مؤشرات وصول أغلبية علمانية الى سدة القرار في التشريع والتنفيذ والقضاء عامل يبشر بالخير ويعطي ملامح للطريق الذي سيسلكه العراق بقيم أجتماعية وروحية بعيدة عن الظنون والشكوك التي سادت بعد عام 2003. ودون أي شك، القوى السياسية العربية والكردية المثقفة تحتاج أن تعيد حيثياتها وأتخاذ موقف موحد لمحو النعرة القومية ألأصيلة لتستطيع أن تُكرس خبراتها وجهودها الى مشاريع وأنجازات، تأخرَ العراق عن تنفيذها بسبب طبيعة الوجود الأمريكي العسكري والحملة التي شنتها القوى الشيطانية في موجة القتل والتخريب الذي رافق شعاراتها وأعمالها. فالخلاف الحالي على الساحة العراقي هو ليس خلافاً في أصالة الحركة القومية الكردية وأنما هو هو خلاف المصالح الحيوية وتحديد مسؤولية الدولة الفدرالية والصلاحيات الدستورية وكيفية تعديلها. أِلا أن المُلاحظ سياسياً، ومع مرور الوقت، نرى تفاوتاً وأختلافاً مصطنعاً في كتابات وتصريحات بعض الفصائل الكردية الأستفزازية بشأن خلاف حكومة اقليم كردستان في تفسير الصلاحيات الدستورية الممنوحة لها. فعلى الرغم من الرغبة الأكيدة للكثير من القوى العراقية في طي صفحات الأنفصال والتقسيمات القومية والعرقية المؤسفة والسعي الى دفنها لأجيال المستقبل، تعود بشكل أو بأخر على شكل تصريحات تؤكد على أختلاف الأراء. أن أستقلالية القرار الكردستاني الذي يأخذ طابع التحدي ينبغي أن يزول ويختفي. فمصالح العراق واحدة ويجب أن تصاغ بالشكل الذي يُعطي ويوضح للجمع عراقية القرار. والتصريحات المؤسفة التي تطلق بين الحين والأخر هي هاجس مقلق لِما قد تؤول له وتدخلها في حلقة الأسف والأستهجان، لِما لها من تأثير على الأوساط الشعبية والرسمية العراقية وتضع البلاد من جديد على مفترق طرق.


تصريحات رئيس وزراء اقليم كردستان العر اق وتفسيرها لدعوة ( الولايات المتحدة الى حل المشاكل العالقة بين العرب والاكراد قبل مغادرتها العراق وبهدف معالجة المشاكل والمسائل العالقة كالمادة 140 من الدستور العراقي المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها وقانون النفط والغاز ) كما مانقلته أيلاف عنه مؤخراً، قد تكون فيها وجهة نظر لوجود خلاف حقيقي بين أطراف القرار، ولكنها وجهة نظر خاطئة، يراها الكثيرون على أنها، التحول المباشر والانزلاق بحرارة لصداقة طرف خارجي وأبداء برود تام مع طرف داخلي. و قد يأخذ أيضاً عدة صيغ وتفسيرات ضارة ليس أقلها عدم وجود وحدة في القرار العراقي العراقي. فليس مستحباً أن وضع المشاكل الداخلية الوطنية على عاتق حكومات أجنبية برغبتنا وأرادتنا.


أن بأستطاعة القادة الأكراد بلورة منهج موحد يخدم مصالح الشعب الكردي وطموحاته وتجاوز أختلاف ألأراء ووضع شروط لأنهائها بأتمان شركائهم في السلطة. أما أذا كان البعض منا لايأتمن قيادة السلطة الوطنية في بغداد بالنسبة الى تفسير النصوص الدستورية، فذلك يتطلب بحثه بهدوء ودبلوماسية بين القوى الممثلة عن الشعب في مجلس النواب والسلطة التنفيذية.


في الأنظمة السياسية الأخرى في العالم عندما يدبُ خلاف يتعلق بتفسير أو تعديل بعض نصوص الدستور لاتطلب المؤسسة السياسية دعوة طرف دولي ثالت للتحكيم في حل نزاع دستوري.


ويمكن أن نشير بشكل أو بأخر الى سلسلة من الشخصيات الوطنية الكردية التي تتمسك بحلول داخلية لأي نزاع قد يحصل داخل مؤسسات الدولة وتتمسك بوحدة العراق وتتفهم بشكل صحيح، الشراكة الحقيقية للوطن، كما تتفهم الفدرالية بمبادئها وفحواها وديمومتها. كما أن هناك قوى خارجية تتربص بما قد تؤول له علاقات المسؤولين وتأمل بأنقلاب الاوضاع لتعتاش من جديد على تغذية الخلاف القومي بمهاجمة القومية العربية وأعلاء ظاهرة القومية الكردية (أو العكس) واطلاق التصريحات بمقارنات حقودة وعنصرية، كان النظام السابق قد مارسها.


أراء قومية أنفصالية

للذين ينبشون حقائق التاريخ نشراً للمعتقدات القومية الأنفصالية وتبريرها، لابد من المرور السريع على وضع العراق الدولي منذ أنتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 الى اليوم، والوضع القومي الكردي فيه. فبأختصار شديد، فأن تاريخ العراق بعد الأستقلال الوطني في العشرينات من القرن الماضي أعطى دوراً مميزاً للأكراد في الوظائف العامة والجيش والحكومة المركزية، ويعادُ هذا الدور المميز اليوم بشكله الواضح في تُقلد الكثير من القوى الكردية في مناصب أودعها لهم الشعب العراقي عن طريق الأنتخاب. ويستطيع العراق قطعَ أشواط من التقدم والأزدهار يفوق ماحققته الدول المجاورة لو أستطاع قادته اليوم الخلاص من الشعوبية وأعلاء القومية لغرض بث الروح العدائية.

أن الحل بأيدينا عندما يكون هناك أختلاف في الأراء السياسية وخلاف في أمور دستورية أصلاحية، والمرحلة الحاضرة هي ليست مرحلة زعزعة النظام وفرض شروط لتمرير القرارات بتحدي الحكومة الفدرالية وتهديد أئتلافها، وأنما هي مرحلة وضع أسس أستقرار العراق وتسيّر برامج الدولة في البناء والتطوير، أِلا أن الحل يخرج من أيدي الجميع عند التأكيد على عقيدة غرضها فصل الشعب الكردي عن العربي العراقي وترويضهما بمنطق عقيم وبرامج عمل جيل سياسي عشائري داخل الحركات الوطنية ظلَّ يُطلق هاجس القلق من التعامل مع المؤسسات العراقية، وهو هاجس لا يصب في مصلحة الشعب الكردي الذي تحرّر لتوه كما تحررنا من قبضة الفاشية والدكتاتورية.


ولابد أن نفهم أن حقوق أستخراج وتسويق النفط والغاز والخلاف بشأنهما هو في غاية الحساسية. ودون أدراك خطورة تُدخل طرف دولي ثالت قد يعيق عملية المرحلة الحالية ويُعمق من الخلاف. وقد يصعب على البعض منا أدراك مايلي :
1. أن النضال الحقيقي للمرحلة هو رابطة الوطن الواحد وترسيخها في ذهن الجيل الجديد في المدارس والجامعات وداخل برلمان كردستان العراق ومجلس النواب العراقي. فنضج عمل الجيل السياسي القديم هو جاهزيتهم لتَقبُّل واستقبال العهد الجديد وتوخّى مصلحة البلاد العليا قبل تحقيق أهداف خاصة.


2. ومؤشرات النضال التي نعنيها، ستعيننا على قتل الشك باليقين للخدمة الوطنية وزيادة المسؤولية والنأي عن أتخاذ المواقف الأنفعالية والأثارة الأعلامية وصياغتها بعبارات التهديد بالأنفصال وتعميم النقص والتشويه المُرسَل الى أذهان الجيل الكردي الجديد بأن الولايات المتحدة هي الجهة التي يجب أن تحل خلافاتنا الداخلية.

يكفي حكومة الولايات المتحدة والسلطات الفيدرالية فيها أنها مازالت تحقق الى اليوم في صفقات مشبوهة لأستثمارات وهمية وأموال مهربة لمشاريع عقدتها جهات أمريكية مسؤولة مع جهات عراقية ولم تُنفذ.
ومما هو مؤكد رسمياً الى آلان، سرقة وتهريب ملايين الدولارات بأشتراك اليهوديان فيليب بلوم و روبرت شتين الذين عملا غي العراق. ويكفي أن الرأي العام الأمريكي كان قد ألزم الرئيس أوباما بخروج القوات الأمريكية بأسرع زمن نظراً للضائقة المالية التي تعصف بالبلاد والملايين التي أنفقتْ هدراً في العراق.


أن أي مساس غرضه الطعن بوحدة المؤسسات الدستورية العراقية أو كان الغرض لأستعادة ألأعتبار السياسي أو ألاقليمي بطريقة النزوات التقليدية القديمة والسعي لحشد قائمة من الازمات التي تطرحها حكومة الأقليم ورميها للتحكيم، بدلاً من التجاوب معها بأيجاد صيغ لحلها، تتطلب من القوى العراقية أن تعالجها بشتى الطرق الحوارية دون تخريب مسيرة العملية الديمقراطيه، لأنها بدون شك، أعلان عن تأخير عجلة التقدم لأوجه النشاط الفكري والأجتماعي والأقتصادي والحضاري للقوميتين المتأخيتين.
وفي رأيي، أن توسع صلاحيات السلطة الاتحادية ليست تجاوزاً دستورياً وليست خطاً أحمراً ينذر بالخطر، لأنه ليس كذلك من الوجهة السياسية الدستورية، كما أن صلاحيات السلطة الاتحادية لايعني أنتقاصاً للحكومة الفدرالية وأنما هو تنظيم وتنسيق لأختصاصات كل سلطة. لذلك تكون دعوات أشراك دول أجنبية كالولايات المتحدة لحل المشاكل العالقة بين العرب والاكراد غير سليمة وقد تكون لها عواقب سلبية خطيرة على مسار الوحدة الوطنية للشعب العراقي.


مخاطر قومية على الطريق
وهنا لابد من أيضاح أربع نقاط، أظنها في أقصى الأهمية، وآظن أنها تُفهم اليوم بشكل أوضح لأنها لم تكن مفهومة في الماضي رغمَ حقيقتها المطلقة من الناحية السياسية والجغرافية، والتاريخية أيضاً، وهي بأيجاز:
أولآً، أن الخيال الخصب للبعض بفرض أقامة دولة كردية في شمال العراق لم يكتب لها أي نجاح. وهذا مايدركه القادة السياسيون من المثقفين العراقيين داخل الحركة القومية الكردية والقوى العراقية العربية. فلن يكون هناك أعتراف رسمي حقيقي لمثل هذا الكيان من أيّ دولة من الدول الأقليمية المجاورة، أِن لم نقل بأنه سيتم أجهاضه عسكرياً في الأيام الأولى من وجوده من دول محيطة متلهفة لدخول شمال العراق والتكالب على أفتراسه.


ثانياً، أن الولايات المتحدة، التي يعتقد بعض القادة الأكراد أنها ستقف الى جانبهم، هو حلم يُكرّسه أساساً بعض الأكراد في دول مجاورة ( تركيا، أيران، وسوريا ) لنيل شعبية الجماهير الكردية الفقيرة التي ستكون ضحية الأولى لهذا الأنفصال. وربما من المفيد أن نذكر بأن للولايات المتحدة علاقات متينة حيوية مع حكومتي العراق وتركيا ولايمكنها أن تتخلى عن مصالحها بتأثير كردي، خاصة وأنها صنفت حزب العمال الكردستاني أرهابياً وفق التصنيف التركي له.
وعند البحث ودراسة توازن العلاقات الدولية والمصالح الحيوية للأمم، فمن الصعوبة حصول كيان انفصالي كهذا، على أي تأييد أو تعاطف من أي دولة في العالم.


ثالثاً، سيكون هيكل مثل هذا الكيان هزيلاً، أن وجِدَ، في بقعة معزولة مخنوقة أرضاً وجواً ومحاطة جغرافياً بدول خارجة عن سيادة وتحكم الأكراد، وقد يفشل ويتساقط الكيان من الداخل بردة فعل كردية وطنية، كما حصل في أقليم كوبيك للناطقين بالفرنسية في كندا. كما أن سيسبب نوعاً من عدم الأستقرار وصراع قومي غير محبذ للكثير من الدول المحيطة بالعراق.
رابعاً، أن رفاهية الشعب الكردي وأمنه تتحقق بوحدة التربة العراقية والتعايش مع التجربة الديمقراطية الحديثة كما تعرف النخبة المثقفة الكردية التي يهمها نشر الحريات وعدم أثارة النعرات القومية.


وبدراسة ظاهرة الحركة الكردية والرجوع اليها منذ الأربعينات وخاصةً بعد الحرب العالمية الثانية، نجد أن الخارطة السياسية للعراق لم تتغير رغم الثورات والهزات السياسية التي عصفت بالمنطقة.كما فكرة الدعوة لللحركات الأنفصالية والعصيان لاتظهر الى السطح أِلا عندما تشعر القيادات الكردية بضعف قيادة الدولة المركزية وعدم أستقرار الوضع الداخلي أو لجوء الحكومة المركزية الى أعمال أضطهاد شوفينية أستبدادية عند مطالبة الأكراد بحقوقهم وحرياتهم الأساسية.


أن الصورة السياسية المرتجاة هي التأكيد على أن أختلاف الأراء في الشؤون العامة والحريات الديمقراطية والصلاحيات لايجب أن تأخذ منحى الصدام والتشنج القومي ومناداة دول أجنبية للتدخل كطرف ثالث لتقديم الحلول. أن ما يقوي مسيرة البلاد الوطنية هو الخلاف على ماهو الأنسب لتقدم العراق الديمقراطي الموحد وصيانة الحريات وليس التأكيد على الأختلاف القومي.


وأخيراً، أن أي حكومة عراقية في بغداد لايمكنها أن تقرر بنفسها أنفصال أجزاء من البلاد نتيجة نزوة أفراد لهم رغبات قومية أنفصالية، فوحدة أراضي الدولة هي أمانة مخولة من الشعب العراقي بيد الحكومة المركزية المنتخبة للحفاظ عليها والدفاع عنها. أما ما يجعل للقوى السياسية من شعبية بين الجماهير، فهي القدرة على أبعاد القوى الخارجية عن القرار العراقي، والقدرة في التمييز بين الخيال والواقع ونقل التجربة الوطنية الى أرض الواقع للحفاظ على المكاسب التي تحققت بدماء الآلاف من أبناء شعبنا بزوال الدكتاتورية.

ضياء الحكيم

[email protected]

ملاحظة : لأسباب تتعلق بأصول النشر، يرجى عدم الأقتباس دون الرجوع الى الكاتب.