المراهنة على تحقيق أهداف سياسية سواء كانت ذات مصلحة ضيقة، أم عامة، أمر ملازم للفعل السياسي، وإلا لامعنى للعمل السياسي أصلا، والمراهنة هذه لا تعني بأي حال من الأحوال، أن ما تقوم عليه هذه المراهنة من وقائع هي صحيحة، ربما تبدو في النهاية سرابا، والوسائل المستخدمة لتحقيق هذه الآمال تتحول بفعل الصراع نفسه، إلى آليات هشة وسخيفة، ويتحول موضوع التغيير إلى مقولة سخيفة، وخاصة عندما تتبدل موازين القوى السياسية. وتبدل موازين القوى لا يعني أبدا ان كل القراءات للواقع المعني تكون خاطئة. بل ربما العكس هو الصحيح، وكمثال على ذلك، هل المعارضة السورية كانت قراءتها لواقع النظام في سورية خاطئة، أم أنها تعاملت مع هذه القراءة بأساليب خاطئة، وربما بهواجس لم تكن صحيحة، واستخدام وسائل قاصرة عن تحقيق أهداف المعارضة، أو ربما النظام وجد من يسانده ويحسن مواقعه، لاعتبارات لاعلاقة لها بالقراءات النظرية الصحيحة، وكمثال على ذلكquot; هل تغير موقف الأصدقاء في جماعة الأخوان المسلمين في سورية من النظام، له علاقة بقراءة نظرية خاطئة لواقع النظام، وهل تحول النظام بين ليلة وضحاها إلى نظام آخر مختلف عما كانت عليه القراءة السابقة لتغير موقف الجماعة؟

هنالك من الطبيعي جدا ألا تمنع القراءة الصحيحة للنظام السياسي، من أن تختلف قوى المعارضة بطريقة التعاطي مع هذه القراءات، ولنضرب مثالا على ذلك، كل قوى المعارضة بما فيها الأكثر قربا من السلطة مجتمعة مثلا سواء علنيا أم غير علني، على أن النظام بين طبيعة طائفية وذا سلوك طائفي، وهذه لاتغيرها نظريات لا أولى ولاثانية ولا ثالثة، ولكن اختلاف التعاطي السياسي مع الموضوع ربما يجعلها تتراجع في خطاب بعض المعارضة السياسي وتتقدم في خطاب معارضة أخرى.

في إعلان دمشق وجبهة الخلاص تراجع الحديث مثلا في الآونة الأخيرة عن التطرق لقضايا الطائفية في البلد، ولكن سلوك النظام تغير؟ رغم أنه خرق تقليدا كان والده الرئيس الراحل يتبعه، وهو أن وزير الدفاع عادة يكون من الواجهات السنية على سبيل المثال، والآن تغير الموضوع ليستكمل كل المناصب في الجيش والدولة لتكون حكرا على أبناء شعبنا من الطائفة العلوية؟ ما السبب، ربما هذه ردا على مبادرات المعارضة، سواء بتعليق نشاطها المعارض، أو بترحيبها بالانفتاح الأمريكي على النظام، كما هي أجواء إعلان دمشق الآن، وإصرار خطاب جبهة الخلاص على التقاطع قوميا مع خطاب النظام، سواء في حديثه عن القضية الفلسطينية، أو عن مقومات عملية السلام. أو تراجع الخطاب الليبرالي عند جبهة الخلاص وإعلان دمشق معا، نحو خطابات ذات طبيعة قومية اجتماعية!!! وعند الحركة الكردية، نحو مزيد من الانغلاق القومي في الخطاب السياسي. كنت في كتابات سابقة من جدل المعارضة، قد أكدت على أن ترك الباب مواربا مع النظام لا يعني أن نطلق خطابا يتحدث عن طبيعة غير حقيقية للنظام، كأن تقول أننا نتحاور مع النظام، لأنه كذا وكذا سواء في الخارج أو في الداخل، بل أننا يمكن ترك الباب مواربا مع نظام فاسد لمصلحة سورية، أو لمن يرى أن في ذلك مصلحة سورية. ولنأخذ أمثلة ربما نتعلم منهاquot; النظام يحوز بواسطة التيارات الإسلامية على شعبية في الشارع العربي بحجة الممانعة، وبنفس الوقت تتعامل معه كثير من التيارات السياسية، في الأقليات المسيحية لكونه من يحمي الأقليات في المنطقة، لنلاحظ مثلا القوى المسيحية في حركة الرابع عشر من آذار في لبنان، فإنها تضع المعارضة والنظام في سورية في نفس السلة لا بل بعضها تعتبر أن المعارضة أخطر عليها من النظام. ولنلاحظ أيضا موقف الحزبيين الكرديين في كوردستان العراق! والأمثلة كثيرة، وعلاقتها الوثيقة مع النظام. واستقبالها لمعارضين أكراد سوريين لا يغير في واقع الحال شيئا. إننا في المعارضة عموما نتعرض لضغط الخطاب القومي بشقيه العربي والكردي، ونتعرض لضغط خطاب السلطة والإسلام السياسي علينا، ونحاول أن نكون ملكيين أكثر من الملك. جبهة الخلاص تخاف من مزايدات بعث السلطة والإسلام السياسي، وكذا الحال إعلان دمشق، والحركة الكردية دخلت نفق المزايدة القومية مع أطراف المعارضة العربية، ومع بعضها. وآخر البدع- النكتة أن أحد بيانات جمعية كردية تعتبر أن المعتقلين الكرد السوريين هم أسرى عند النظام!! وجبهة الخلاص تريد وتركز في خطابها على أن يتحول النظام إلى نظام ممانعة حقيقي وليس إدعاء وكنت قد رددت على هذه النقطة، وكأن خلاف الجبهة مع النظام بأنه ليس نظام ممانعة!

مع ذلك رغم هذه اللوحة الناقصة تحليليا، والتي تبدو مشتتة كمطلب ديمقراطي سوري موحد، إلا أن هذا لا يخفف أبدا من حجم التفاؤل النسبي، ولا يجعل المطلب الديمقراطي السوري مطلبا مؤجلا. يبقى أن نقول أن النظام مطالب أكثر من أي وقت مضى بإلغاء المادتين الثامنة والثالثة من الدستور السوري، والدعوة لانتخابات تنافسية حقيقية بإشراف دولي تنقذ سورية وشعبها.

غسان المفلح