حين جاء مخاض التغيير السياسي الاخير في العراق،أنطلقت الالسن والكتابات من عقالها لتتنفس الصعداء بعد ذلك الكبت المطبق الرهيب الذي قادته دولة جمهورية الخوف والرعب. كل منها يفلسف الامور على هواه دون ضوابط من نظرية تاريخية او سياسية واضحة. فراحوا يعتمدون في توصيف الحالة الخطيرة التي حلت بالوطن العراقي وأهله على رجال بعيدين عن الثقة والتدقيق في نقل الخبر او قراءة الوثيقة،مادام الكل قد فتح له المجال للتعبير عما قي رأسه مما ينقله دون ان يخبرنا من اين اخذ الخبر،حتى أختلط الحابل بالنابل كما يقولون.

لمَ حصل التغيير بهذا العنف الغير المعهود في العراق؟ لا نستطيع ان ننكر مراحل التغيير التي حصلت في تاريخ العراق السياسي الحديث،حصلت ثورات وأنقلابات ممزوجة بالعنف والفسوة منذ عهد الاستقلال الوطني عام 1925لكنها لم تصل الى حد الافراط اللامعقول من القتل والتعذيب الجسدي والنفسي دون مراعاة لحرمة طفل او أمرأة أو من ضمير. فهل فعلا ان جماعة التغيير باعت الوطن من اجل المال والجاه والمنصب الكبير؟ أم ان العراقيين متجذرين في الخطأ والفوضى منذ الزمن البعيد؟ أم ان التغيير الاخير أنقذ العراق من محنة الزمن القاسية والمصير؟ وهل ان امريكا جاءت به حقاً من اجل الديمقراطية والعراقيين؟ ام ما جاءت به من اجل مصالحها والصهيونية العالمية أجمعين؟ أيهما اقرب للقبول، أمريكا وقادة التغيير؟أم المراقبون الناقدون؟ فأذا كان التغيير من أجل انفاذ العراق من محنة الزمن القاسية، فلماذا حصلت الانتكاسة أذن؟ فضاع المال والحال والغالي والرخيص واحترق الاخضر بسعر اليابس؟ وأذا كان التغيير من اجل المصالح دون الوطن العراقي الكبير،فلماذ الدستور والانتخابات وظهور دولة القانون؟موضوع شائك وخطير، والقول الفصل فيه يحتاج الى التأني والصبر والتدقيق حتى لا يقع المتابع في خطأ التقدير الذي لا يرحم. وحتى نكون من المصفين.

بداية نقول ونحن ممن عاصر المحنة منذ البداية وحتى النهاية وأكتوينا بنارها في الحالتين وخرجنا منها محملين بالألام والجروح على الوطن والاعزاء بعد ما عز اللقاء علينا في تلك الايام الغابرة التي لاتنساها لاهي ولا همومها من عقول المخلصين.

،والقصة بدأت منذ ان أستلم صدام حسين السلطة في 17-7-1979 يوم نحي أحمد حسن البكر عن السلطة بالاكراه لتحل محله جمهورية الخوف والرعب والقتل والتشريد. جاء صدام حسين ليقول للناس حكاماً ومحكومين، أنه جاء ليعلن نهاية فوضى الدولة ورجالها المتنازعين على السلطة،وأنه جاء ليبني دولة الوحدة والحرية والاشتراكية،(أيها الشعب العراقي العظيم،يا جماهير الامة العربية،نحن جئنا اليوم لنبني دولة الوحدة والحرية والاشتراكية)،فقره من خطابه في 17/7/79فهل حقق ما أراد؟ وهل حقق ما وعد به الناس؟ فأذا الذي جاء به صحيح،فلم دبر فكرة المؤامرة وتصفية رفاق الدرب الطويل؟ وهم في غالبتهم كانوا خبرة وكفاءة وأخلاصاً للوطن والمواطنين،ونحن نعرفهم تماماً، من أمثال الحمداني وعايش وغانم عبد الجليل واخرين؟ واذا كانت أمريكا والقادة العراقيين الجدد جاؤا من اجل الوطن والحرية والديمقراطية،فلمَ هذا الانقلاب على الوطن والسماح للهجمة الشرسة عليه من اعدائه الاخرين، قتلا ونهباً وتشريداً وبيعاً للارض والماء والنفط دون رقيب أوحسيب،حتى تجاسروا على خارطته الوطنية ليستبدلونها بخارطة التغيير، وخرقوا كل الثوابت الوطنية فيه دون خوف او رادع من ضمير؟ كلنا نطلب الحقيقة وهي مؤلمة جداً آياً كانت فهي تاريخنا وتاريخ كل العراقيين،وليس من واجب المؤرخ دائمأ ان يعثر على الحقيقة،لان واجبه الاول هو عرض القضية بوضوح والقارىءيستنتج أو يحكم بعد ذلك بما يشاء ويريد.

وتمشياً مع المنهج واسترسالا مع الخبر والحقيقة التي يجب ان تعرف من قبل الشعب كل الشعب،لأن التغيير جاء بأسمه وله أقول:

من يقل ان صدام حسين لم يعمل شيئاً للوطن فهو واهم،كان قد عمل الكثير،و كان محباً للوطن، ففي عهده أزدهر التعليم بكل مراحله،وفتحت الجامعات والاكاديميات الفنية والعسكرية في اغلب محافظات العراق،ولم يكن على رأس تلك الاكاديميات ألا العلماء من العراقيين البارزين،وارسلت مئات البعثات للخارج فتخرج منها الكثير وعادوا للوطن وجرت محاولات جادة لمحو الامية في كل أنحاء العراق فنجحت الا القليل،ولولا حرب المجانين التي امتصت المال والحال والمتعلمين والمعلمين، لكن السلبية والأحادية كانت هي الغالبة في كل ما عمل وانجز في وطن العراقيين،وهذا الذي خرب الصحيح،وفي عهده انجز التصنيع العسكري والمدني وبنيت الكثير من المستشفيات، وفتحت الالاف من الشوارع والجسور والحدئق والمنتزهات،واهم ماكان يميز عهده الامن والامان في كل انحاء العراق،هذه حقائق لا ينكرها التاريخ. فالمؤرخ دوما عليه ان يكون منصفاً مع التاريخ.

لكن صدام حسين كان بالمقابل حاكماً مغامراً فرعونياً من طراز الفرعون الذين خاطبه موسى عندما نصحه بالاعتدال، فرد عليه قائلاً :(أني لأظنك ياموسى مسحورا).ردُ فيه خيال ومنطق وصدق لما يريد ويعتقد،وهي نفس النصيحة التي صدرت من المرحوم الدكتور رياض ابراهيم وزير الصحة حين نصحه بالتخلي عن الحرب فرد عليه برصاصة الموت الاكيد.،قالمتجبرون لايرون من الحقيقة اكثر من اقدامهم. ولو وعى صدام حسين الوطن والشعب وكان له رجالا لا يهابون الموت من الناصحين المخلصين لكون اعظم دولة وقاد انبه شعب في العالم،فشخصية القيادة الحازمة كانت متوفرة فيه بلا شك، وهي لا تتوفر الا في القليلين. ولو كان كذلك لما حل به وبأهله الدمار والخراب،لكنه لم يفعل،لماذا؟ لأن العاطفة حين تتغلب على العقل، وحين يخرج الطموح الشخصي عن الحدود،وترتكب الاثام ويختفي الضمير،وتركب الانسان نظرية الآنا، وتسيطر النزعات الفردية على البشر وتحلو الدنيا في عينه،ينسى الله والشعب والقانون والضمير،فتحل في عقله شريعة الغاب، فالعاطفة تدمر نفسها والعقل وصاحبها أجمعين. وهكذا كان،فقد رايته بعيني حين تمت أحالتنا على التقاعد ونحن في سِن الثلاثين،فسألته مباشرة عند المقابلة عن سبب اخراجنا من الجامعة،فرد علي بغضب،انتم الدكاترة لا تساوون عندي فلساً واحداً فأنقطع الحديث،فصمَتُ وسَلِمتُ بروحي قبل ان أدفنَ حياً مثل الاخرين. كان حكمه يمثل حكم المتسلطين الغاصبين.

والا لماذا فكر صدام بالأعتداء والمغامرة على جار الجنوب،لماذا حرب أيران التي أستنزفت الحال والمال والانسان، وأحتلال الكويت،اهو محتاج لنفط الكويت والكويتيين،لكن لا ننسى ان عوامل كثيرة أثيرت بوجهه من قبل الاخرين لكنها ما كانت تستدعي ما حل بالامنين،جعلته يفقد صوابه وتفكيره،كعادة كل المتجبرين. والا لماذا تهجير الناس والكفاءات والمقابر الجماعية دون رحمة او شعور من ضمير،اهو عراقي وهم غير عراقيين،والدستور لا يفرق بين الاثنين وهو ملزم التطبيق،والقرآن يقول (الأقربون أولى بالمعروف)،ويقول: (ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين).وهكذا كانت نتيجة كل طغاة الارض حين أضاعوا الارض والعرض والمال والناس والأهل أجمعين. ألم يكن مروان بن محمد الاموي لاقى في قرية بوصير المصرية نفس المصير.

والا لماذا هدر صدام الملايين كوبنات نفط ليرضي بها الاقلام المأجورة والنفوس المريضة، وكل اللاهثين وراء المال الحرام او ليدفنها في حيطان قصورة البائسة ليتلقفها كل شذاذ الافاق من حراميةٍ رافقوا التغيير،ليبنوا بها قصورا سوداء وارصدة صفراء وهي ملك الشعب الحزين،ولماذا تنازل عن الارض العراقية هبة منه للاخرين على طريقة (وهب السلطان ما لا يملك من ملك الاخرين). واليوم وغدا سينكشفون امام الله والشعب الظليم،وطلائعهم بدأت تنكشف امام التاريخ ورب العالمين.فالفرعون كان يحب مصر والمصريين جداً وصدام مثله،لكن الخروج على منطق الاشياء قد قادهما الى نفس المصير.فهل وعى الاخرون ما أخطأ به السابقون؟ أم لا زالوا في غيهم يعمهون؟

ولنعد الى المحررين الجدد فنقول:
ان رواة الحقيقة عن التغيير وأهدافه الحقيقية قلة،وعلى قلتهم فهم مقيدون،لا من رجال الدولة ولا من الغاصبين، ولكن من الاثنين معاً.وظروفهم الاجتماعية المربوطة بالدولة ومعايش الزمن الرديء لا تسمح لهم بقول الحقيقة،فالحقيقة مرة عند مغتصبيها لكنها ستنكشف،فالظلم والظالمين وخونة الامة والمزورين والمرتشين مآلهم جهنم وبئس المصير..لذا نرى الكثير منهم وان تكلم يتكلم من منطق عدم الثقة بنفسه وخوفا على اهله والتابعين،فلا تقل جاءت الحرية وعصرجان جاك روسو وأنما عاد عصر العسرة وأجتياز الصعوبات والمخاض الكبير،لنبني وطناً جديداً للعراقيين، والتاريخ لا يعيد نفسه لكن الزمن يعود باحداث اخرى متشابهة وأن أختلف زمانها،لانك حين تكتب عليك ان تفهم أنك تكتب تحت أراء المختلفين؟ لذا عليك ان تكون صادقاً محايدا امام الناس أجمعين. أين اليوم غالبية رجال مجلس الحكم الهاربين؟ في عمان ودبي ولندن وواشنطن في قصورهم الرقة قابعين.ولنعد لنقول من هم المختلفون؟هم الذين يريدون ولا يريدون اصلاح الحال والناس،فمنهم المخلصون والشعب يعرفهم بسيماهم،وها نراه اليوم يتعلق بهم أملا بالخلاص من محنته القاسية،فيسميهم رجال دولة القانون، ومنهم من يؤمن بنفسه والمناصب الجوفاء والكراسي الحمراء والورود الصفراء والسجاجيد المزركشة التي ما تعودت عليها انفسهم بعد،وألا لماذا الحصون والقلاع وأسوار خيبر اللعين، وسرقة اموال الله والناس،اهي التي تحميهم ام العدل المبين؟أما كان بمقدور عمر وعلي(سلام مني عليهم) ان يستولوا على كل أموال المسلمين،فلماذا ماتوا وهم في فقر مبين؟. فهل سنبحث مرة اخرى عن انصار مخلصين يدرؤون خطر الموت عن شعبنا العظيم،ام فيهم من يتحين الفرصة ليزيح الصمت اللعين.

ومهما نقرأ ونكتب لا نخرج الا بأنطباعات ثلاثة:-

الاول : ان الكثير من المخلصين لم يعرفوا لماذا أيدوا ورقصوا في عُرس التغيير. والثاني : ان المخلصين من المغييرين على قلتهم يعرفون انهم بالمسئولية والوطن محددين،فمنهم من مات على الشهادة امثال محمد باقر الحكيم وعز الدين السليم. وبقيت اليوم قلة من المخلصين يكافحون وينافحون من اجل الشعب الكظيم.
والثالث :ان من دبر المؤامرة والانحراف لم يكن منا من يعرفهم ولا حتى المغييرين،فهم في غياهب الجب يسكنون او مع شاليط يتحدثون، الم يرقصوا مع أصحاب التمبل في قصر جمهوريتنا العتيد وصورهم لا زالت شاخصة في أذهان المخلصين. او عند كارنر وبريمر وولفوت واصحابه الخونة باعة الضمير،فهل من مجيب؟ ثروات الوطن تكدست في حساباتهم وهي سمُِ زعاف تحرق بطونهم اليوم وغدا مثلما حرقت قصور واموال السالفين.

هذا الوضع هو الذي يخيف الكثير من المخلصين،لا لكونهم لهم اليد في التغيير،بل لأنهم اثناء المعارضة قد شجعوا التغييرا.وقالوا كلاما كثيرا بحق امريكا والمغيريين أثر قي تاييد الناس المخلصين.اما مطالبة الناس بتحقيق الوعود التي وعدوا بها، فهي مطالبة بمنطقية الحق لتحقيق وعود المنتظرين،لانهم هم رجال السلطة والمتنفذين في ادارة الدولة اليوم،وبيدهم مقاليد الآمور.هم جاؤا بوصية الشعب فهل سيخلفون الوصايا وينفردون دونما مسائلة او حساب؟ والوصايا العشر في سورة الانعام (151-153) جاءت في غالبيتها بآيات حدية لاتقبل التأويل؟ان الوضع الرمادي لدولة التغيير اليوم واستئثارهم بالسلطة جعل الناس في حيرة ولربما تصبح الحيرة فتنة اذا لم يصحوا على انفسهم ويميلوا نحو الشعب والوطن ويحققوا وعود التغيير.

فهل بالتحالفات الوفاقية فيما بينهم سيحكمون بدكتاتورية جديدة بأضفاء الشرعية القانونية عليهم لبيقوا يحكمون؟؟وهل بالمحاصصة الوظيفية البغيضة والطائفية اللعينة سيبقون؟ وعن الكهرباء والماء والتعليم والمرض والارض المباعة وحقول النفط المشتركة الموهوبة ظلماً للاخرين لا يعرفون؟ أين أختفى السارقون؟ هاهم في عمان ودبي وشيكاغو ولندن وباريس وواشنطن يسكنون،مرفهون في أموال اليتامى لكنهم بالحقارة والتعاسة والخيانة يعيشون حتى ملابسهم تكرههم والمرافقون،يخجلون حتى من دخول مجالس الناس لانهم خائنون،انها ايام سود تلك التي تمر عليهم وهم يشعرون،اما كان الافضل لهم ان يكونوا نبراسا لوطنهم مثل الاخرين،الذي أصبح الشعب يعتز بهم لوفائهم بالعهد الامين،هم الفقراء ونحن الشرفاء الاغنياء،بكل مفاييس المقدرين.امر يدعو الى التفكير،يا شعب العراق تمسك بالمخلصين.

أيها المخلصون أخترقوا الصعاب لتثبتوا الجدارة والاخلاص للشعب والوطن،فبالوفاء وحده يحقق الامل،وبالقانون وحده يسود الامن الرصين؟، والقرأن الكريم يقول:( وأوفوا بعهدكم اذا عاهدتم ولا تنقضوا الآيمان بعد توكيدها). أما اذا أبتعدتم عن الوفاء فلا أمل تحققون.

اسماء زالت وأختفت،صدام والجزراوي والمجيد وأخرين،وحلت مكانها أسماء أخرى كثيرة أزدحمت بهم لوحات المعالي والفخامة،وما كان يجب ان تقرن بهم أبداً،فهي كانت عند المتغطرسين،هل ستبقى تحكم مثلما حكموا السالفين بقوة السيف والمال، ام سيحكمون بالعلم والدستور والمجلس المنتخب الرصين،كما كانوا يوعِدون؟ يقول الامام علي (ع) :( من أبطأ به عمله،لم يسرع به نسبه). صدقت يا أمير المؤمنين.

فالرخاء وعنفوان السلطة وجاهها في الوفاء للوطن وحفظ المواطنين،لا بالجعجعة والسيارات السوداء وألقاب المتفيهقين، أم بدأ الوهم المزيف يزحف اليكم، لا بل اصبح جزءً منهم، كما نراهم بأعيننا اليوم، فالذهب الاصفر يغري النفوس المريضة اصحاب العقائد المهزوزة،فمن حقهم الاستحواذ على السلطة والمال الحرام،ولكن ليس من حقهم حكم المواطنين،لان ذلك مسارهم،فأذا كانوا كذلك،ما كان من حقهم ان ينسبون أنفسهم الى علي وعمر والحسين،فرق بين الاثنين كبير،بين من ضحى ومات على المبدأ شهيدا،وبين من استولى وأغتصب ظلماً وعدواناً،فرق بين الحُسينٍ ويزيد.

بعد هذا الذي جرى لرجال العهد السابقين، وهم امامكم يحاكمون وفي اقفاص الاتهام من النادمين،اما كان لرجال العهد الحاليين ان يفكروا بالذي حدث ليضعوا قواعد دستورية ثابتة لتولي مهام الدولة وحقوق المواطنين. فالامة هي التي تختار الرئيس وهي التي تتولى عزله اذا لم ترضَ عنه. وما هي حدود سلطته؟وكيف يتم اختيار كبار الموظفين؟وكيف يكون تعينهم؟وكيف تحدد رواتبهم؟وماهي وسائل الرقابة عليهم؟هذه كلها مشاكل لازالت بلا حل رغم وجود الدستور والقانون ومجلس الامة المنتخب.أذن أين الحل يا حكومة المغييرين؟ ستُ سنوات مضت ونحن من المنتظرين. أنبقى نسميها فرصة المنتهزين.

الحل ان تأتمروا بما اراد الله له ان يكون( أعدلوا ولوكان ذا قربى) ان نعدل بين الناس مادياً ومعنوياً ونطبق القانون، فنبعد الطائفية ونرفع الشعار الوطني(من يحتضن الطائفية يعادي العراق)- على حد قول احد الاصدقاء- والمحاصصة الوظيفية ونظرية شيلني وشيلك.ان 95% من موظفي الدولة الكبار هم من نظرية( شيلني وشيلك).وزارات ومؤسسات وسفارات والغالبية في مجلس الامة، والا هل من المعقول ان الرئيس والوزير والنائب هو الذي يحدد راتبه بنفسه دون القانون؟ والنفس أمارة بالسوء حتى وصلوا حد التخمة من التجاوز على المال العام؟ وهل يعلمون ان جيشاً من المستشارين في الداخل والخارج يستلمون اعلى المرتبات بلا عمل يؤدون تطبيقأ لنظرية شيلني وشيلك،وفوق هذا وذاك تكشفهم الايام واذا هم زمرة من المزورين؟ أم نحن الواهمين؟هل يستطيعون ان ينفوا الذي قاله رئيس هيئة النزاهة - حتى ولو كان هو منهم - بحقهم في تجاوز القانون. ام لازال القانون بنظرهم معطلاً. والاسلام والوطن وحقوق الناس لا تعرف التعطيل.

وبالمقابل،ما دمنا نكتب للتاريخ، الم يزيح التغيير عنا كل معوقات الغرور،فالحرية تحققت والحقوق ظهرت حتى ولو بتقنين،فمن كان منا يستطيع ان يحصل على جواز سفر بيوم واحد ويسافر دون رقيب او حسيب،من منا يستطيع ان يدخل مجلس الوزراء ليرمي بحذائه ضيوف الحاكمين ويبقى هو وسابع ظهرمن اهله على قيد الحياة مثل الاخرين.من منا يطالب بالحقوق دون رغبة اورهبة من الحاكمين حتى ولو كانوا ظالمين.من منا يدخل لوطنه الام بجواز سفر لدولة اجنبية دون اعتراض اومحاسبة او تحقيق،،نعم موظفنا الذي كان يتقاضى ثلاثة دولارات في الشهر اصبح اليوم يقبض الف دولارٍفهل نسكت عن هذا التحول ونكون من الناكرين.أمور كثيرة تحققت ولو أكتملت بالوفاء والامانة وحسن التقدير لاصبحنا احسن دولة تحت سماء رب العالمين. فاليقارن الحاكمون بين الصح والخطأ،ايهما اوفق لهم عند الناس والعراقيين؟.وغدا سيحاسب كل من اساء للشعب والوطن واستغل ظروف الفوضى له من الحاكمين.

نحن تريد من المخلصين الذين نسميهم رجال دولة القانون،نريد منهم اليوم الملف الامني دون نقص او تقصير،نريد منهم الملف الاداري تحقيقا لحقوق المواطنين،نريد منهم اعادة المهجرين واعادة دور المغتصبين وحقوق المظلومين التي لا زالت لجان الدولة تتلاعب بها تحديا للمواطنين. نريد شارعاً نظيفاً فيه أمان الامنين،نريد حقوقنا التي سلبت منا عند الاخرين،نريد اتفاقية مع الدول الكبيرة لنُحترم مثل الاخرين،نريد مُفاوضاً كفوءً أمام الاخرين،نريد من يمثلنا شخصية تؤمن بالله والوطن وحقوق كل العراقيين. وبالجملة نريد وطناً مثل أوطان الاخرين.

من واجبنا نحن المؤرخين ان ننبه الناس الى ضرورة البحث عن حقائق الامور،رغم تجاهلهم لنا عمداً وحقوقنا الشرعية مهدورة عندهم الى اليوم. وعلينا ان نقرأ ونتأكد من الذي حدث قبل ان نكتب ما نريد. لقد زالت الدولة برجالها،وجاءت الدولة برجال أخرين،فهل سألنا أنفسنا،لماذا ذهب السالفون وجاء القادمون؟ امن أجلهم جاء التغيير ام من أجل الناس والوطن وكل المعذبين،فهل جاء الاسلام من أجل ان يحيا بالناس ام يحيا به الناس أجمعين؟ فهم حكام والسابقون حكام وكلهم من العراقيين، فالافضيلية للمخلصين.لا لأسماء الحاكمين. وأنا أقرأ التاريخ والنصوص فلم أجد فيها الا القليل من الادلة على التغييرالكلي بين السابقين واللاحقين.

صحيح امورتغيرت وظروف تبدلت وحالات استجدت لصالح المواطنين، لكن ليس كما كنا نريد من وعود القادمين، فلا شعور بالوطن والوطنيين ولم يقيموا لأنفسهم معبدا ًينبض بأحاسيس تقوي من ارواح المؤمنين. فهل من حقنا ان نصفق لهم لأنهم مغييرون؟،لا احد يستطيع اليوم الدفاع عنهم بالكلام الفارغ،والكلام الفارغ لا يتكون الامن الالفاظ الخالية من المعنى وفائدة الضمير. نريد افعالا لا اقوالا بعد ست سنوات من التغييرفهل حد ث التغييرالذي نطمح اليه حقاً؟ بنظري، لا؟ فنحن لازلنا ننتظر التغيير. فلا مدرسة جاءت بمنهج جديد،ولا مستشفى بني على الحديث،ولا شارات مرور في شارع مضيْ ولامعاملة تمشي دون وساطة او رشوة او تحقير،ولا موظف يعين في دائرة تحت المسابقة ليتبين من هو الاكفأ للتعيين،فها هي دوائرهم وسفاراتهم يعشعش فيها جملة من الآميين ألا ماندر، فهل ان دولة القانون ستفرض القانون ليحل التغيير؟ أنطق يا أوركاجينا ويا آور نمو ويا حمورابي فالكل بأنتظار دولة القانون، أطفالنا اليتامى، أراملنا المتسكعات في الطرقات المباعات في سوق التعاسة في دبي وعمان ودمشق،شبابنا المصطف ذليلا على ابواب السفارات يستجدون تأشيرات اللجوء،تلاميذنا التي تعاملهم دول الجوار بالاهانات، ارضنا التي سرقت لتبنى عليها اسوار الحكومات، خرائط ارضنا التي تبدلت ونحن نعطي لهم نفطنا ومالنا غير مبالين ونجري ورائهم وكأننا اطفال وراء امهاتنا نبكي ونصيح وهم يقهقهون؟ ومؤتمرات تعقد هنا وهناك وتصرف عليها الملايين ولا تخرج بتوصية واحدة تنفع الشعب والموطنين،لأن القائمين عليها لا تهمهم سوى بهرجة الاعلاميين.. كم ننتظر ونحن على مشارف درب الرحيل. اليس من حقنا ان نرى التغيير،لنكتب ولوا سطراً واحداً تقرأه اجيال المنتظرين. ففي كربلاء المقدسة فازبعض المخلصين لكنهم لا زالوا مهملين. قأين اليمقراطية أذن؟

وأذا أردنا الحق- ونحن نبحث هنا عن الحق والحقيقة - فهذا يا سيدي كلام فارغ فيما يقولون ويبررون ونحن نرى بأم ِ اعيننا كيف يتصرفون بأموال الناس،وبوظائف الدولة يتحكمون،فلا احد يستطيع اختراقهم ابداً،فالوزارة لهم، والسفارة لهم، والملحقية لهم، ومؤسسات الدولة كلها لهم،فهل من اجل هذا جاء التغيير،لابل حتى حقوقك المشروعة لن نستطيع ان نأخذها منهم الا بشق الانفس وملاحقات الروتين؟ أذن لمَ جاء التغيير.فهل ان عهد السالفين عاد علينا بثوب جديد؟ لا زلنا نراه مزركشاً لكنه يخفي تحته كل أدران القادمين؟

وليس هذا الذي نراه ونلمسه يضرنا فقط، بل مسألة الخطأ والكذب في نقل الخبر، وتضخيم الحقيقة اصبحت تضر بعقولنا وعقول أجيالنا،لاننا تعودنا قراءة الاخبار والحكايات الكاذبة الفارغة وقبولها منهم ومن المتملقين،مما يؤدي بعقولنا في النهاية الى الهيافة والهشاشة،ويعطي للاخرين أسوأ التصورات والافكار عنا، وهذا الذي يرمينا به العالم اليوم،فلا صادق فينا ولا رحيم يقولون لنا كل شيء قد عاد ونحن نرى ظلاما في شوارعا،وماءَ آسنا في أزقتنا،وامراضا في بيوتنا،وسرقة لأموالنا،وأحتكاراً لوظائفنا وأهمالا لمهجرينا،. وهذا هو الاستغلال والتدمير.فهل من منهج جديد؟.

اخبار كثيرة نقلت لنا خطئاً، منذ عهد الامويين والعباسيين، ولا زالت شاخصة في كتب المؤرخين،فقد قيل في الوليد الاموي والحجاج والمنصور العباسي ما قيل في كل الظالمين. لكن لا احد منا يقرأ التاريخ ليتعظ بالسالفين.

أخرجوا يا مخلصين فالشعب يثق بكم اليوم ويلتف حولكم، ممن تكونوا من الاسلاميين أوالبعثيين او الشيوعيين اوالمغييرين الجدد لقد اعطاكم الشعب صوته في أنتخابات المحافظات ونرجو ان يعطيكم اكثر في الانتخابات العامة،اخرجوا الينا وقولوا للعراقيين كل خطأ ارتكب،وابعدوا عنكم كل المنافقين الأفاكين الكذابين الذين بنوا قصورهم السوداء من دماء الايتام والثكالى والمرضى والمحرومين، وقولوا لهم أبعدوا عنا فنحن يجب ان نكون من المصلحين،حتى يصدقكم الشعب وتخرجوا من محنة عجاف السنين. القادة العظام هم الذين يصنعون الشعب والشعب هو الذي يصنعهم دوما وعلى مر السنين اصحيح لا وريث لاركاجينا وآور نمو وحمورابي وشلمنصر وسنحاريب ونبوخذ نصر في عراق العراقيين،هل عقمت المرأة العراقية حتى اصبحت غير قادرة على ولادة القادة العظام المخلصين. سيبقى عمر وعلي والحسين من الخالدين.فهل من قائد جديد ليكتب اسمه في سجل الصادقين.فأن وجد فعليه تحقيق أحلام العرافيين.
.
لقد اصبحت خلافةالدولة الاموية والعباسية من بعدها، ملكاً عضوضاً،وهذا ما انكرته الامة عليهم،ولكن لا أحد من جاء من بعدهم صحح الخطأ تصحيحاً شرعياً بوضع دستورللدولة تُحكم بموجبه الدولة والمواطنين، أنما تحولت السلطة الى عنف وقسوة وغدر وخيانة،وهذا هو الذي يجب ان يقال دائماً من قبل المؤرخين: حتى لا نصيب الاسلام وأهله المخلصين بأذى ونلحق به شرور الناس. وحتى لا يكون ملك الشعب ملكاً عضوضا على طريقة الامويين والعباسيين؟.

ان القانون في العراق له تاريخ السنين،تاريخ لعب دوراً في التطور الفكري والحضاري للعالم وللعراقيين أجمعين،فضمن حقوق العامة والخاصة التي لاتسبب الاضرار بحقوق الاخرين،فهل يعلم حكام العراق اليوم ان وطنهم سن القوانين قبل سبعة ألاف سنة واليوم نحن نعجز عن ايجاد دولة القانون؟ فهل سيستطيع رجال التغيير الجدد صنع هذا الانسان العراقي بمنهج جديد يصبح المؤرخ يكتب بحق وحقيقة وهو من الامنين؟ والتلميذ يقرأ منهج المعتدلين لنُخرجَ جيلاً جديدا بعيداً عن منهج المنغلقين، وأخيراً نقول: أليس من حقنا اليوم ان نطالب بتطبيق دولة القانون؟ في عراق العراقيين.أم نبقى ننتظر ولادة صبح جديد بعد ليل المتجبرين؟ فأين دولة القانون؟بعد ستِ سنواتٍ من عِجاف السنين؟


د.عبد الجبار العبيدي

[email protected]