ماهي السبل الأفضل لمعالجة ربط حكومة العراق الحالية في دفع تعويضات مالية للكويت عن جرائم أرتكبها النظام السابق؟ ولماذا يعمم جرم النظام السابق على المجتمع العراقي ككل؟
والأجابة لها جذور في غاية الصعوبة القانونية والقضائية الدولية والأدارية، وتتعلق أساساً بنوايا الكويت الحقيقية لنوع العلاقة التي تبغي أقامتها، وهي أِما الرغبة الجادة بتنميتها مع الحكومة الحالية أو توتيرها. العراق لن يستمَر في دفع ديون يحوطها الغموض وبالصيغة الموضوعة الى أمد لانهاية له. وعراقي اليوم يدفع ضريبة الجريمة عن عمل لم يرتكبه في الأمس.
تتمسك الكويت بالوصفة الغربية الجشعة في مطالباتها بالتعويض عن جرائم غزو صدام لأراضيها عام 1990.
وأدرجتُ في مقالات سابقة نشرتها أيلاف، أسس مطالبة الكويت بالتعويضات العراقية والمناخ السياسي الدولي الذي كان سائداً بين أعضاء مجلس الأمن االدولي بعد الغزو الأجرامي للكويت، الأمر الذي أدى في حينه، لأصدار سلسلة قرارات دولية وأجراءات قضائية ضد النظام، وخُصص على ضوئها دفع نسبة 5% من أيرادات النفط العراقية السنوية الى الكويت للأضرار التي لحقت بها وأنزال أقسى العقوبات الأقتصادية التي عرفها التاريخ بحق شعب العراق والأنتقام منه بلا حدود ودون نهاية قريبة.
وبكل حرص وأهتمام نعود اليوم بتشديد القول بأن هذه التعويضات رغم مارافقها من أجحاف، كما ورد من أدعاءات باطلة ووثائق مزيفة لمطالبات غير شرعية نقضتها اللجنة الخاصة لصندوق تعويضات الحرب، مازالت تُجبى وتورد الى الخزينة الكويتية بنفس الطرق اللاشرعية التي جاءت بالقرار. والحل الأمثل هو أن يتم تجميدها بقرار لاحق تتقدم به الحكومة العراقية الى مجلس الأمن. ولايُعرف تماماً كم من المبالغ تمت جبايتها الى الان من مجموع المطالبات التي هي في حدود 53 مليار دولار.

ولعل سبب دعوتنا لسلوك هذا الطريق القانوني الدولي ومفاتحة مجلس الأمن يعود أولآً الى أن نقض القرار يجب أن يتم مباشرة من المجلس الذي أصدرهُ، وثانياً لأن الكويت رفضت وترفض أي دعوة شريفة للدخول في مفاوضات مباشرة فنية الشكل مع العراق، وتتمسك بالوصفة المالية للعقوبة التي أصدرها مجلس الأمن رغم تناقضاتها لعصر موارد العراق النفطية لسنوات وسنوات. والحقيقة أن الكويت حسب منظورها ووجهة نظر خاصة بها، تفادتْ منذ البداية تقديم أدعاءاتها الى الجهة العراقية الرسمية ورفضت الجلوس مع ممثليها لمناقشة مبدأ التعويضات منذ سقوط النظام وتقف اليوم عائقا أمام أي جهود أخوية لأطفاء جشع الديون والتعويضات لمعرفتها أن هذه الديون غير ملزمة للعراقيين من العرب والأكراد الذين ساهموا بتضحياتهم ودماء أبائهم وأخوتهم في أسقاط النظام الذي جلب الويل للشعبين العراقي والكويتي. وكلما حاول العراق مفاتحة الكويت بشأنها تُسارع في الأشارة بأن الموضوع مُتخذ بموجب قرار من مجلس الأمن.


كان العراق اللعبة الأقليمية للكويت منذ أستقلال الأمارة من بريطانيا عام 1961. ولم تتوقف ممارسة اللعبة حتى بعد سقوط النظام عام 2003، حيث مازالت الكويت تحصل على 5% من أيرادات النفط العراقية السنوية عن طريق لجنة صندوق الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 687 لعام 1991، وتجني بذلك أرباح مالية تدخل الخزينة الكويتية من دم وقوت الشعب العراقي، بصمت وهدوء من الطرفين.


لم أكن مغرماُ بالنظام العراقي في عهد الدكتاتورية العسكرية، كما أني لستُ مغرماً بطرق الأبتزاز التي تتبعها الأمارة الجارة. والتاريخ السياسي للنظامين لم يبشر يوماً بروح التعاون وأحترام سيادة وحقوق الأخر وفق المفاهيم القانونية السائدة بين الدول في العلاقات الدولية، بل كانت العلاقة مبنية (في أحدى أسسها على الأقل ) أن quot; سارق العلانية يريد معاقبة سارق الخفية quot; أو هكذا سارت طبيعة العلاقة بين النظامين.


quot; أنتم بالرجال ونحن بالأموال quot; كانت العبارات التي أسمعها النظام الكويتي الى رئيس النظام العراقي صدام خلال التهديد الأيراني الخميني للكويت والعراق وأعلان تصدير الثورة الأسلامية المرفوضة الى دول الخليج.
فالاسرة الكويتية الحاكمة لم تكن تكنُّ أي إحترام لشخص صدام وتعرف بشاعة أجرامه و كانت تخاف بأسه وجبروته والسلطة العسكرية التي يمتلكها، كما أن أنشغاله بالحرب وشغفه بدحر أيران عسكرياً مهما كانت التكاليف والتضحيات العراقية، لم تُمكّنهُ من ادراك وأكتشاف المؤمرات التي كانت تحاك ضده في الكويت وأكتشافه توسع أعمال الحفر وأستخراج نفط من حقول عراقية أِلا قبل غزوها بأسابيع. وتغّير مبدأ quot; أنتم بالرجال ونحن بالمال quot; بعد أنتهاء الحرب عام 1988، وتحول الى مطالبات بديون مُستحقة.


وكنتُ أعتقد بأن فن المفاوضات المباشرة وأدارتها للوصول الى قناعات وحلول للمشاكل الأقليمية تؤخذ بالأعتبار وتؤدي فعاليتها أِن كانت النية وطريقة التشاور الفني والدبلوماسي المباشر بين طرفي النزاع هي روح التعاون على حلها أيجابياً، أِلا أن الكويت أدارتْ هذا الفن الى لعبة المفاوضات الدولية غير المباشرة وأتبعت في ذلك طرق بأتجاهات مختلفة غريبة، ومازالت تتبع نفس الأسلوب مع العراق اليوم. أنه الأسلوب الذي يدر لها بالفائدة المالية بأستخدام أسلوب ألأستشارات القانونية ألأجنبية ومكاتب متابعة وتنسيق تتمتع بالقوة ولها الكلمة الأخيرة والحجة القانونية والقضائية وتمتد أطراف مكاتبها التنسيقية ما بين مركز الأمم المتحدة في نيويورك ومكاتب أعلامية كويتية في واشنطن والمجالس المتنفذة في الكويت. وقد نجحت هذه الأطراف في وضع أسس قانونية مبهمة وأدعاءات مُزيفة لاعلاقة لها بمبدأ العدالة، أضافةً الى أستخدام حملات الدعاية وممارستها بكفاءة وخبث في تعبئة الرأي العام الشعبي والرسمي في مجلس الأمن ضد نظام صدام، التي هي في واقعها وحقيقتها، أنزال أقسى العقوبات الدولية والأقليمية لحصار العراق وأفقار شعبه وأذلاله، التي أدت مفعولها بنجاح وأستطاعت التحكم والسيطرة بمقدرات العراق وثروته الوطنية.

ولأعطاء الموضوع الموضوعية اللازمة لابد من الرجوع الى الطرق التي سلكتها دول كانت سابقاً مستعمرات عثمانية ومحميات بريطانية وتم تصُنيعها وأنشأها ككيانات تتمتع بالأستقلال اليوم، على الوجه المشابه لكيان أسرائيل مثلاً. فالأمارة الكويتية لم يعترف بها العراق في أي عهد من العهود. كما أنها وصلت الى حافة الخطر في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1961و1962. والخرائط الرسمية تبين أن مساحة الأمارة هي 17818 كم مربع وتُشارك مع جارتيها العراق والسعودية 464 كم مربع من الحدود، 242 كم مربع مع العراق و 222 كم مربع مع المملكة السعودية، و 5700 كم مربع من المنطقة الساحلية المُحايدة التي تُقسم بينهما وتتنازع عليها مع المملكة السعودية، وبسببها اتسمت علاقة الطرفين خلال الفترة الماضية بالتوتر.


على العكس من العراق، بادرت المملكة العربية السعودية من جانبها في مناشدة الكويت لتوقيع أتفاقيات ترسيم الحدود والمناطق المحايدة عام 1964 بعد نزاع أختلقته الكويت للتوسع الأقليمي، بدأته بعمليات حفر وتنقيب لأستخراج النفط في أراض المملكة. كان هذا أحد أهم الأمور التي أستخدمتها لضم أراض من السعودية بدأته بأقامة مصافي للتكرير، والتي أغضبتْ الجارة الخليجية بعد أكتشافها ودفعتها لأجتماع لجنة ضباط سعودية مع الأدارة الكويتية لأيقاف هذا الأستغلال والضغط عليها ومنعها من بناء منشأت تكرير وتصفية داخل الاراضي السعودية.


وبالرجوع الى بحث ودراسة أُسس النزاع على الأراضي ودوافع القلق الكويتي، نجد أنها تعود أساساً الى حالة ضيق وصغر مساحة الأراضي التي رسمتها بريطانيا للكويت كأِمارة. و النفط وتصديره هو الثروة الطبيعية لموارد الكويت ولازال، والأراضي الغنية بالنفط التي تستطيع الكويت أستغلالها في أستخراج النفط وتسويقه تقع داخل حدودها وخارج محيط أراضيها، وخوفاً من نضوب الثروة في مناطق التنقيب والأستخراج القديمة تلجأ (بمساعدة أدارية وشركات بترولية أجنبية ومكاتب قانونية حقوقية) الى أسلوب الاحتيال وتقديم الشكاوى الدولية بشأن الحدود التي تتبناها الأمم المتحدة بتأثير هذه المكاتب الوكيلة التي تقوم برفع وتثبيت الأدعاءات وتأخذ حصتها للخدمات المُقدمة.


أما بالنسبة للعراق، فالأمر يتعدى الأراضي المطالب بها ليشمل التعويضات العراقية للكويت التي يمكن الرجوع الى طرق أستحقاقاتها الملتوية بالرجوع الى مقالات سابقة نشرتها أيلاف. فالكويت طالبت في عام 1993 مجلس الأمن الدولي لتخطيط الحدود البرية والبحرية و تمَّ على ضوئها منح أجزاء من ميناء أم قصر الى الكويت وأرضاخ عراق صدام لقبولها عام 1994. وليس من الغرابة في شيئ أن تقوم السلطات العراقية مؤخراً بأزالة حواجز أرضية كويتية غير شرعية داخل الأراضي العراقية.


أما كيف يستطيع العراق الخروج من قواعد هذه اللعبة والمطالبة بحقوقه وتجميد دفع التعويضات أو ألغائها فذلك يعود الى طرق التفكير العراقية وأرادة السلطة الوطنية الحريصة على حقوق وأموال مواطنيها ويتطلب منها اللجوء الى منطق التحكيم الدولي والتفاوض. في المجتمعات الحرة يكون عمل الحكومة هو القيام بما لايستطيع ألأفراد القيام به وتلكؤ مسؤولو الحكومة في أنهاء هذه اللعبة الخطرة لايدل على مسؤولية أو حكمة سياسية.

ضياء الحكيم

[email protected]