكومة الفدرالية، هل تريد ان لايحرك الشعب ساكناَ في دعم الدولة في هذه المهمة ؟في الوقت الذي يتحدث سيادته عن عدم نجاح العمليات العسكرية في الموصل و يعيد عدم النجاح الى عدم وجود مساعدة المواطن للقوات العراقية في في تلك العمليات.


و من جانب اخر تحدث سيادته عن التمددات في الموصل و يتهم الكرد بالسيطرة على الموصل، ان هذا الحديث غير دقيق قطعاَ لان السلطات في تلك المدينة بيد سلطات منتخبة دستورياَ، و ان الكرد يشكل النسبة الفلانية من المواطنين في المدينة و من حقه أن يكون موجوداَ في الشرطة و الجيش و المؤسسات المدنية، و من العجيب ان هذا الحديث يأتي في وقت يتهم البعض من داخل دائرة الائتلاف العراقي الموحد رئيس الوزراء بتشكيل مجالس الاسناد دون مصوغ قانوني أو دون الاتفاق حتى مع شركائه في الكتلة و الحكومة.


اوضاع الموصل معروفة لدى الجميع حيث كانت و ما تزال المنظمات الارهابية تسرح و تمرح فيها و أن الكرد ساندوا الجيش و الحكومة في دحر الارهاب فيها و هناك قائمة طويلة من شهداء اكراد ضحوا في سبيل مدينتهم و بالتزامن هناك هجرة كبيرة للكرد من السنة و الايزيديين و الشبك خوفاَ من ارهاب القاعدة و منظمات ارهابية ذات صبغة قومية في تلك المنطقة، فاذا كانت حماية النفس حق مكفول شرعاَ و قانوناَ فلماذا يلوم سيادته الكرد حينما يحمون انفسهم و اخوانهم في المدينة، في وقت فشلت الحكومة في حمايتهم

(3)
و تحدث السيد رئيس الوزراء عن صلاحيات الاقاليم و اتهم مرة اخرى قيادات الاقليم بالتجاوز على الدستور و اتهمها بالأملاءات بهذا الصدد و فرض ارادتهافوق الدستور و يستشهد في هذا المجال بنماذج من هذا النوع. ربما هناك تجاوزات علىالدستور في الاقليم و في الحكومة الاتحادية ايضاَ، و لكنها ناجمة عن الاوضاع العامة التي مر بها العراق و يمكن ان تحل تلك المشاكل باللجؤ الى الحوار او المحكمة الدستورية.و ان سيادته يختتم حديثه عن صلاحيات الاقاليم بقوله ( المسألة تحتاج الى ترويض للنفس و ترويض للقبول و القناعة بأن التطور يحتاج الى وقت و استعجال الاشياء قد يضع الامور في نصابات غير صحيحة ) و نحن نؤيد كلامه هذا و نطالبه بدورنا في عدم الاستعجال في تلك المخالفات و التجاوزات التي اشار اليها سيادته، و أن كان الاستعجال ضرورياَ كمانراه في بعض الجوانب التي لا تقبل الابطاء كما هو الحال بالنسبة الى المادة 140 من الدستور التي تتطلب الاستعجال في تنفيذها.

ازاد جندياني