الإنتخابات النيابية تعود مجددا إلى لبنان وقد اعتدنا زياراتها الدورية تحمل إلينا معظم الوجوه التي نعرفها عن ظهر قلب وتعرّفنا بوجوه قليلة سندمن مشاهدتها طوال العمر لا لأربع سنوات فحسب.

الإنتخابات تعود وكثافة الحملات الإنتخابية هذا العام تدعو للإستغراب أمام حجم الإنفاق على إغراء الأصوات الذي يتناسب مع حجم الصور والإعلانات الضخمة وقد احتلت الطرقات الرئيسية وامتد بعضها -حين استطاع المرور- إلى الأزقة. إغراء للأصوات قبل أي محاولة، ربما تكون أو لا تكون، لشرائها.

لم يتسن لبعض الأحزاب إطلاق حملاته الإنتخابية بهذا الشكل في الدورة الفائتة عام 2005 فالوضع كان مسكونا باغتيال الحريري ورحيل السوريين والحلف الرباعي وقانون غازي كنعان، وكذلك بضعف الزخم الحالي للتيار الوطني الحر الذي كان 14 آذاريا، وللقوات اللبنانية التي لم يكن قائدها سمير جعجع قد خرج من السجن بعد.

هذا العام انتشرت الألوان تنافس ما عداها تعرفنا على انتماء المنطقة حتى لو كنا آتين ببركة أحد المرشحين وعلى نفقته الخاصة للتصويت من المكسيك نفسها ودون فحص لأنفلونزا الخنازير. كثير من سكان الأحياء سعيد للغاية حين يعلق حزبه إعلانا إنتخابيا أو صورا للمرشح على نفقة الحزب فقد اعتاد هذا الشخص أن يدفع من جيبه ليزين الحي بأعلام وصور تشكل انتماءه. يذكرني هذا بأحد الأشخاص الذين كتبت عنهم لكن بشكل معاكس؛ حين قرأ عن نفسه في الجريدة وظن المقال إعلانا فسألني: كم يتوجب علي أن أدفع!؟

الألوان تصبغ الشوارع بالأمثال والحِكم اللبنانية الأصيلة وquot;الملائكيةquot; لدى كافة الأطراف؛ إعلانات المستقبل تعد بالمستقبل، وإعلانات التيار الوطني الحر تقارن بين الأوضاع، وإعلانات حركة أمل تـquot;أملquot; بكثير من الأمور، وإعلانات حزب الله تشطب كل أنواع السوء، وإعلانات القوات اللبنانية تقارن بين لبنان بلون أصفر وأرزة برتقالية (حزب الله والتيار الوطني الحر) وبين لبنان الأصلي الذي يحمي أرزته الرب نفسه- وهو طبعا لبنان القوات اللبنانية.

القوات اللبنانية نفسها وضعت إعلانا ملأت به الطرقات يتحدث عن المقارنة بين المشارك السلبي والمشارك الإيجابي. فالمشارَكة السلبية تُظهر صورة فتاة تمتنع عن التصويت وهي تنظر إلى مشهد تقاتل من نوع ما، والمشارَكة الإيجابية تظهر يدا تقترع (وطبعا للقوات)، وكذلك تستخدم القوات في هذه الصورة علم لبنان وهو الصوت الذي تدخله اليد في الصندوق، إلى جانب أرزتها؛ فالحزب لبناني quot;صميمquot; ولو انها كلمة زائلة منذ سبعينات القرن الماضي.

تبدو القوات اللبنانية في هذا الإعلان كرجال الدين تماما. أولئك الذين يدعون ملحدا لعبادة الله فيزينون له فكرة الله الخالق والمبدئ والمعيد ونعيمه وجنات خلده ورحمته وثوابه وعقابه وكل ما هنالك من مصطلحات دينية تصب جميعها في مصلحة المدعو إليها برأيهم.

لكن الملحد وإذا ما غير من أفكاره وابتعد عن الإلحاد فإن رجل الدين لا يريد له إلا أن ينتمي إلى مذهبه الخاص دون سواه. لا نعرف كم يبقى من الفكرة الأساسية وما ستكون ردة فعله حين يكتشف من دخل الدين عن طريق ذلك المذهب أنّه خدع بطريقة ما. ربما لن يكتشف ذلك وربما يصبح أحد شيوخ طريقته وسيكون متشددا أكثر من سواه أيضا. سأدعو له بذلك فشعارات القوات اللبنانية تمتد إلى طريق الجديدة نفسها- حيث عرين السنة في بيروت، ووطى المصيطبة ما غيرها- حيث عرين الدروز، هذه الأيام وتجد ترحيبا حارا أينما حلت.

إنتخابات تدق الأبواب ومن بقي خارج بركة بطاقة الهوية الجديدة وقد هطلت على أصوات مفترضة في الداخل والخارج فليجد مكانا آخر غير لبنان الذي تتقاذفه الألوان- وكلها دوما على حق. فاللبناني الأصيل هو صاحب الصوت الأعلى والأكثر تأثيرا مهما كان سبب استخدامه؛ لبيع الخضار والسمك وquot;الألمنيو نحاس بطاريات عتيقةquot; أم للإقتراع.

عصام سحمراني

[email protected]