ثمة نماذج عديدة لتعريف المثقف تجعلنا نقوم بعملية النمذجة حسب المراجع الفكرية التي وقفت على سؤال المثقف و ماهية هذا الكائن و وظائفه أو دوره الإخلاقي و السياسي أو الأجتماعي و المعرفي. و في هذا الإطار يمكن أن نرجع كل نموذج للمثقف الى المفكر أو الفيلسوف الذي تناول مفهوم المثقف و شَخّصَ حقيقته على ضوء تاريخه المُعاش والمعطيات السياسية و الإجتماعية أو الأقتصادية و الثقافية السائدة في زمنه. وهنا يمكن الإشارة الى التعاريف التي نجدها لدى كل من جوليان بيندا، و جان بول سارتر، و غرامشي، و ميشل فوكو، و ادوارد سعيد.
ففي المفهوم البيندايي للمثقف نجد أن المثقفين هم عُصبة صغيرة من الملوك- الفلاسفة الذين يتحلون بالموهبة الإستثنائية و بالحس الأخلاقي الفذ و يشكلون ضمير البشرية. انهم من أمثال يسوع المسيح و سقراط و سبينوزا و فولتير و نيتشة و ارنست رينان.. يعرضون حياتهم لمخاطر الصلب و الحرق و النبذ و الملاحقة و المحاكمة. و عددهم قليل جداً و كما أن موقفهم هو موقف المحاججة و المعارضة للأوضاع السائدة، كما أنهم يدافعون عن قيم أزلية كالحق و العدل.
أما المفهوم الغرامشوي هو: أن المثقفين ينقسمون الى قسمين: المثقفين التقليديين مثل المعلمين و رجال الدين و الإداريين ممن يواصلون اداء العمل نفسه من جيل الى جيل.. و المثقفين العضويين المرتبطين مباشرة بطبقات أو بمؤسسات تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح و اكتساب المزيد من القوة و زيادة السيطرة.
و المفهوم السارتري للمثقف هو: انه ذلك الكائن الذي يتدخل فيما لايعنيه. و ثمة نوعين من المثقف، الأول هو المثقف الحقيقي و الثاني هو المثقف المزيف، المثقف الحقيقي هو من يقول كلمة (لا) و لكن المثقف المزيف هو من يقول ( لا و لكن ) أي يبرر ما لايحتمل إلا النقد و المعارضة. المثقف الحقيقي هو من يدافع عن الحريات و يغير الواقع السائد، أنه الكائن الذي يصر على قول الحقيقة.
أما المفهوم الإدواردي للمثقف فيتمثل في أنه الشخص الذي يتحلى بقدرة خاصة في تجسيد هموم شعبه و إيصال رسالته و مواقفه و توجهاته للناس. كما أنه رمز المعارضة و الجراءة و التحدي و مواجهة الوضع القائم الذي لايتجاوب مع مباديء الحرية و العدل. المثقف هو المنفي و الهاوي و الهامشي، و الذي لايتفادى المخاطر و لايبتعد عن المباديء التي يشعربأنها صائبة و قويمة. فهو الإنسان الذي لايجامل و يراهن بشعوره النقدي على وجوده كله و لايقبل بالإملائات و الأفكار المبتذلة و الجاهزة ولا يرتبط بشريحة أو مؤسسة أو حزب أو حتى قوميته و إنما هو وعي حر في العالم و و لامنتمي.
و المفهوم الفوكوي للمثقف : هو أنه الكائن الذي يسائل و يفحص المسلمات و المصادرات و ذلك عبر التحاليل التي يجريها ضمن حقله الإختصاصي. أنه من يزعزع العادات و طرق العمل و التفكير و الأشياء المألوفة و المسّلمة بها، ولكن المثقف ليس هو من يلعب دور الوصي على الناس و يحدد لهم ماينبغي فعله، بأي حق يحق له هذا الحق؟ فالمثقف ليس هو من يكوّن الإرادة السياسية للناس. كما لا ينبغي أن يحكم و لايدعي أنه ضمير الأمة أو لسان حال الجمهور أو المعبر عن الشعور الجمعي أو ممثل شريحة إجتماعية. هذا الكائن ليس حارساً للحقيقة. و انما يختص في مجال من مجالات إنتاج المعرفة.
أما ملاحظانا نحن حول هذه النماذج من تعريف و مفهوم المثقف هي كاتالي:
1- هناك وجوه التشابه و التباين في التعريفات التي ذكرناها، لذا لايمكن أن نعتمد على مفهوم واحد عند ذكر مفهوم المثقف و هذا بحد ذاته إشكالية كبيرة تفتح المجال أمام السجال.
2-عدا تلك التعريفات هناك الكثير من التعريفات الأخرى للمثقف و هناك مؤلفات لمجموعة أخرى من الفلاسفة المعروفين على المستوى العالمي تتناول مفهوم المثقف و قضاياه: مثل ريمون ارون، جان فرانسوا لويتار،رجيس دوبريه، و في العالم العربي: علي حرب و عبدالإله بلقزيز..
3- يحتمل كل تعريف ذكرناه و لمسناه عند المفكرين و الفلاسفة المذكورين بحوث و دراسات عديدة و مختلفة لشرح و تأويل نظرياتهم و رؤاهم الفكرية و المعرفية لمسألة المثقف و ماهيته، وهذا بحد ذاته يدل على أن ثمة تراث ثقافي و علمي غزير عن المثقف يمكنه أفادتنا و إفساح المجال لنا لبحث مفهوم هذا الكائن على أكثر وجه و صعيد..
عدالت عبـدالله






التعليقات