كثيرا ماقرأنا وسمعنا بعض المثقفين العرب ممن غُرر بهم او المعتاشين على فضلات الموائد وبعض المثقفين الكرد من الببغاوات والمستفيدين وهم يرددون شعارات الحزبين الكرديين الرئيسيين الديمقراطي والاتحاد وهم يتغنون بالجو الديمقراطي الذي يعيشه اقليم كردستان العراقي متجاوزين حجم الدمار الذي احدثه هذا الحزبان بالعراق عامة وبالاكراد خصوصا.
ديمقراطية الاحزاب الكردية تلك يسقط القناع عنها وتعرّيها ورقة التوت عند الاختبارات الحقيقية الميدانية والتي لم يكن أولها التهديد الذي اطلقته تلك الاحزاب قبل يومين بخصوص انتخابات مجالس المحافظات وتحديدا نتائج محافظة الموصل الذي اثبتت النتائج الاولية لمفوضية الانتخابات فوز قائمة الحدباء. هذا الفوز الذي لم يأت عن فراغ وهو تغيير حقيقي لم يحدث في الموصل فقط وانما شمل كل العراق من أقصاه الى أقصاه لأسباب عديدة أهمها ان المجالس العتيدة لم تقدّم للمواطن سوى الشعارات والاختلاس من المال العام وتكريس لغة الطائفية وتثبيت المحاصصة واشاعة لغة التخوين. الموصل كما هو المعروف مدينة عربية وان كان بعض ساكنيها من الاكراد فهذا لايعني انها كردية ولن تكون كذلك مؤكدا حالها حال مدينة التعايش السلمي كركوك.
كما هو معروف ان حزب مسعود البرزاني وحزب جلال الطالباني قد سيطروا على مدينة الموصل ومجلس محافظتها منذ سقوط بغداد ولحد الان ولو كان الامر بأيديهم فلن يتخلّوا عن تلك السيطرة القسرية ولكن جاءت الانتخابات النزيهة على غير مايشتهيه هذان الحزبان فجاء رد الفعل منهم عنيفا دالا على مدى فهمهم للديمقراطية فأدلوا بتصريح هددوا فيه بترك مقاعدهم المتواضعة في مجلس محافظة الموصل فيما لو تسنّم الاستاذ أثيل النجيفي مسؤولية محافظ المدينة!
شخصيا لم أستغرب من ردة الفعل هذه لاسباب عديدة تتعلق بفهم قيادة الحزبين فضلا عن حجم الشواهد العديدة التي نستدل بها على الطريقة المنحرفة والاستعلائية التي تتعامل بها تلك القيادات مع من يخالفهم الرأي او الطريقة او ممن لايستميت في مدحهم والتغني بانجازاتهم وديمقراطيتهم. من المفيد هنا ان نرجع الى الوراء قريبا لنجد كيف تعاملت تلك القيادة مع ترشيح الائتلاف العراقي الموحّد للدكتور ابراهيم الجعفري لترأس الحكومة. وقتها وصلت تهديداتهم لترك مجلس النواب فيما لو أصرّ الائتلاف على مرشحه ورغم ان الائتلاف قد اتفق مع قيادة حزبي البرزاني والطالباني للجوء الى الطريق الديمقراطي لحل الاشكال داخل كتلة الائتلاف الا ان ذلك لم يكن ذا قيمة عندهم فتنصلّوا عما اتفقوا عليه وعادوا مرة اخرى الى التهديد بالرغم من ان الجعفري قد حصل من خلال التصويت على الاغلبية لشغل المنصب مقابل الدكتور عادل عبد المهدي مرشّح المجلس الاعلى. لم تكتف القيادة الكردية بحجم الضغوط التي مارستها على كتلة الائتلاف فسارعت الى رمي الكرة في ملعب المرجعية الشيعية وذلك لاحراج الجعفري من جهة والائتلاف العراقي من جهة اخرى فضلا عن اختلاق ازمة دستورية كادت تعصف بمجلس النواب والعملية السياسية برمتها. لكن نتيجة لتدخل المرجعية الشيعية وتفهّم الجعفري للمخطط الكردي الذي يستمد قوته وديمومته من اضطراب العراق وتشتت كلمته واقتتال طوائفه فقد آثر الدكتور ابراهيم الجعفري الانسحاب وهو لعمري الموقف الذي لم ينسه له العراقيون والذي كان السبب الرئيس وراء حصول قائمته على اصوات لايُستهان بها في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة.
لم يكن الجعفري التجربة الاخيرة للعنجهية الكردية وبنفس الطريقة أقصي الدكتور محمود المشهداني عن رئاسة مجلس النواب لمجرد ان علا صوت الرجل فوق المحاصصة ومثله كان مصير الكثير من الشرفاء والوطنيين الذي حرمتهم القيادة الكردية من شغل مناصب متقدمة في الدولة العراقية الجديدة سواء في وزارة الدفاع او في السلك الدبلوماسي مستغلّين اختطافهم لوزارة الخارجية التي ستعود يوما ما حتما للعراقيين بعد عودة محافظة الموصل اليوم وكركوك غدا.
القيادات الكردية لاتفهم مواقف الشرفاء الا انها موقف المهزوم امام القوي الذي لايُقهر وكذلك سينظرون لاي انسحاب من قبل قائمة الحدباء فيما لو قدّمت مرشحا اخر لشغل منصب محافظ الموصل غير الاستاذ أثيل النجيفي، لذلك لابد لقائمة الحدباء ان تقوم بواجباتها وان لاتخذل من انتخبها! اما اسطوانة الكراهية التي تلوّح بها الاحزاب الكردية ضد كل من لايتماشى مع اهوائهم وديمقراطيتهم العرجاء فقد باتت مفضوحة ولاتقوى على القيام حتى بعكازين ولابد ان تفهم هذه القيادة المتعجرفة ان عراق اليوم هو اقوى من الامس وان مستقبل العراق لابنائه وان مسؤولي المحافظات العراقية الجدد لن يخذلوا من تقدم لصناديق الاقتراع وانتخبهم. نقولها يصراحة من خلال الاصرار لان يتسلّم أثيل النجيفي مسؤولية محافظ الموصل سيكون لقيادة الحزبين الكرديين فهم اخر ودرس جديد في اسلوب التعامل مع الاخر من دون استعلاء او تهديد او وعيد والا فكما قلنا من قبل يابرزاني وياطالباني كردستانكم لكم وعراقنا لنا و quot;الى حيث ألقت رحلها أم عامر.
رياض الحسيني
كاتب وناشط سياسي عراقي مستقل
التعليقات