التقرير السنوي الذي نشرته مؤخرا منظمة السلام الآن الاسرائيلية يفسر ابتسامة السخرية التي على وجه إيهود باراك: إنه يضحك علينا! فباراك النشط في quot;مؤتمرات السلامquot; التي لا تحصى، والكريم في العروض السلمية، يمنح الوعود للعرب بيد والدعم للمستوطنين باليد الأخرى. الصورة التي يخرج بها المراقب لأسلوب باراك في السياسة هي أن الأخير ـ ببساطة ـ لا يعني ما يقول. يذكرني هذا بالبرنامج التلفزيوني الوثائقي الذي أنتجته الاذاعة البريطانية عن مفاوضات كمب ديفيد/2 والذي يكشف كيف ان باراك، وكما يروي الرئيس الأسبق بيل كلينتون، قد جاء الى مفاوضات سلام وهو خالي الذهن من أي خطة للسلام. لكن ما هو الأصل في هذا الأسلوب؟ أو لصالح أي هدف يبدي باراك هذا الدهاء الزائد حد الابتذال؟ ـ إنه الاستيطان، لُبّ المشروع الصهيوني. من غير المفيد لاسرائيل إجراء مفاوضات جادة أو حل نهائي لأن ذلك يعني نهاية الاستيطان قبل أن يحقق هدفه الستراتيجي: أكبر حدود ممكنة لدولة يهودية خالية من العرب. بهذا المنظور يمكن لنا تعيين أين هي الحقيقة وأين الوهم في قضية الشرق الأوسط. الحقيقة لا توجد في التصريحات، ولا في المفاوضات، لا في صواريخ حماس ولا في مجازر إسرائيل. الحقيقة موجودة على الأرض حيث يتواصل التوسع الصهيوني وتتواصل سرقة فلسطين. وما كشفه تقرير منظمة السلام الآن تأكيد إضافي لهذه الحقيقة.


يذكر التقرير أنه خلال سنة 2008 توسعت المستوطنات الصهيونية بنسبة 60% سواء في المناطق التي في داخل جدار الفصل أو التي خارجه. في الضفة الغربية زادت المستوطنات من 800 الى 1257، من بينها 261 مستوطنة أقيمت في أراض غير شرعية. ما يستوقف في التقرير أن 40% من هذه التوسعات حصلت شرق الجدار، والكثير منها تمتد الى عمق الضفة الغربية. هل كان الجدار الفاصل إذن مجرد مرحلة من مراحل التوسع الاستيطاني تفتق عنها ذهن الداهية أرييل شارون لالتقاط الأنفاس قبل الشروع بالمرحلة التالية فالتالية؟! ان هذه الوقائع تنفي، فيزيائياً، وجود سلطة فلسطينية يتعارك عليها الموهومون، وتنفي وجود محمود عباس نفسه فهو وَهْم جالس في بيته بينما الواقع الصهيوني يحاصره ويدنو منه يوما بعد يوم. ففي الضفة الغربية حيث quot;يحكمquot; السيد الرئيس يوجد في هذه اللحظة 285000 (مئتان وخمسة وثمانين ألف) مستوطن بالعدد، فيما يواصل هو مفاوضاته على تأسيس دولة فلسطينية في الضفة الغربية!


يظهر التقرير أنه في الوقت الذي وعد فيه المفاوضون الاسرائيليون بوقف الاستيطان فانه لم تتم إزالة مستوطنة واحدة، بل بالعكس فان مصادرة الأراضي تواصلت. في مؤتمر أنابوليس (2007) وعد إيهود أولمرت بتجميد جميع أعمال البناء للمستوطنات في الضفة الغربية. ثم صرح بعد ذلك بفترة بأنه أمر بتقليص المساعدات المادية التي تستخدم لبناء المستوطنات. أما الحقيقة التي يكشف عنها التقرير المذكور فهي ان الحكومة الاسرائيلية قد واصلت بالفعل، بعد تلك التصريحات، تقديم الدعم لتوسيع المستوطنات سواء بالمال أو بالتغاضي عن أعمال الاستيطان! الوعود مجانية، والمفاوضات بلا نهاية، وكذلك الحروب. وحده المشروع الصهيوني باستيطان فلسطين يمضي الى أمام.


الاسرائيليون لا يتفاوضون حين يتفاوضون، ولا يحاربون حين يحاربون: إنهم يضيعون الوقت ويشغلون الرأي العام بالمفاوضات تارة وبالحروب تارة للتغطية على مواصلة سرقة الأرض على أمل فرض الأمر الواقع والحصول على أوسع حدود ممكنة عندما يأتي يوم يجبرون فيه على عقد اتفاق نهائي. في هذا السياق يمكن أن نفهم المواضبة الاسرائيلية، من خلال عملائها حتى في داخل الأجهزة الفلسطينية، على سكب الزيت على نار الخلافات الداخلية الفلسطينية لاطالة أمدها، فكل إطالة في زمن الجمود يعني تقدماً أكثر في التوسع الاستيطاني.

سمير طاهر

[email protected]