ثمة أصوات طفت مؤخراً على سطح الخطاب الإعلامي الكردي تدعو وبشكل سافر للإقتتال الكردي ـ الكردي. بعض هذه الأصوات كانت في وقت مضى تردح بشتم قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني من على المنابر العربية، وبعد الإنفتاح الكبير في 2003 وquot;فتح الباب أمام كل الكرد للعودة إلى كردستان، ومشاهدة التجربة الفريدةquot;، رأينا نفس هذه الأصوات تردح ـ بشكل معكوس هذه المرة ـ لصالح هذه التجربة(التي تقودها نفس الشخصيات، الذي ذمتها في السابق) وتكتب إشادة بها وبquot;طاقمها الشاب المنهمك في مسيرة التحديث والتطويرquot;!.
ولم تستح هذه النماذج من ماضيها وquot;دزينةquot; المقالات التي كانت تكتبها لشتم القيادات الكردية في كردستان العراق وتحميلها quot;المصائب والكوارث التي حاقت بالأكرادquot;، بل إقتنصت الفرصة وعضت على الكتف، الذي عرفت كيف تلتهمه، وراحت تٌنظّر للديمقراطية وتنصح هذه القيادات، بمناسبة وبدون مناسبة، وتلقي عليها دروساً في السياسة والتدبير، بل وتزايد عليها بعض المرات، وتتهمها بquot;التقاعس عن حماية الإقليمquot; وquot;الإفراط في الحق القوميquot; وquot;التردد في خوض المعركة المصيرية للأمة الكرديةquot;!!.
نعم فعلت هذه النماذج ذلك ولم تستح قط. شجعها ـ للأسف الشديد ـ الإستراتيجية الخاطئة لبعض القائمين على الإعلام وquot;البروباغنداquot; في اقليم كردستان، من الذين يحاولون تجنيد الأقلام لمصلحة الحزب بأي ثمن كان، والذهاب في هذا المسلك الخاطئ، جرياً على مذهب طارق عزيز ـ أحد أركان النظام الصدامي ـ في نظريته المعروفة quot; بثمن دبابة واحدة سنشتري كتيبة من الصحفيينquot;...
أحد الناصحين المنظرين لسياسة التطوير الكردية( والذي كان قبل بضعة أعوام شتاماً معروفاً، يتفنن في سب الرموز الكردية في كردستان وسرد{جرائهما} بحق الأكراد) صار الآن مختصاً في الشأن الإستراتيجي لأكراد العراق( أصحاب ميزانية ال10 مليار دولار، كما ينبغي لنا ان نتذكر دائماً) واكتشف بأن مصلحة هؤلاء هي في إعلان حرب مدمرة ضد حزب العمال الكردستاني( الذي يؤيده 10 ملايين كردي في كردستان وخارجها، ويمتلك قاعدة جماهيرية، وعسكرية، وبرلمانية، وإدارية جبارة، لاتمتلكها الكثير من الدول {المستقلة} في العالم)، وإخراج قواته من الإقليم مهما كان الثمن، وتقديم ذلك الإنجاز كعربون صداقة لتركيا، عل وعسى تتنازل quot;ببعض الصداقةquot; وتسمح quot;بضم كركوك إلى كردستانquot; ويكف مجلس الأمن القومي فيها عن وصف الإقليم الكردي بquot;الخطر الإستراتيجي الأكبر عى تركياquot;، والتكرم بإستقبال القيادات الكردية بشيء من الإحترام والود.
والناظر في إطروحات هذا الرهط (المزايد، المنتفع، السفيه، الغارق في الإستعداد للإرتزاق والنفع الرخيص)، سيكتشف ضحالتها الفكرية، والحقد الدفين الذي تتضمنه، وبطلان الحجة والقول، والدعوة المفضوحة للإقتتال والحرب، والإستهتار المشبوه بدماء الكرد، وإلإقتراب الحسن من اعدائهم، وتمرير حجج هؤلاء وشرعنّة قتلهم للكرد...
مثل هذا الرهط يريد، بالسم الزعاف الذي ينشره هنا وهناك، العودة بالكرد إلى الزمن الوغد. زمن الإقتتال الداخلي الذي كان لطخة عار في جبين الشعب الكردي وتسفيهاً لقضيتهم المشروعة، ولم يربح من وراءه سوى اعداء الشعب الكردي في كل مكان.
أحد أبرز رموز هذا الرهط كان في السابق مداحاً للعمال الكردستاني، حلّق حول جمعياته في بيروت طمعاً في المعونة والإفادة...اشاد به في مقالاته التي نشرها في الصحافة البيروتية ونظرّ لخطاه وتكتيكاته وأشاد بها كثيراً. كتب ذات مرة مقالاً بعنوان (قنبلة آبو السلمية) يمدح فيها زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، ويشيد بقراره وقف إطلاق النار من جانب واحد مع تركيا، ويسوق quot;الأهمية الإستراتيجية لهذا القرار في مسيرة الثورة الكرديةquot;!. وبعد ان طار هذا الشخص إلى النرويج لتقديم اللجوء هناك بوصفه quot; كردياً عراقياًquot; هرع إلى quot;فضائية الحزبquot; بغية العمل فيها، لكنه إصطدم وقتذاك بأحد العاملين هناك، الذي quot;طفشهquot; من أول لقاء ونظرة، واضعاً الحد لآماله وطموحاته، وفاتحاً المجال لبدء مرحلة الإنتقام بعد quot;غرامquot; لم تطل مدته...!
الآن، وبعد ان اشبع هذا الدعي الديمقراطي الكردستاني شتماً وكتب مشوهاً في التجربة التاريخية للقائد الكردي الكبير مصطفى البارزاني، وربط بين القادة في الإقليم الذين quot;اصبحوا تجاراًquot; على حسب كلامه، وبين quot;عدي صدام حسينquot; في أكثر من مقال كتبه، نقل البندقية/قلم الردح من كتف إلى آخر، وراح يشتم حزب العمال الكردستاني( في مقالات ينشرها الآن في صحيفة الحياة اللندنية) ويدعو اكراد العراق لقتاله وطرده من كردستان.
وحتى لو تعاملنا مع منطق هذا الإنسان، إذا كان ثمة من منطق في الأصل، فسوف نجد فيه سذاجة عائمة وجهلاً فاضحاً بالسياسة العامة في الشرق الأوسط، وتلك المتعلقة بتركيا والشأن الكردي بشكل خاص.
فهل حقاً يريد حزب العدالة والتنمية حل القضية الكردية؟. وهل حقاً يرفض العمال الكردستاني ذلك؟. وهل حقاً من مصلحة كردستان العراق إضعاف حزب العمال الكردستاني، والتعاون مع تركيا لضربه؟.
لنقرأ بعض الأحداث الأخيرة...
الجنرال إلكر باشبوغ قائد الجيش التركي الجديد منح التصريح الأول للكاتب الموظف في المؤسسة العسكرية فكرت بيلا، وقال فيه quot;إن اولى أولويات الجيش التركي هي :منع قيام دولة كردية في شمال العراق، وضمان عدم سيطرة الأكراد على كركوك، ومن ثم محاربة حزب العمال الكردستانيquot;.
وقال بيلا في مقال كتبه في صحيفة quot; ملييتquot; التركية بان باشبوغ سيركز طيلة مدة قيادته للجيش( عامان أثنان) على منع إستقلال الأكراد في شمال العراق وسيطرتهم على كركوك النفطية وتوسيع الحرب على حزب العمال الكردستانيquot; بمعنى أن أمر محاربة أكراد العراق هو على رأس إهتمامات الجنرال باشبوغ وأركان حربه، ومن ثم ياتي محاولة إنهاء ثورة العمال الكردستاني، تلك المحاولة التي فشل فيها العديد من قادة الجيش قبل باشبوغ.
السياسي الكردي المخضرم وquot;ترمومتر المصلحة الكرديةquot; محمود عثمان إتهم الحكومة التركية( وليس الجيش التركي كما يحب البعض ان يفصل دائماً) بالوقوف وراء دفع بعض الأطراف العراقية إلى استصدرا القرار 24 ومحاولة الإلتفاف على المادة الدستورية 140 في قضية مدينة كركوك. عثمان، وفي تصريح نشرته وكالات الأنباء، ذكرّ الجميع بتدخلات تركيا في الشأن العراقي، والكردي العراقي على وجه الخصوص، وقال بان تركيا هذه ماتزال ترفض الصيغة الفيدرالية لأنها تمنح الكرد حقوقهم، وترفض التعامل مع زعماء اقليم كردستان وتسميهم بquot;رؤساء عشائر شمال العراقquot;، وتتدخل في كركوك لحماية التركمان، مثلما تدعّي، وتجند كل أعداء الكرد في quot;العراق الجديدquot; وتدعوهم لخلق تكتل موحد للحد من الطموحات والمكاسب الكردية.
مسعود البارزاني، رئيس اقليم كردستان، عبرّ كثيراً عن استعداده للتوسط لحل القضية الكردية في كردستان الشمالية، وقال بان العمال الكردستاني أوقف اطلاق النار والتزام بالهدنة لكن الجانب التركي هو الذي يصر على الحل العسكري والحرب. البارزاني رفض ايضاً وسم حزب العمال الكردستاني بالإرهاب، الأمر الذي اكسبه احترام وتقدير ابناء الأمة الكردية في كل مكان. ولم ينس البارزاني الإشارة الى هزيمة الجيش التركي على ايدي مقاتلي العمال الكردستاني، اثناء العدوان الأخير ضد اقليم كردستان، في آواخر شهر شباط الماضي، وقال بعد إندحار القوات التركيةquot; أرجو ان تكون الحكومة التركية قد فهمت الآن بأن الحرب لن تنجح في حل القضية الكرديةquot;..
في حديث مع احد الأخوة في قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، حكى لي هذا المسؤول بعض القصص عن quot;المثقفين الأكراد{ من سوريا وتركيا} القادمين من اوروبا، الذين يطرحون مشاريعاً ثقافية وفكرية وهميّة للحصول على المساعدات والأموال من الحكومة الكردستانية، ويظنون ان اقرب الطرق الى نيل مرادهم هي شتم حزب العمال الكردستاني واستهاض هممنا لقتالهquot;. واضاف هذا المسؤول، بانهم في كردستان quot;يعرفون جيداً هذه النماذج ويعون حقيقة نواياهم وكذلك وزنهم في سوق السياسة الكرديةquot;. وقال بان احد القادمين من أوروبا كان يتعمد شتم العمال الكردستاني امامه دائماً وفي quot;الطالعة والنازلةquot;، وانه تضايّق كثيراً من هذا الفعل الرخيص، والمح للمتحدث انزعاجه من سماع مثل هذا الكلام، لكنه لم يفهم، إلى ان طفح به الكيل وقال له بالفم المليان: ياخي اذا كانت لك مشكلة مع العمال الكردستاني فهذا شأنك. نحن هنا ليست لدينا مشاكل معه، وبالعكس نحترم مقاومته. ولن نسمح لك مرة أخرى بشتم اي حزب كردستاني في مقامناquot;...
لن تقبل حكومة كردستان، ولن تقبل قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني( وبينهم الكثير من الأصدقاء) بمايطرحه هؤلاء الدجالون من مشاريع مدمرة تٌسفك فيها دماء كثيرة( قطعاً لن تكون بينها دماء ابنائهم المترفلين في نعيم أوروبا). ومسعود البارزاني هو من قال بان عصر الإقتتال الكردي ـ الكردي قد ولى الى غير رجعة. والموقف الكردي يكمل بعضه، والقوة الكردية، هي في النهاية، كل لايتجزأ. لذا لن يفيد نعيق هؤلاء في شيء، لأن القيادات الكردية تعلم ان من يسير وراء البوم سينتهي حتماً في الخرابة. والقيادات الكردية لاتريد ان تنتهي في الخرابة، وإنما في موقف قوي تتمكن خلاله من إرجاع كركوك وتنمية الإقليم ووضع حد للأطماع التركية والإيرانية، وبعض العراقية ايضاً...!
طارق حمو
[email protected]
التعليقات