زيارة الأربعين التي نشهدها في كربلاء بالعراق ليست طقسا ً منتزعا ً من فراغ، ولاهي َ تقليدا ً جديدا ً ابتدعه العراقيون الذين تحلـّقوا حول قبر الإمام الحسين. هي، بالتأكيد، اقتفاء لأثر واحد من أبرز الصحابة المنتجبين والمحدثين الصادقين، أي الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، الذي كان أول من زار قبر سيد شباب أهل الجنة بكربلاء بعد مرور أربعين يوما ً على استشهاده في عاشوراء العام 61 للهجرة.
ولد جابر بن عبد الله بن حزام في المدينة قيل خمسة عشر عاما ً من الهجرة، وهو من قبيلة الخزرج المعروفة، وكان هو وأبوه عبد الله بن حزام من السابقين إلى الإسلام. إستشهد والده في معركة أ ُحُد، وشهد جابر نفسه معركة بدر وثماني عشر معركة أخرى إلى جانب النبي الأكرم. وشهد معركة صفين مقاتلا ً إلى جانب الإمام علي بن أبي طالب.
أصيب هذا الصحابي والمحدّث الجليل بفقدان البصر في أواخر عمره، ومع ذلك فقد توجه إلى كربلاء حيث قبر الإمام الحسين مصطحبا ً معه عطية العوفي المحدّث المعروف. وفي كربلاء، إغتسل هذا الشيخ الجليل في ماء الفرات، وتطيـّب وتعطـّر، واتجه هناك إلى قبر سيد الشهداء الإمام الحسين، مخاطبا ً إياه بكلام مؤثر تردده الأجيال وتتلاقف أصداءه جنبات التاريخ، إذ خاطب الإمام الحسين بصوت متهدّج قائلا ً: أحبيب ٌ لا يجيب حبيبه؟ ثم زار الزيارة المأثورة الآن، وسلـّم على شهداء كربلاء جميعا ً وعاد إلى المدينة المنورة. وروي عنه في طريق عودته قوله لعطية العوفي:
أحب ّ محب ّ آل محمد ٍ ما أحبّهم، وابغض مبغض آل محمد ٍ ما أبغضهم، وإن كان صوّاما ً قوّاما.
دفع جابر الأنصاري ضريبة الوفاء والحب لأهل البيت حينما وشم الحجاج بن يوسف الثقفي جسده بالنار بسبب موالاة آل محمد ( ص ) لكن الأجيال اللاحقة كرّمته عبر استعادة ذكراه العطرة في الأربعين الحسينية وكأنه واحد من أبرز ممن دافعوا عن الإمام الحسين الشهيد واستشهدوا معه.
ويتردّد اسم جابر على لسان زوار الحسين وفق الأهزوجة الشهيرة للمرحوم حمزة الزغـيّر: جابر يجابر ما دريت بكربله اشصار.. من شبـّوا النار.. لكنهم يعنون بالفعل أنه أول من زار وأول من دري وأول من سن ّ هذه السنّة الحسنة.
فرضوان الله على جابر بن عبد الله الأنصاري ؛ الشيخ الكفيف.. البصير قلبا ً وقالبا ً.. ورزقنا رؤية وجهه الباسم في حضرة الحسين.. آمين.
علاء الزيدي
التعليقات